يرويها: منير الماوري/
عندما أكتب عن اللواء الراحل فقيد اليمن الغالي عبدالحكيم الماوري وزير الداخلية في الحكومة القائمة بالعاصمة صنعاء فأنا لا أهرف بما لا أعرف كما يفعل بعض كتاب صحيفتي عكاظ والوطن في السعودية أو محرري نشرات أخبار قناة العربية.
سأكتب هنا بكل ألم عن شخص نشأت وإياه تحت سقف بيت واحد حيث أن والده هو شقيق والدي وهو ذاته بمكانة شقيقي الذي أعرف كل دقائق حياته منذ أيام صباه حتى يوم رحيله عن دنيانا الفانية.
لا أريد أن أظلم الزملاء الصحفيين في عكاظ والوطن والعربية فأنا أعتقد أن القائمين على الملف اليمني في هذه المؤسسات الاعلامية السعودية البارزة وقعوا ضحايا لمعلومات مستقاة من الشرعية اليمنية المقيمة في الرياض المعروفة في اليمن باسم ” شرعية الوضيع” نسبة لقرية الوضيع مسقط رأس الرئيس عبدربه منصور هادي. هذه الشرعية للأسف تداري فشلها بتسريب افتراءات أكاد أجزم أو أول من يسخر منها هم المسؤولون السعوديون أنفسهم خصوصا المطلعين على قوائم السفر من مطار صنعاء المحاصر أو العائدين إليه عبر طائرات الأمم المتحدة.
لن أروي هنا قصة حياة الفقيد الراحل الحافلة بالمواقف المشرفة فشهادتي في ابن عمي قد لا يراها البعض محايدة. ولهذا سأكتفي برواية الجزء الأخير من القصة وهو المتعلق بالوفاة واسبابها وما جرى في الشهور السابقة والأيام اللاحقة لها بهدف تصحيح بعض الأكاذيب المتداولة التي تقف ورائها تلك الشرعية الوضيعة.
لم يغادر اللواء الركن عبدالحكيم الماوري عاصمة بلاده متخفيا إلى إيران أو أي مكان في العالم بل غادر مطار صنعاء في وضح النهار في ديسمبر الماضي إلى استوكهولم ضمن الوفد المشارك في مفاوضات السويد.
عند وصول اللواء الماوري إلى السويد توجه إلى أحد المشافي لإجراء فحوصات للحبال الصوتية بسبب آلام في الحلق وشحوبة في الصوت اشتبه الفقيد أنها ناجمة عن مضاعفات عملية جراحية اجريت له في وقت سابق بصنعاء و لم تكلل بالنجاح. وكان اللواء الماوري قد تلقى نصائح متكررة من الأطباء في صنعاء قبل وبعد اختياره وزيرا للداخلية أن يسافر خارج اليمن لاستئصال أورام بدأت تحيط بالحبال الصوتية ولكن الحصار الجائر على البلاد تسبب في تأخير سفره للخارج فترة طويلة ما أدى إلى حرمانه من مجابهة مشكلته الصحية في وقت مبكر قبل تفاقمها.
قرر الأطباء في السويد إجراء عملية جراحية للفقيد تم خلالها أخذ غرزة من المنطقة المحيطة بالحبال الصوتية وتحليلها وكانت نتيجة التحليل أن الورم الداخلي قد وصل إلى مرحلة متقدمة وأن المريض وصل متأخرا عما يجب. ورأى أطباء السويد أنه يحتاج إلى علاج اشعاعي وكيماوي غير مضمون النتائج.
ونظرا لارتفاع تكاليف العلاج في السويد رأى الفقيد ومستشاروه أن يتوجه إلى لبنان لتلقي العلاج في مشفى أقل كلفة هو مستشفى سان جورج في بيروت بما لا يرهق خزينة الحكومة، وهو ما تم قبل أربعة شهور.
أثناء خضوع الفقيد لجلسات العلاج في بيروت قرر نجله الأكبر المقيم في الولايات المتحدة الأميركية طارق عبدالحكيم التوجه إلى بيروت ليكون بمعية والده لكن سفارة الشرعية الوضيعة في واشنطن رفضت تجديد جواز سفره واستمر هذا الرفض والعناد إلى ما بعد الوفاة بأسلوب مناف لكل القيم والأخلاق وحقوق الإنسان. وأبلغنا المسؤولون المختصون بالسفارة صراحة أن قرار الرفض اتخذه سفير الوضيع لدى واشنطن أحمد عوض مبارك. وفي ذات الوقت وقف الحصار الجائر على اليمن حائلا دون مجئ أي من أبناء الفقيد الآخرين الموجودين في صنعاء إلى بيروت ليكونوا بمعيته كما كان خيار سفرهم عن طريق مطار عدن تكتنفه الكثير من المخاطر بسبب موقع والدهم الحكومي، وبسبب المؤشرات الواضحة للوضاعة التي تتعامل بها الشرعية مع المواطنين اليمنيين غير الموالين لها أو السائرين في فلك خياناتها وفسادها وارتزاقها.
وفي ظل الظروف المشار إليها بادرت قيادة أنصار الله مشكورة بانتداب عدد من شباب اليمن الأوفياء من المقيمين في بيروت للتناوب على رعاية الفقيد الراحل طوال فترة العلاج خصوصا في المرحلة الأخيرة التي بدأ فيها المرض يخرج عن نطاق السيطرة.
في الاسبوع الأول من شهر أبريل الجاري توفيت في صنعاء والدة الفقيد الراحل بينما كان في آخر مراحل تلقيه العلاج فلم يتمكن الفقيد من الرد على اتصالات المعزين بسبب تدهور حالته الصحية لكن وصيته الوحيدة لأولاده كانت ألا يتقبلوا التعازي من أنصار العدوان الجائر على بلادهم بأي حال من الأحوال.
في يوم الجمعة الماضي الموافق التاسع عشر من أبريل فاضت روح الفقيد الطاهرة إلى بارئها فتوجه كاتب هذه السطور إلى بيروت مباشرة ليجد أن جثمانه الطاهر قد تم نقله إلى مكان مخصص لحفظ جثامين الشهداء فتم إلقاء النظرة الأخيرة عليه في ذلك المكان في انتظار أن يتم نقل الجثمان إلى أرض الوطن لمواراته الثرى في أرض بلاده.
أثناء كتابة هذا التوضيح تلقت أسرة الفقيد تأكيدات من ممثلي أنصار الله في بيروت ومن السفارة اليمنية لدى الجمهورية اللبنانية ومن السلطات في المملكة العربية السعودية بأن الجميع سيتعاون مع الأسرة المكلومة بالإسراع في إجراءات إعادة الجثمان ولم نلمس حتى الآن أدنى عرقلة من أي طرف.
وبعد توضيح الرواية الحقيقية للوفاة لابد من التأكيد باسم أسرة الفقيد الراحل على بعض النقاط الضرورية وهي:
أولا: إن نفينا لصحة استشهاد فقيدنا الراحل في اي غارة جوية من الغارات التي نفذها التحالف لا يأتي سوى احتراما منا للحقيقة ولو كان ذلك صحيحا لكان مدعاة للفخر والاعتزاز وشرف كبير للفقيد ولنا لا يستدعي النفي.
ثانيا إن نفينا لصحة استشهاد فقيدنا في اي غارة جوية لا يعني تبرئة التحالف العربي من المسؤولية عن وفاته اذ أن الحصار الجائر على اليمن أدى لتأخير طويل في سفره للعلاج الأمر الذي أدى لاحقا إلى فقدانه لحياته وهو مصير يلقاه آلاف المرضى اليمنيين بسبب إغلاق مطار صنعاء في وجه المسافرين ونعتبر هؤلاء جميعا شهداء.
ثالثا: إن نفينا لاستشهاد فقيدنا الراحل في اي غارة للتحالف لا ينفي حقيقة أن فقيدنا الراحل قد نجا من القصف الجوي للتحالف عشرات المرات بما في ذلك حادث الصالة الكبرى بصنعاء وغارات مماثلة عديدة وقعت قبل كارثة الصالة وبعدها لكنه لم يجرح أو يتعرض لأي إصابات تستدعي العلاج ناهيك عن تسببها في الوفاة.
أخيرا نود التوضيح أن فقيدنا الراحل لا ينتمي إلى حركة أنصار الله ولم ينتم في حياته لأي حزب سياسي التزاما منه بقوانين الجمهورية اليمنية التي تحرم انتماء العسكريين للأحزاب السياسية، وقد جاء اختياره وزيرا للداخلية عقب أحداث ديسمبر 2017 خلفا للوزير القوسي الذي شارك في تلك الأحداث إلى جانب الرئيس الراحل علي عبدالله صالح. وكان الاختيار بناء على كفاءته المهنية واقدميته العسكرية ومواقفه الوطنية لكنه تزامن مع متاعب صحية كان فقيدنا الراحل قد بدأ يعاني منها فلم يتلق نبأ التعيين باي مظهر من مظاهر الابتهاج لكن تقديسه للواجب الوطني جعله يتغاضى عن متاعبه الصحية وآلامه الجسدية من أجل تلبية الواجب الوطني.
رحم الله الفقيد الغالي وجميع ضحايا الحرب والحصار من أبناء شعبنا الصابر بكل انتماءاتهم ونسأل الله العلي القدير أن يلهم أصحاب الحل والعقد إلى التوصل إلى تسوية سياسية تنقذ بلادنا وجيراننا من كوارث الحرب وتخلصنا من إرث الثأر والأحقاد ومن القتل والحصار.
ملحوظة:
تلقيت قبل أيام استفسارات مكتوبة من زملاء في كل من قناة العربية و قناة بي بي سي عن صحة تعرض الفقيد الراحل لإصابات في غارة جوية سابقة للتحالف هي التي أدت إلى تسفيره للعلاج ثم وفاته فنفيت صحة ذلك وهو ما أدى إلى عزوف قناة بي بي سي العريقة عن ترديد أكاذيب نفتها اسرة الشخص المعني بينما أصرت قناة العربية على الإمعان في مجافاة الحقيقة ونشر أكاذيب يعلم الزملاء هناك علم اليقين أنها غير صحيحة. وبعد الاطلاع على الرواية التي نشرتها وكالة سبأ للأنباء التابعة لحكومة صنعاء وجدنا أنها الأقرب للحقيقة ولكن هذا لا يعني بالضرورة أكثر مهنية من محطة بي بي سي وإن كانت بلا شك أصدق من قناة العربية.