كانت قمة الأديان التي انعقدت في مدينة أبوظبي قبل أيام حدثاً مهما غير مسبوق لفت اهتمام العالم رغم مشكلاته التي لا تحصى ولم يكن غير الإمارات بلداً مؤهلاً لاستضافة ذلك الحدث والخروج بنتائجه وفي مقدمتها وثيقة الأخوّة بين أبناء الديانات السماوية التي جاءت لإسعاد الإنسان ومكنت البشرية من التعايش على اختلاف لغاتها وجنسياتها. وكان خطاب شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب وثيقة أخوة أخرى أكّدت مبادئ الإسلام وقيمه الكبرى القائمة على المحبة والعدل واحترام إنسانية الإنسان والدفاع عن حقه في الكرامة والعيش في أمن وسلام، وكان الواقع العربي والإسلامي وواقع العالم أيضاً بحاجة إلى سماع هذا الصوت والتذكير بما هدفت إليه الأديان من دعوة إلى التسامح والقبول بالآخر المختلف في اللون والجنس والعقيدة.
إن أهواء بعض البشر وطموحاتهم المنحرفة هي التي أغرفت العالم بالدم والمخاطر، وهي التي مكنت للتعصب من أن ينمو ويستشري ويحوّل حياة البشر إلى سلسلة من الخوف والحروب وسلب الحقوق. والأديان – هي في الحقيقة وكما قال شيخ الأزهر- براء من كل ما يهدد حياة الإنسان ويعرّض المجتمعات للخلافات والصرعات وما يصدر عنها من تدمير للعلائق الإنسانية، وهي –أي الأديان- براء من العنف بكل أشكاله ومسمياته، ولو قد ارتفعت هذه الأصوات العاقلة والمعتدلة والنابعة من معرفة عميقة وواعية بالدين لما كان هذا الذي نشهده من تنافر في المواقف وتمزق في الانتماءات وفتح أبواب الفوضى وما يتبع ذلك كله من تهديد لحياة الكائن البشري ولكل ما أنجزته البشرية في عهودها السالفة وما تنجزه الآن من معالم حضارية ومعارف علمية وفكرية.
لقد كان اللقاء بين كل من شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان على أرض الإمارات العربية، وفي مدينة أبوظبي خطوة على طريق بناء الثقة بين القيادتين والتبشير بزمن جديد للسلام غير المنقوص، السلام الذي يراعي حقوق الشعوب في الحرية والعدل والسيادة . والتصدي للاستعمار واحتلال أراضي الغير بالقوة وما يدعو إليه من الصراعات بين الشعوب وخروج عن المبادئ الدينية، وما تفرضه العقيدة من قيم التواصل الإنساني وما تحضّ عليه من احترام لحقوق الشعوب وسلامة أهلها وأراضيها، وهو ما تنبهت له وثيقة الأخوة من خلال تركيزها على التخلص من الأحقاد والكراهية وكل ما يجعل حياة البشر على الأرض جحيماً لا يُطاق.