مبارك للشعوب الحيه، ولكل الأحرار في العالم رحيل المستبدين، وإنما نخشى ما نخشاه أن يرثهم بديلٌ مستبدٌّ يغُرق الشعوب في عبثهم وفسادهم .
إن ما يتركه الطغاة من تركة بعد رحيلهم يفشل أي نظام بديل يقوى على معالجته بسهولة، مهما كانت خبرتُه ووطنيتُه ونزاهتُه في الانطلاق بعميلة بناء جديدة؛ مالم يهتمّ بمعالجة الأمراض الفتاكة والجروح العميقة في شخصية الفرد والمجتمع، ومداواة الوطن من كلِّ الأمراض التي يتركها المستبدون بعد رحيلهم. وهو ما نرونه ماثلًا في الأنظمة البديلة ابتداءً من العراق ونتهاءً بما يسمى “الربيع العربي”.
إن كلَّ ما يجري من انهيارٍ مريعٍ في بعض البلدان، وما نراه من فوضى وفساد في ممارسات للانظمة البديلة، إنما هو امتدادٌ لأنساق الاستبداد المتجذّرة في: أنظمة التربية والتعليم، والقيم، والثقافة والآداب والفنون، والأعراف والتقاليد، وما يعيد انتاجه نسيج سلطة الاستبداد المعقّدة والعميقة، وبنيته الراسخة؛ التي لا يتوالد منها سوى الفشل والفوضى والعجز المزمن، إلى الحدّ الذي يدعو بعضَ المواطنين إلى تمني عودة الطاغية، خاصة الجيل الجديد الذي لم يتجرّع مرارات وعذابات الطغاة في الأمس… إن أكثرت الغيوم في بلداننا هي من ركام المستبد في الأمس .
لكن محوَ الاستبداد السياسي وغيره، بكلِّ أشكاله وصورة في العائلة والمجتمع والثقافة والدين والعلاقات الاجتماعية، ضرورة يفرضها بناء دولة المواطنة الذي يتساوى فيها الجميع في الحقوق والحريات، بغض النظر عن ديانتهم ومعتقدهم وقوميتهم… بل يجب أن نثق في المستقبل لأنَ كلَّ طاغيةٍ يغادر عالمنا يغادر معه شيءٌ من ظلام العالم… ولأنَ سقوطَ الطغاة يشفي شيئًا من عذابات العالَم.