تحت شعار ( الاستثمار في الاستقرار) عقد في منتجع شرم الشيخ على مدى يومي 24 و25 فبراير 2019 مؤتمر قمة عربية أوربية شاركت فيه 40 دولة أهمها الدول المتشاطئة بحوض البحر المتوسط ، وقد خرج المؤتمر ببيانه الختامي إلى عدد من التوصيات غلبت عليها التمنيات المؤطرة في جوهرها لتصب في صالح الأطراف الاوربية التي حضرته ، فالأوربيون يدركون جيدا السقوف المحددة لمديات التعاون والتي تتلخص في مجملها بمحاولة تدارك الاخطار القادمة اليهم من طرف ( برابرة الجنوب ) كما يصفون شعوب العالم الثالث ، وما يمثلونه بحد زعمهم من خطر على هويتهم الاوربية ، لكنهم بنفس الوقت يدركون أن العالم الثالث ، دول الجنوب ، هي السوق الأكثر أغراء لتسويق أنتاجهم والمحدد بدوره بالسلع الاستهلاكية الصناعية منها والغذائية حصرا دون الارتقاء الى تصدير مكونات التكنولوجيا المتقدمة ، أضافة الى ضرورات دول الجنوب باعتبارها تمتلك المواد الأولية اللازمة للصناعات الغربية .
وعند بحث مسألة الامن وارتباطه بالأمن الدولي ، فأن النظرة الغربية تتعامل مع هذا الامن بالقدر الذي يحقق مصالحها هي دون أي اعتبار لأهم عناصر التوتر والتأزم في المنطقة العربية المتمثل بعدوانية الكيان الصهيوني المدعوم بلا حدود من دول الغرب ، وهم بهذا يطلبون الامن لهم وأمن الكيان الصهيوني على حساب متطلبات الامن العربي الجماعي الخاضع دوما تحت طائلة التهديد الصهيوني ، فهذا الامن الذي يحاول تسويقه الاوربيون للعرب يلتف عمدا بتغييب واضح للدور الصهيوني المؤذي في المنطقة ، أذا هو ليس أمنا مترابطا ، أنه أمن أحادي الجانب ، ولغرض تفادي الحرج ولأرضاء النظم العربية ، أشار البيان الختامي للمؤتمر الى تشجيع حل الدولتين فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية ، وهو حل في جوهره يفضي الى تأسيس دولة قائمة على أساس ديني يهودي ، مما يعني في المحصلة وضع حجر الأساس لشرذمة المنطقة وفق أسس دينية مذهبية ، بمعنى ألغاء عروبة فلسطين أولا ولتجزئة المجزأ العربي ثانيا .
المسألة الأخرى التي يسعى الاوربيين إليها ، تتمثل بالزام الجانب العربي بها هي ضبط الهجرة نحو أوربا ، حيث أن العالم الغربي لا يريد استيعاب مهاجرين إلا من يمتلك الخبرات المفيدة والتي تعوض عن التناقص الديمغرافي الواضح في الكثير من الدول الاوربية ، بهذا المعنى فأنهم لا يكتفون بنهب الثروات الطبيعية وانما يحاولون سرقة البشر المؤهلين علميا أيضا ، فمفهوم الهجرة قد أطروه بأطار قانوني ملتبس أطلقوا عليه ( الهجرة غير الشرعية ) وهو مصطلح القصد منه ضبط الهجرة الانتقائية كي لا تتسرب الى الدول الاوربية كتل بشرية قادمة من عالم الجنوب ، وهو أجراء يتناقض ودعاوى وخطاب حقوق الإنسان الذي يسوقه الغرب وسيلة لأجل تبرير التدخل .
أذا ما أجرينا مقارنه بسيطة بين المؤتمرات التي تعقدها اللجان الفنية المنبثقة عن الاتحاد الأوربي والمؤتمر الأخير محل البحث ، نجد هناك بون شاسع بينهما ، فالمؤتمرات الفنية لأعضاء المجموعة الاوربية تضع الأسس والحلول العلمية لأدق القضايا المتعلقة بشؤون الاتحاد ومنها التجارة البينية وتدفق السلع بين تلك الدول ، في حين أن المؤتمر العربي الأوربي الأخير لم يتوصل إلى أي نتائج محددة تعالج القضايا الأكثر خطورة خاصة تلك التي تنعكس سلبا على المنطقة العربية ، بل جاءت التوصيات عائمة وذات نهايات مفتوحة أغفلت تماما تحديد طبيعة العلاقات العربية الاوربية المختلة لصالح الأخيرة وعلى حساب المصالح العربية على مختلف الصعد ، رغم أن أوربا تتحمل تاريخيا مسؤولية كبرى في الحال المتردي الذي وصل أليه العرب بسبب الاثار المدمرة للحملات الاستعمارية التي شنتها الدول الاوربيةعلى المنطقة العربية .
المؤسف أن النظام العربي الرسمي ما زال يسوق طروحات مضللة ويخفي عمدا الفشل الذريع في بناء علاقات متوازنة مع الأطراف الدولية ، وهم بهذا كمن يستند إلى عكاز مكسور أثبت عطبه وأصبح عنوانا لفشل يراد تغطيته بمؤتمرات لا تخرج بنتائج تعالج الخلل البنيوي المزمن الذي يعاني منه المواطن العربي في غذائه وأمنه ومستقبل أجياله .