عاطف محمد عبد المجيد*
لا يبدو أن قضايا المرأة ستكف عن الحضور، فهي تكر وتفر كخيول المعارك القديمة، وتترك غبارها فتعتم الرؤية وتجلو حسب طبيعة النقع المثار حول طبيعة هذه القضايا، لكن المحبط حقّا في قضايا الإنسان عامة، ومنها قضايا المرأة أنها، على الأقل في العالمين العربي والإسلامي، لا تعرف طريق التطور صُعدا، كما يحدث مع الآلات وأجهزة التواصل التي يتسابق الناس على جديدها، ويتركون وراءهم القديم، لأنه لم يعد مواكبا لخصائص العصر ومتطلبات التفاعل معه. هذا ما يستهل به أحمد السري كتابه «بنات هند.. عن المرأة في تاريخ المسلمين والجدل المعاصر» الصادر حديثا في القاهرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب. هنا يرى السري أن قضايا الإنسان في السياسة والاجتماع مرشحة للعلو والانتكاس، وتخضع للأهواء والأمزجة والمصالح واتجاهات السياسة، كما يرى أنه ليس هناك اتفاق نهائي حول معنى التطور والحداثة، لاسيما حين يمتزج الثقافي بالديني، أو الشرعي بالاجتماعي في قضايا المرأة. وبسبب حدوث هذا، يقول الكاتب، فإنه لا سبيل لاعتماد منطق جامع يعصم الأمة من شقاق العقول والأنفس.
بلسم شاف
كذلك يضيف الكاتب قائلا، إن مقولة الحريات والتعدد لا تصبح بلسما شافيا لرأب الصدع، لأن الدفاع عن الثقافي يغدو دفاعا عن الديني، رغم تنوع المشارب الفقهية وتعدد الرؤى في الديني ذاته، وهكذا تتم إعاقة كل السبل إلى حياة اجتماعية أكثر بساطة وإنسانية وعدلا، مع أن الإنسانية والعدل من صميم الدين الحق وجوهر المقدس الخالص. في «بنات هند» يكتب السري فيقول، إن المسارات التاريخية التي عبرتها قضايا المرأة منذ مطلع القرن العشرين صعودا وهبوطا، علوّا وانحسارا، تعد أكثر المسارات إقناعا على طغيان أحوال المد والجزر، وهو مسار، حسب رؤية السري، لا يقره منطق حاسم، ولا تحكمه قاعدة علمية، ولا رؤية مجتمعية واحدة، وإلا لاستقامت آليات التطور، وسكنَ نقع المعارك الفكرية، إذ الصعود عند فريق يعد هبوطا عند آخر.
السري يؤكد هنا في «بنات هند» أن الكتابات حول المرأة منذ مطلع القرن العشرين شاهدة على هذه الاتجاهات المتباينة والأحوال المتغيرة، ومعها تتباين صور المجتمعات العربية وتتبدل، وهي صور ترافق أشكال التغير الفكري والقناعات السارية، كذلك يقول الكاتب إنه عند قضايا المرأة يظهر الدين متألقا والإيمان عميقا، وتُستدعى كل أشكال الغيب، وتتسابق الأقلام في تسطير المقالات، وتسويد الكتب سعيا لوقف تيار التغريب عند قوم، ولتحرير المرأة من عبوديتها عند قوم آخرين.
دراسات متنوعة
هنا أيضا، وفي كتابه الذي يضم دراسات متنوعة حول المرأة في الماضي والحاضر، يؤكد الكاتب أنه مع كل موجات الأمل والإحباط في قضايا المرأة يبقى الفكر الديني والسياسي معا هما المحرك الأعظم لتلك الموجات، ويذكر أن بنات هند هن نساء العرب في هذا الزمان، فإن أقمن بينهن وبين هند نسبا تاريخيّا من خلال هذا الكتاب وموضوعاته، فيؤمل أن يجدن في شخصية هند النموذج التاريخي الذي يراه مميزا ونافعا، ورغم أن هند ليست النموذج الوحيد، إلا أنها الأبرز بين نماذج أخرى لافتة تقدم جوانب مختلفة لحضور المرأة العربية المسلمة في التاريخ، كما يقدم الكاتب لمحة عن المناقشات المعاصرة حول المرأة، مشيرا إلى صدور كتاب قاسم أمين الذي ارتبطت باسمه قضية تحرير المرأة، ذاكرا الردود الغاضبة تجاه هذا الكتاب. كذلك يكتب عن شخصيات هند بنت عتبة، عاتكة بنت زيد، عائشة بنت طلحة، أم عمرو بنت عمران بن الحكم، عَمرة الجُمحية، عاتكة بنت معاوية، أرينب بنت إسحاق. يقول السري: المشاهير من الناس في كل زمان ومكان هم موضع متابعة واستقصاء لحياتهم، الصادق منها والكاذب، والنساء العربيات المدونة أخبارهن، هن مِن المشاهير يومئذ، وقد شاعت أخبارهن كلها ودُونت بعد ذلك.
في السياق ذاته يقدم الكاتب قراءة في كتاب «أخبار الوافدات من النساء على معاوية» ويكتب عن النساء في كتاب «عقلاء المجانين» وعن صورة المرأة في كتب الرحلة في عصر الحضارة الإسلامية، كما يكتب عن جدل الجندر والثقافة في كتابات عربية معاصرة، وعن الأنوثة في فكر ابن عربي. السري يكتب في «بنات هند» فيقول إنه في حين تحدث أشكال متباينة من الحراك الاجتماعي النسوي هنا وهناك، ويتبدى أن أنشطة النوع الاجتماعي المدعومة تترسخ على مستوى النخبة على الأقل، يبقى اختراق بنية الثقافة الراهنة بمصطلحات فاقدة الدلالة المباشرة، وغريبة مثل الجندر، أو النوع الاجتماعي، أمرا عسير المنال، وما يُشاهد على مستوى الواقع من تدافعات شتى بين اتجاهات الحداثة والتقليد، نراه منعكسا في كتابات كثيرة تُظهر تعارضا حادّا في مرجعيات الجدل حول أدوار الرجل والمرأة.
نهاية، وفي كتابه «بنات هند» الذي ينشغل بقضايا المرأة، وما يجري في أروقتها، حاول الكاتب أن يلقي الضوء على أصول ثقافتنا الحاضرة، وأن يبين أشكال التعامل مع المرأة في تاريخ المسلمين بمحطاته المضيئة والمعتمة.
- كاتب مصري
