وأنا اتابع حملة التشهير والمن والاذى، التي تقودها السعودية ضد لبنان، أتساءل عن ما الذي حدث حتى تقوم الدنيا ولم تقعد ضد هذا البلد العربي، الذي يعاني من التدخلات الخارجية أكثر مما يعانيه من فساد وعبث حكامه وانظمة المحاصصة فيه؟! .
ما هذا الذنب العظيم الذي اقترفه اللبنانيون حتى تنهال عليهم كل هذه المعاول؟! ..هل خربوا الكعبة، أم انهم مسوا الذات الالهية المقدسة لمجرد ان أحد وزرائهم وصف حربهم في اليمن بـ”العبثية”؟!
ومن قال ان الحرب ليست عبثية؟! هي عبثية منذ اليوم الأول لإشعالها، والسعودية نفسها لا تجيد في اليمن وفي غير اليمن الا العبث والفوضى..
أمراء ووزراء وكبار قوم المملكة يتحدثون مع لبنان الدولة المستقلة، وموطن الرأي والثقافة، والتنوع بمنطق “انا ربكم الاعلى”، يتحدثون عما يسمونه “التنكر ونسيان الجميل” و”اطعمناكم من جوع وامناكم من خوف” ! .
مع ان اللبنانيين بخبراتهم وكفاءاتهم العالية، وتفوقهم المشهود في العمل والإنتاج يكسبون من كدهم وعرق جبينهم، والسعوديون كما كل الخليجيين يعمرون شركاتهم ويبنون رؤوس اموالهم ويكسبون نتيجة جهود اللبنانيين واليمنيين والمصريين والسودانيين!!
أسلوب مقزز وعجرفة فيها سذاجة ووقاحة.. ونفس مشحون بروح الكراهية والانتقام، وجفاف في الاخلاق، وبلادة المنطق.. انه تعبير فاضح عن ضيق في التفكير وخواء في العقل..!!
استغرب كيف يجرؤ هؤلاء على الاساءة للأخرين وهم في حال داخلي وخارجي لا يحسدون عليه، لا اتحدث عن مالهم فروائحه أصبحت تزكم الانوف؛ والسعودية هي الدولة الوحيدة في العالم التي إذا ما ذكر اسمها تبادرت إلى الذهن قائمة من المرادفات التي اقترنت بحياة وطبيعة ومنهج نظامها:
- النفط والمال والتخمة
- الإنفاق الباذخ على اللهو والهوى.
- أعتى الانظمة المعاصرة دكتاتورية وتخلفا
- “المحمية” التي تدفع لأمريكا عن يد صاغرة
- التآمر على قضايا الامة والتدخل في شئونها
- ازراء وأذلال المرأة
- احتجاز رئيس وزراء لبنان، وهي دولة مستقلة
- تقطيع الصحفي جمال خاشقجي بالمنشار.
هذه هي العناوين التي تتبادر الى ذهن اي انسان يمر عليه اسم السعودية.. واذن، فالسؤال هنا هو:
- ما الذي يجعل النظام السعودي يرفع “منخاره” على شعوب ودول المنطقة العربية، وهو ليس أكثر من طاحونة هوى وموت ودمار..؟!
هوس الزعامة:
المملكة السعودية تقدم نفسها في المنابر الدولية بكونها زعيمة العالم العربي والإسلامي، وهي أمنية أكثر من كونها واقعا، ذلك لأن السعودية في حالة تراجع في سياساتها منذ الملك فيصل، الذي بدت له بعض التجليات تجاه بعض القضايا (رغم حربه ضد اليمن)، أما ما بعده فلم تنجب قيادات تتوفر فيها معايير العقل فضلا عن الزعامة عربيا أو إسلاميا أو حتى على المستوى المحلي.
نعم، السعودية تمتلك سلطة روحية بكونها مهبط آخر الرسالات السماوية، وموطن الحرمين “المكي والنبوي”، وبكونها تمتلك النفط والثروة، غير ان كل ذلك لم يؤهلها لأن تصبح زعيمة للعالم العربي والإسلامي لسببين هامين في رأيي هما:
الأول: لأنها لم تستفد من عاملي “المكانة الدينية” و”امتلاك المال والثروة”.
الثاني: العبث السعودي والتدخل في شئون كثير من الدول العربية، وتآمرها على قضايا الأمتين العربية والإسلامية.
للعلاقة الروحية معان وقيم كبيرة عند شعوبنا العربية والإسلامية، لكنها المعاني والقيم التي لا تتساوق أو تنسجم باي شكل من الاشكال مع نهج وسياسية المملكة تجاه شئون وقضايا العرب والمسلمين؛ فالسعودية لم تدرك أن الزعامة تحتاج إلى معايير ومواصفات تتعدى فكرة امتلاك الثروة والمال إلى التفرد بالأداء والسبق إلى المبادرة.
ذلك لأن الزعامة لا تتطلب تقديم الصدقات المتبوعة بالأذى، بل تتطلب الموقف ومقاومة الظلم، وتحقيق العدل للقضايا العربية والإسلامية، وهي معايير يصعب توافرها في النظام السعودي، ذلك لأن بقاءه مرهون بارتهان مواقفه لأجندات لا تمت بصلة للقضايا العربية والإسلامية
ازدراء ترامب:
من هنا، لم يكن مستغربا ان يزدري الرئيس الأمريكي ترامب المملكة وملكها سلمان في أكثر من مناسبة وخطاب، خلال رئاسته في الفترة ما بين (2017-2021)، قال انه “يجب على السعودية أن تدفع لأننا نحميها”، وقال بصوت عال مخاطبا جماهيره:
- “تحدثت مع الملك سلمان، وقلت له: هيه أيها الملك، من المحتمل ان لا تبقى في السلطة خلال أسبوعين بدون حمايتنا، فعليك ان تدفع، عليك ان تدفع”!!!
“أبو إيفانكا” – كما صار يسميه السعوديون بعد أول زيارة قام بها للرياض في مايو 2017م لم يبق بابا لإهانة واذلال السعودية والتعريض بها الا طرقه، وذلك هو الواقع المؤلم الذي تعيشه السعودية، لكننا بالمقابل نراها لا تتورع في التنمر على جيرانها ورفع صوتها عليهم، والتدخل في شئونهم.
ولا حظوا المهزلة السعودية الجديدة.. لكلمة واحدة وصف بها الوزير اللبناني حرب اليمن بـ”العبثية” قرح العرق البدوي، واستنفرت السعودية كل قواها.. وقامت الدنيا ولم تقعد ضد لبنان، ولم تبق مفردة من قواميس اللعن والشتم الا والصقتها به .. وماذا فعلت؟!
- سحب السفراء، ومهمتهم كانت التآمر على لبنان
- ضايقت اللبنانيين في السعودية ودول الخليج، وهم الخبرات والكفاءات المهنية العالية، التي يأكلون ويجنون الاموال من عرقها..
- مقاطعة تجارية واقتصادية وسياحية، ودعونا نقول انهم الخاسر فيها.
والمهم، ثأرت السعودية “للعبثية” التي تمارسها في اليمن، والعراق، ولبنان، وسوريا، وليبيا، وفي السودان وانتصرت لها بصورة فجة ومخجلة ضد لبنان.. ذلك لأن العبثية، هي مهنتهم.. وهي ايضا مهنة حكام العرب من أقصى المشرق الى أقصى المغرب.. فهم يعبثون لأنهم يقتلون، وهم يعبثون لأنهم يشردون، وهم يعبثون لأنهم ينهبون، ولا يرعون الا ولا ذمة في شعوبنا..
أما نمط السياسة السعودية في المنطقة العربية بالذات فهو يقوم اساسا على “العبثية” .. التي تعني التوسع والتآمر، والتخريب والقتل، وفرض الوصاية، والمن والاذى، وهي سياسة توارثها حكام آل سعود أبا عن جد ، ولا اعتقد ان بلدا عربيا قد سلم من أذى السعودية، ولا غرابة .. فالكريم يسمو بأخلاقه وليس بعطائه.