تتفاقم الازمة اليمنية نحو تداعيات خطيرة لجهة انعكاساتها على عموم الشعب اليمني، بالأخص منها الشرائح الأكثر فقراً على صعيد غياب القدرة الكلية لتأمين لقمة العيش على بساطتها في النظام الغذائي الشعبي المعروف، ناهيك بغياب الشعور بالأمن على الحياة جراء الغارات الجوية العمياء للعدوان وإمعانها في استهداف الأمنين في مدنهم وقراهم حتى أصبح الدم اليمني المراق شيء لا يدعو للاهتمام من قبل العالم، وهي قضية تضاف إلى السجل المخزي لأدعياء حقوق الإنسان.
ورغم جولات المفاوضات على تعددها من وساطات عربية ودولية، إلا أن الازمة والحرب ما زالت تتصاعد بوتائر عالية لتتجاوز ما هو معروف في الادبيات السياسية بقمة الازمة صعودا نحو مزيدا من القتل والتدمير اليومي يرافقه تردي متسارع في الأوضاع المعيشية والاقتصادية للمواطن وعموم الوطن.
هذا المشهد العبثي ومع الإصرار من قبل الأطراف المسببة له والمشاركة فيه “محلياً واقليمياً ودولياً “، يدفع إلى القول أن جميع هذه الأطراف شريكة في ديمومة الأوضاع المأساوية نتيجة لتجاهلها الحقائق الصادمة وفيما وصل أليه الحال بالشعب اليمني المغلوب على أمره والذي يدفع يوميا ضريبة سياسات متقاطعة لا تعني المواطن اليمني بقدر ما يعنيه سرعة الخروج من النفق المظلم جراء هذه السياسات.
صحيح أن الازمة اليمنية تتشابك وترتبط بشكل من الاشكال بعناصر أجنبية، إقليمية ودولية ، وهي عناصر ساهمت وتساهم في ديمومة الازمة لحسابات باتت معروفة الغرض والنوايا ، وهي حسابات لا تضع في مجملها مصلحة الشعب اليمني ، ولا يهمها بأي حال من الأحوال الأوضاع الداخلية اليمنية ، حيث أنها تسعى لتحقيق أهدافها وبكلفة يدفعها هذا الشعب من دمه وقوته وأمنه.
هذا المشهد يفرض على الأطراف السياسية اليمنية ، كلها دون استثناء، أن تعيد حساباتها باتجاه تغليب الأهداف الاستراتيجية للمصلحة الوطنية اليمنية العليا بمعزل عن أي توجه دولي أو إقليمي لا يتناغم مع تلك المصلحة ، فالمسؤولية الوطنية والأخلاقية المترتبة على أي جهة تستوجب هذه المراجعة ومن ثم أتخاذ قرارات سياسية وطنية تكتسب مصداقيتها ما دامت تتغنى بالحرص على اليمن وأهله ومستقبله ، وهي مسؤولية تاريخية بقدر ما هي مسؤولية أخلاقية ، حيث لم يعد جائزاً طرح الشعارات دون أن ترتبط فعليا بموقف مسؤول يحقق نتائج على أرض الواقع .
أن الخيار الوطني الذي تصنعه القوى السياسية اليمنية الصادقة والمخلصة على اختلافها بات هو الحل الوحيد لرسم خارطة طريق كفيلة باستعادة العافية لليمن المثقل بالجراح، فلا يجوز بعد الان المراهنة أو عقد الآمال على أي طرف إقليمي أو دولي، فقضية اليمن هي بالدرجة الأساس قضية وطنية بحتة، شعب اليمن أدرى من غيره بسبل معالجتها وتفويت الفرصة على من يريد توظيف الدم اليمني ثمنا لتحقيق مصالحه وأطماعه.
أن الضمير اليمني الشعبي الجمعي السائد يحمل الفاعلين السياسيين اليمنيين، أفرادا وأحزاب وجماعات، المسؤولية الكاملة فيما وصلنا أليه ويدعو لصياغة خيار وطني يغادر الحسابات الضيقة والفئوية، فمصلحة الوطن قضية سامية تعلو على أي حسابات، فهل نرى ونتلمس الايثار واستحضار الحكمة المفقودة ؟