يكثر التساؤل في التوجيه الإعرابي لبعض الآيات القرآنية، ويصفها بعض المتسائلين بالأخطاء النحوية التي طرأت عن طريق الكتابة، وبعضها يجعلها مدخلاً للتهجم على القرآن الكريم والتشكيك فيه، وهذا ناتج بعضه عن سوء نية، وبعضه ناتج عن الجهل بطبيعة اللغة اللعربية، ودروبها ومسالكها المتشعبة…. وقد ورد إلى صفحتى الخاصة سؤال بعنوان مستفز وهو ـ(الأخطاء النحوية في القرآن الكريم)، وأورد (24) سؤالاً، يتعلق بأربعةٍ وعشرين موضعاً من القرآن.. وسيأتي تفصيلها وبيانها..
والقرآن الكريم هو الكتاب المقدس عند المسلمين، الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو الأرقى والأعلى والأبلغ بين كل النصوص، المنزه عن التحريف: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)، بهذا الحشد من المؤكدات الخبرية يقطع على كلِّ مشككٍ ومنكر، ولأن القرآن بلسان عربي مبين، ويخاطب العرب وغير العرب، واللغة العربية لغة معربة متحركة، وكل حركةٍ تحملُ معنى، وهذا ما كان يفهمه العربيُّ جيداً، ويدرك دلالاته ومعانيه، ويلمح ما يسمى (بكسر الإعراب) لغايةٍ دلالية، فقد كانت أذن العربي تفهمه دون عناء؛ لأن الإعراب يقتضي حكماً، والأذن العربية التي نزل فيها القرآن طُبِعَتْ على الفصاحة تنتبه لحظة كسر الإعراب، لذلك فحين يسمع العربي لحناً في اللغة يفزع، وكلنا يعرف قصة العربي الذي سمع خليفةً من الخلفاء يخطب، فلحن الخليفة لحنةً فصرّ الأعرابيُّ أذنيه، أي جعل أصابعه خلف أذنيه يديرهما وينصبهما ليسمع جيداً ما يقول الخليفة، ثم لحن الخليفة لحنةً أخرى، فهب الأعرابيُّ واقفاً، ثم لحن الثالثة فقال الأعرابي: أشهد أنك وُلِّيت هذا الأمر بقضاءٍ وقدر، وكأنه يريد أن يقول: «أنت لا تستحق أن تكون في هذه المكانة».
ولكن مع مرور الزمن غابت السليقة اللغوية، بغياب البيئة اللغوية الفصيحة الحاضنة، وجهل الناس أبعاد تعدد الحركات الإعرابية، وتأويلها حسب المعنى (فالإعراب فرع المعنى)، والسياق والغرض البلاغي، فهناك أبواب لغوية أشكلت على الكثير، أو لنقل غابت، مثل:
الإعراب على الحكاية، وعلى الاختصاص، وعلى الإغراء والتحذير، وظاهرة القطع في النعوت، والقطع في العطف على مغاير في المعنى، والحذف والتقدير، والحمل على التوهم، والقرينة المعنوية، وظاهرة التقديم والتأخير، وظاهرة التضمين، وظاهرة العدول والانزياح اللغوي أو ما يسمى بكسر الإعراب، وكذا ظاهرة خرق الإجماع كما سماه ابن جني، لغرض بلاغي، وهو من الفنون الأدبية الراقية… وغيرها من الظواهر..
ولهذا ما إن تفاجئهم آية أو حديث أو جملة فيها من الأحكام السابقة، حتى يحكموا عليها بالخطأ، وهنا ترتفع أصوات المتهجمين من المنصرين والمستشرقين والمتعلمنين، وجهلة اللغة العربية على بعض الصور النحوية أو البلاغية التى لا يفهمونها فى القرآن الكريم ، سواء أكان هذا عن عمد أم عن جهل، فهو نفس حال الذى يريد أن يغطي نور الشمس بمنديل يمسكه فى يديه.
وقد شجعني للمشاركة في الرد كثرة التساؤلات التي وردتني على الخاص حول دفع الاستشكال اللغوي في هذه الآيات الكريمات، وهذه القضايا قديمة، وقد شارك في الرد عليها الكثير قديماً وحديثاً، لكن الكثير من غير المتخصصين يريدون جواباً جاهزاً يغنيهم عن البحث في بطون المراجع اللغوية..
وينبغي أن لا نشغل كثيراً بما سبق، فالمسلم والعربي يعلم علم اليقين أن قواعد النحو ما وضعت إلا للحفاظ على نهج القرآن فإن خالفت قاعدةٌ آيةً من القرآن فحتماً يكون الاستقراء الذي بُذل في استخراج القاعدة غير كاف ولا بد من مراجعة القاعدة مرة أخرى على ضوء الآية القرآنية.
أما القول بأنه ورد في أقوال العرب ما قد يخالفه القرآن، فإن هذا لا يعتدُّ به فقولُ اللهِ هو المعيار وما قد يخالفه فهو الخطأ…ونتساءل بعد ذلك، هل خفيت هذه القضايا على العرب الأقحاح الذين هم أرباب اللغة وأدرى الناس بشعابها ومسالكها، حتى يستدركها الناس اليوم؟! وصدق الله تعالى: (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا القُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً)…
وقد وضعت أبرز التساؤلات والردود عليها في بحث ليسهل الرجوع إليه للمتسائلين والمختصين..
(نقلاً من: صفحته على الفيس بوك)