سألني عبر الهاتف صديق يعمل استاذاً في واحدة من جامعات الولايات المتحدة: هل من جديد في وطننا الشاسع الواسع؟
لم تكن الإجابة بحاجة إلى دقائق أو حتى ثواني فقد كانت جاهزة ومنتزعة من أفقنا الجامد الذي يعاني من أحداث متراكمة بعضها فوق بعض ولا جديد فيها…
حروب عبثية هنا وهناك وصراعات لا أساس لها ولا معنى هنا وهناك، واعتداءات خارجية مصحوبة بالاستفزاز والتحدي، ذلك هو حالنا، وتلك هي خلاصة الإجابة على الصديق الذي يظن -على البعد- أن شيئاً ما يتحرك في هذا المكان الممتد من المحيط إلى الخليج، والذي أغرقه أبناؤه في موجة من المشكلات وأوقعه أعداؤه في أشراك من الخلافات التي منعت عنه بالفهم والنهوض.
يتحدث أبناء الشعوب الحية عن المستجدات المتوالية في حياتهم السياسية والاجتماعية والثقافية، عن تطور التعليم والنجاح المتواصل في مجال العلوم. ونحن – كما كنا منذ عقود- في حالة شكوى لا تختلف عن أحوالنا وخلافاتنا، وتحدي أعدائنا لأحلامنا ولأرضنا.
ولا تكف الدوائر السياسية في بلادنا في تدبيج رسائل الشكوى إلى المنظمات الدولية وإلى ما يسمى بالرأي العام العالمي، ورغم أن زمن الشكاوي طال فإن جواباً واحداً من تلك المنظمات، ومن ذلك الرأي العام، لم يأت بعد، وليس من المحتمل في المدى المنظور أن تأتي تلك الإجابة المنتظرة لا لأن المنظمات لا تسمع أو لأن الرأي العام لا يرى وإنما لأن تلك المنظمات الشكلية تكره الشكاوي وتحتقر الشاكين ولا تقر سوى بالأفعال، ولا يوقظها أنين الضحايا بل ردود أفعالهم الجادة.
إن سيل الشكاوى الذي لا يتوقف إلى الأمم المتحدة وفروعها يثبت أن العالم العربي لم يعد يعبر عن ثقته بهذه المنظمة التي لم يعد لها علاقة باحترام المواثيق الدولية، والاعتراف بأهمية المتمسك بالسلام وضبط النفس، وإنما صار -بالتكرار الممل- علاقة ضعف واستسلام، فهل آن لنا نحن أبناء هذا الوطن الشاسع الكبير أن نقلع عن هذه العادة وننسي وجود مثل هذه المنظمات الدولية، بل وننسي أيضاً الرأي العام العالمي خاصة بعد ما تثبت أن هذه الأشياء والمسميات لا وجود لها، وإذا كان لها وجود فهو وجود هامشي، يقوم عليها موظفون يحرصون على رواتبهم أكثر من أي شيء آخر، وليس من شأنهم ما يقال عن السلام العالمي والمحافظة عليه.
أما أنت أيها الصديق الذي يعيش بعيداً عن هذا الوطن الجريح والشاكي فلا يجعلك البعد تعتقد ليوم واحد أن هذا الوطن قد تحولت تراكماته السيئة فجاءة إلى مستجدات تأخذ طريقها نحو المستقبل. فالواقع لا يوحى بشيء من ذلك، لا الآن ولا بعد نصف قرن كما يبدو، فالمستقبل ابن الحاضر والحاضر عقيم.
وما نصنعه جميعاً لا يبعث على أمل في التغيير المنشود، ذلك التغيير الذي يبدأ من تغيير ما في النفوس، ومن تجاوز الخلافات المفتعلة، وما خلفته في الواقع من فوضى واضطراب، ومن عدم الثقة.
وما ينتج عن ذلك من إحساس بغياب الألفة والانسجام بين أبناء الوطن الواحد وأحياناً بين أبناء الأسرة الواحدة.
وفي مناخ كهذا من أين يأتي الجديد، وكيف تتكون المتغيرات ويكون اليوم مختلفاً عن الأمس والغد مختلفاً عن اليوم؟!