لمدّة قرن على الأقل، جادل العلماء أنّ افتقار موليير (1622 ــ 1673) المفترض للتعليم، يعني أنّ الكاتب المسرحي الفرنسي الشهير لم يكن من الممكن أن يكتب روائع على شاكلة «طرطوف» و«عدو البشر».
لكن الآن، يقول أكاديميون إنّهم حسموا الجدل وحلّوا هذه الإشكالية. من خلال خوارزمية معيّنة، وجد هؤلاء أنّ موليير كان مؤلف جميع مسرحياته.
كان والد موليير أحد صانعي المفروشات المعيّنين لدى العائلة المالكة، لكن ابنه رفض هذه المهنة لصالح حياة المسرح، التي تخللتها جولات وتمثيل وكتابة المسرحيات الهزلية التي ستغير وجه المسرح الفرنسي.
في عام 1919، ادّعى الكاتب الفرنسي بيار لويس أنّ الشاعر بيار كورنيّ كان كاتب الظلّ لأشهر أعمال موليير. منذ ذلك الحين، رُسمت علامات استفهام حول مستوى تعليم موليير، وجدول أعماله المزدحم، وندرة المخطوطات العائدة إليه، وبقي الجدل مستعراً.
غير أنّ فلوريان كافييرو من «جامعة باريس»، وجان باتيست ـ كان من «جامعة باريس للعلوم والآداب»، وجدا نفسيهما في خضم هذا الجدل عن طريق المصادفة. لقد أرادا تحفيز الطلاب على دراسة فقه اللغة الحاسوبية، فاختارا توضيح تحليلهم اللغوي عبر أمثلة من أعمال موليير وكورنيّ، وفق ما ذكرت صحيفة «غارديان» البريطانية. لكن بعد استخدام العديد من الطرق، أدركا أن استنتاجاتهم كانت مختلفة تماماً عن الرأي الأكاديمي، ما دفعهما باتجاه المزيد من البحث.
«إنّ ازدهار موهبة موليير في وقت متأخر، وافتقاره المزعوم إلى التعليم والثقافة، وجدول أعماله المزدحم، وعدم وجود مخطوطات كافية له، هي من بين الحجج التي أثارت جدلاً دام قرناً… تم تقديم اعتراضات منهجية على هذه التأكيدات.
غير أنّ ندرة المحفوظات المتاحة منعت حتى الآن النقاش من الانتهاء». هذا ما كتبه الثنائي في الورقة التي تحمل عنوان Why Molière Most Likely Did Write His Plays ونشراها أول من أمس في دورية Science Advances.
قام كافييرو وكان بتحليل نصوص مجموعة من مسرحيات موليير، وبيار كورنيّ، وشقيقه توما، وغيرهم من المؤلفين الرئيسيين في ذلك الوقت، حيث نظروا في استخدامهم للغة، والقافية، والقواعد، وأشكال الكلمات.
فرضية روّجت بأنّ بيار كورني كان كاتب الظلّ لأشهر أعمال موليير
بداية، وضعوا فرضية مفادها أن موليير كان يزوّد بيار كورنيّ بمسودات عمل عليها، ويمكن التثبّث من هذه الفرضية عبر معاينة ما إذا كانت المسرحيات التي وقّعها موليير تشترك في ميزات محددة مثل القوافي والكلمات الوظيفية والملحقات والقواعد النحوية مع تلك التي كتبها كورنيّ.
إلا أنّهما وجدا أنّ «جميع المسرحيات الموقعة من قبل موليير تنتمي إلى المجموعة نفسها، وهي مختلفة تماماً عن مسرحيات كورنيّ، أياً كان نوع الميزة التي تمت دراستها، ما يعني دحض الفرضية المذكورة».
بعد ذلك، تناولا الفرضية الثانية التي تقضي بأنّ موليير لم يكتب الحبكات ولا الأبيات الموجودة في مسرحياته، مع استعمال صيته كممثل للترويج لهذه الأعمال.
وإذا كان هذا صحيحاً، فـ «ينبغي أن توضح جميع مؤشراتنا أنّه لا يوجد ما يسمّى مفردات وأسلوب موليير». لكنّ الخوارزمية توصّلت إلى «فصل واضح» بين مسرحيات موليير وجميع المؤلفين الآخرين في الدراسة.
«هذا يثبت بأنّ جميع المسرحيات التي وقّعها موليير لم يكتبها بيار كورني، ولا المؤلفون الآخرون الذين شملتهم الدراسة»، كتب كافييرو وكان.
ولفت الثنائي إلى أنّهما لم يثبتا أنّ كاتب ظل آخر لم يكتب جميع مسرحيات موليير، لكن أبحاثهما تظهر أن المسرحيات «من المحتمل جداً أن تكون من كتابة شخص واحد».