تجذرت على مدى عقود في بلادنا لوبيات فساد في عامة الوزارات والمؤسسات والشركات الحكومية والهيئات والمصالح.
اللوبي هو الجماعة غير المتماسكة والتي يجمعها هدف واحد.
ولوبي الفساد في الوزارة او المؤسسة او المصلحة والهيئة هو مجموعة من الموظفين والمتعاقدين والمتعاونين يجمعهم الفساد، ويتعاونون على تقاسم المخصصات والنسب والعمولات والرشاوى، والتغطية على بعضهم مقابل المشاركة، والتغافل عن الفساد في المناقصات والدعم الخارجي والداخلي والتلاعب بالميزانيات والتزوير والنهب مقابل دخولهم في كشوفات المخصصات والمكافئات والسفريات والمصاريف الادارية، وما اليه.
غرقت اليمن في هذا الفساد في عهد الرئيس السابق علي عبدالله صالح، والذي أخذ في بدايته طابعا قبليا ومناطقيا ( لوبيات اصحاب حاشد وسنحان في الجيش، واصحاب ذمار وصنعاء في الامن، واصحاب تعز في التربية والصحة، ووو).
ثم تحول بعد حرب ٩٤ الى لوبيات حزبية، يتقاسمها المؤتمر والاصلاح، وتتنافس بضراوة للتسابق على النهب والمخصصات والمصالح.
حتى جاءت ثورة ٢٠١١ والتي وصل فيها الشعب الى الانفجار بسبب ان اليمن صارت في ذيل دول العالم في كل شيء تقريبا، من الصحة والتعليم والاقتصاد والامن والقوة العسكرية والرياضة والبنية التحتية وغيرها.
وانتظر اليمنيون تغييرا جذريا لأحوالهم، ولكن النظام السعودي تدخل بمبادرة خليجية سيئة السمعة لإعادة نفس اللوبيات الفاسدة، وتقسيم الوزارات بينهم من جديد، لاشعار اليمنيين ان تحركهم فاشل، وإشعار السعوديين والشعوب العربية ان هذا الطريق لا ينفع، وهو نفس ما يجري اليوم في السودان.
ولذلك كان لابد من ثورة ٢٠١٤ لاقتلاع هؤلاء الفاسدين وإضعاف لوبياتهم السرطانية المسمومة في المؤسسات الحكومية.
وبدأت قوى الثورة بأسلوب ايجابي جيد عن طريق اللجان الثورية في ٢٠١٤ و ٢٠١٥، وتراجعت اللوبيات الى جحورها، وضعفت جدا، وانتهت سطوتها في اماكن كثيرة.
ولكن الروح عادت اليها شيئا فشيئا بمجيء حكومة الانقاذ، والتقاسم والمحاصصة، وبدأت تستعيد سطوتها، وتحاول ان تمد شباكها لتصطاد بعض النزيهين الجدد هنا وهناك.
وكانت فترة ما بعد فتنة ديسمبر ٢٠١٧ فرصة مناسبة لتغييرات ثورية جذرية لضرب مفاصل لوبيات الفساد، ولكن ذلك لم يتم للاسف الشديد.
وكان الرأي السائد عند إخواننا في انصار الله بضرورة الحفاظ على الحكومة بشكلها الحالي، والحفاظ على نفس الجهاز البيروقراطي القديم بلوبياته، اما بحجة اصلاحه تدريجيا عند البعض، او بحجة الحفاظ على اللحمة الداخلية التي لا تحتمل مزيد تفكك عند آخرين، او بحجج اخرى.
في ٢٠١٨ و ٢٠١٩ بدأت الروح تدب بشكل أقوى عند لوبيات الفساد (حسب وجهة نظري) وبدأت شكاوى الناس تزداد، وعاد السخط المجتمعي من اداء الأمن والقضاء وكثير من الادارات الحكومية، رغم جهود ايجابية كثيرة للنهوض بالعمل وتحسينه.
وكمثال بسيط على عدم القدرة على تفكيك تلك اللوبيات: ما فعله الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة من إحالة ملفات اكثر من سبعين موظفا كبيرا فاسدا للنيابة منذ اكثر من سنة بالادلة والبراهين والوثائق، ومازالت قضيتهم تتماوت، وما زالوا على راس اعمالهم في صنعاء (من بقي منهم).
ان التعايش مع الفساد هو اجتهاد خاطئ وغير سديد في وجهة نظري.
وان الشعب اليمني اذا لم يلمس تحسنا ملحوظا في الامن والقضاء والنيابات والسجون والحريات والتعليم والصحة وغيرها في المناطق غير المحتلة فسوف يكون الأثر سلبيا.
ان البداية من التغيير، واول التغيير هو تغيير الطاقم غير المتحمس للتغيير.