للكاتب الكبير الساخر جداً يوسف إدريس مسرحية ساخرة ما زلت أتذكر محتواها الإنساني والإيجابي وعنوانها “الفرافير”. وكما كانت تمثل حالة الشعب العربي في حينه، فهي ما تزال قادرة على تمثله في الوقت الحاضر، فلم يتغير وصفنا عما كان عليه إن لم يكن قد زاد سوءً وتخلفاً. فنحن ما نزال ندور في تلك الحلقة المفرغة التي كانت تدور فيها الفرافير.
لقد حدث في العالم مالم يكن في الحسبان من التحولات السياسية والاقتصادية وبقيت أحوالنا على ما هي عليه، ولم نستفد شيئاً من تلك التحولات التي شهدها ويشهدها العالم. إن “الفرافير” التي تحدث عنها الكاتب الكبير هي شخصيات خيالية، بينما نحن فرافير واقعية تعيش وتتعذب وتعاني، من مشكلات عديدة طال أمدها ولم نجد لها حلاً في حالة غياب الوعي وانكسار الأمل.
ولن نيأس نحن حملة رسالة الكلمة عن مواصلة دق الأجراس والتحذير مما نحن فيه والدعوة إلى النظر بإمعان إلى ما يمكن للمستقبل ما يحمله لجماهير هذا الشعب العربي من أحلام في التغيير والتطور والانتقال من حالٍ سيء إلى حالٍ أسعد وأنقى، وما يبشر به للشعوب العاملة الواثقة من نفسها من نقلات سريعة وهادفة.
إن بعض اليائسين يقولون لنا كفى كلاماً واجتراراً للمواعظ، فالكلام لا يغير حال أمة سقطت في حضيض التخلف والاختلاف وتكاد قواها الفاعلة تصر على موقفها القائم على حالٍ واحد من الجمود والاستسلام للضعف وما يرافقه من هوان. وكم تبدو أحلامنا مرتبطة ومتعلقة بالأجيال الجديدة هذه التي تأبي أن تسير على درب سابق لا يقود إلى شيء غير الإفلاس والرضوخ للواقع المهين.
للمرة المائة، والمرة الألف، نقول لأولئك الذين يقللون من دور الكلمة، إن الأيام القادمة كفيلة بأن تخيب ظنهم وتؤكد أن للكلمة –كما سبقت الإشارة- دورها الفاعل والعظيم في الإيقاظ، وخلق التحدي المطلوب، وبشارة الوعد تلوح على الأفق القريب مؤكدةً حقيقة هذا المعنى وما يعبر عنه. ولعل سنوات الانتظار الطويل تكفي للاندفاع والخروج من الدوائر المغلقة إلى الفضاء الفسيح بكل أحلامه وأشواقه.
ونعود إلى مسرحية الساخر يوسف إدريس لكي نؤكد القول على أن حالة “الفرافير” التي تحدث عنها في زمنه ما هي إلاَّ نحن الذين نشكل استمرارً في مواقعنا “الفرافيرية”، وتطلعاتها المحدودة أو العاجزة.
وبما أن الكلمة هي وسيلتنا وأداتنا إلى التغيير والبحث عن منافذ للخروج من مرحلة الدوران في الفراغ، فلن نيأس ولن نقلل من شأن هذه الكلمة وقدرتها على الفعل ولو بعد حين.
وبالقياس بالزمن الذي مضى في الدوران الفاشل، سيكون زمن التغيير أقصر، وأحلام الشعوب لا تموت ولا تتوقف عند حدٍ معَّين .. إنها باتساع الفضاء ورحابة الحلم.
وإذا كان القول الشائع يرى أن ما من حق يضيع ووراءه مطالب، فإن الحق نفسه ووراءه الكلمة بكل طاقتها وقدرتها على الفعل والتغيير السريع والحاسم، أكثر استحقاقاً للبقاء وإثبات الوجود. ومن هنا فكم يتحمل صاحب الكلمة من مسؤولية تجاه ما يتطلبه الواقع ويحلم به!