كشفت الهجمات على المنشآت السعودية عن ضعف دفاع الرياض، وهشاشة الاقتصاد العالمي، لما خلفته من أزمة بصناعة النفط، لكن هذه الحادثة من الناحية الجيوسياسية، لها سبب وجيه للاعتقاد بأن هذا الهجوم بمقدوره أن يغيّر خارطة التحالفات في الشرق الأوسط.
جاء ذلك في تقرير لموقع “المرصد الجيوسياسي” (geopolitical monitor) في باريس، الذي أكد أنه “على الرغم من أن إيران نفت أي تورط في هذا العمل، إلا أن من الواضح أن هناك اتفاقا واسعا على دور إيران في إحداث الاضطرابات في المنطقة وتشكيلها لمعضلة أمنية دائمة”.
تحفيز التحالف
وأشار إلى أن “هذا الخوف طويل الأجل من العدوان الإيراني إلى جانب حالة الشك في تورط طهران المحتمل ووقوفها خلف تلك الهجمات، يمكن أن يحفز التحالف الإستراتيجي بين السعودية وإسرائيل. فقد بدد الهجوم الصورة الذهنية الغالبة التي تقتضي تفوق الولايات المتحدة في المنطقة”.
ولفت التقرير إلى أنه “بالنسبة للسعوديين، كشف هجوم بهذا الحجم عن مغالطة أن الولايات المتحدة تقف وحدها كقوة رئيسية أو ربما القوة الوحيدة في المنطقة التي يمكنها حماية المملكة العربية السعودية من التهديدات الإيرانية. علاوة على ذلك، عززت الحاجة إلى حليف إقليمي قوي للمملكة العربية السعودية.”
وأوضح، أن “حالة الشعور المشترك بالتهديد من إسرائيل والسعودية والناجمة عن النفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة هي نقطة التقاء أخرى على الجبهة الأمنية. غالبا ما يتم تضخيم التهديد الأمني في غياب آلية أمنية إقليمية قوية قادرة على الردع كما هو الحال في أوروبا”.
وأردف التقرير: “عليه، فإنه من الواضح، لأكثر من سبب، أن إسرائيل مؤهلة، واقعيا وإستراتيجيا كخيار منطقي متاح للسعوديين. في حين أن العلاقات بين السعودية وإسرائيل قد تحسنت مؤخرا، فمن المرجح أن تسرع التهديدات الأمنية التي تلوح في الأفق لكلا البلدين من مفاوضات التحالف لرفع العلاقات الثنائية إلى المستوى التالي. بمعنى آخر، فإن الهجوم من شأنه أن يجعل التحالف بين الرياض وتل أبيب هدفا إستراتيجيا قويا ومميزا في حساب السياسة الخارجية لكلا البلدين”.
وبحسب التقرير، فإن “مثل هذا التحالف الإستراتيجي سيظهر على خلفية المشهد التنافسي لسياسات الشرق الأوسط الحالية، حيث تحولت الدول بشكل ملحوظ نحو مقاربات واقعية وعملية للسياسة الخارجية، محرومة من عنصر تفكيري رئيسي كان له تقليدي حصة هائلة في اعتبارات السياسة الخارجية: وهو شعور الشعوب المسلمة”.
وتابع: “بمعنى أنه يبدو أن هناك ميلا واضحا إلى تنمية علاقات قوية مع الدول القوية والحفاظ عليها بغض النظر عن هويتها الدينية والفكرية. يبدو أن هذا التحول مدفوع بإدراك أن السماح للمشاعر الدينية الحزبية بالتحكم في قرارات السياسة الخارجية سوف يؤثر على جدوى المصالح التي تحققها تلك السياسات، وخاصة في مواجهة تهديد الأمن القومي الذي يلوح في الأفق من إيران.”
تداعياته على فلسطين
وعلى نحو آخر، أشار التقرير إلى أنه إذا كانت الاتجاهات الحديثة للتقارب المتزايد بين السعودية وإسرائيل مؤشرا يمكن الاعتماد عليه في تقييم السياسة الخارجية السعودية، فإن الهجوم على النفط السعودي يمكن أن يكون بمثابة حافز لتوسيع هذه العلاقات”.
في مثل هذا السياق، يضيف التقرير: “لا يبدو التحالف الإستراتيجي والعملي بين البلدين يشكل تغييرا في القضية الفلسطينية. في الواقع ، فإن هذا النهج البراجماتي البحت الذي رسخته صفقة القرن، والذي تبناه السعوديون في عهد ولي العهد محمد بن سلمان، لا يشكل معطى جديدا في نظرة السعودية للقضية الفلسطينية”.
وأكد أنه “في السيناريو الحالي، لم يعد تطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل مجرد حلم بعيد المنال. بل على العكس من ذلك أصبح واقعا معاشا، فقد أظهر شريط فيديو تم تسريبه من مكتب نتنياهو خلال قمة وارسو للشرق الأوسط في فبراير/شباط من العام الجاري، وزراء خارجية السعودية والبحرين والإمارات، وهم يدافعون عن وجود إسرائيل ويضعون الخطر الإيراني أولوية مقابل النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني”.
من الواضح، بحسب التقرير، أن هذا يكشف عن تراجع الاهتمام بفلسطين والدفع المتزامن من أجل تحالف أوثق مع إسرائيل. ومع ذلك، فإن العقبة الرئيسية التي لا تزال قائمة هي المعارضة الشعبية. طوال هذا الوقت، طور الناس في المنطقة الكراهية تجاه إسرائيل، وقد غُرست ورُوجت هذه المشاعر العدائية إلى حد كبير من قبل الحكومات العربية لصالحهم السياسي في فترة سابقة”.
وأردف التقرير: “لذلك، سيكون الالتفاف على المعارضة الشعبية تحديا كبيرا قبل أن يتمكن السعوديون من تطبيع الموقف من خلال تقديم تنازلات في سبيل الحصول على تأمينات مقابل الخطر الوجودي”.
ماذا عن إسرائيل؟
أما بالنسبة لإسرائيل، يوضح “المرصد الجيوسياسي” أنه “من غير المرجح أن تسمح القومية الدينية المتزايدة في السياسة الإسرائيلية بالتوصل إلى تسوية سهلة مع فلسطين إذا كانت المفاوضات تتطلب الكثير من التنازلات من إسرائيل. ومع ذلك، فإن العناصر الدينية المتضائلة في السياسة الخارجية لدول الشرق الأوسط والجغرافيا السياسية الناشئة للتنافس على النفوذ قد تكون قادرة على توفير فرصة عادلة للتطبيع”.
وخلص التقرير إلى أنه بالنظر إلى السيناريو العام، تسعى إسرائيل إلى إبرام صفقة دون إعاقة مصالحها الوطنية. على هذا النحو، يبدو أن نتنياهو قد أُطلع على المشهد المتغير للتعاون المتنامي مع الدول العربية عندما قال: “نحن اليوم نذهب إلى هناك دون تدخل الفلسطينيين وهذا يعزز من موقفنا لأنه لا يعتمد على نزواتهم. الدول العربية تبحث عن روابط مع الأقوياء. إن منطق القوة يمنحنا قوة دبلوماسية”.
وزاد التقرير: وبالتالي، في المنافسة الحالية للسلطة الثلاثية بالمنطقة، سيؤدي نوع من “الاندماج” بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية إلى تغيير جذري في المشهد الإستراتيجي لديناميكيات القوة الإقليمية الحالية ووضع كلا البلدين على قدم المساواة الإستراتيجية لمواجهتها عدو مشترك”.
وختم الموقع تقريره بالقول: “إلى هذه النقطة، يمكن أن يبدد السيناريو الحالي غياب الثقة التاريخية بين البلدين، كما أنه من المرجح أن تحيّد الاختلافات بين السعودية وإسرائيل في الوقت الراهن. وفي الوقت نفسه، يمكننا أن نشهد صعودا لخطاب المصالح المشتركة وتعزيز العلاقات الثنائية. يمكن لهذا التقارب أن يغير بشكل كبير الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط وأن يكون له انعكاسات خطيرة على الصراع الإسرائيلي الفلسطيني”.
وكالات