في الحرب العالمية الثانية قدم الروس في إطار الاتحاد السوفيتي حينها عشرون مليون شخص لهزيمة الفاشية والنازية ، شلال الدم الروسي – السوفيتي خلص الإنسانية من إرهاب الفاشية و النازية وقبض ثمنه تحوله الى قوة عظمى فرضت تغاضي العالم على ابتلاعه شرق أوربا ، في مكان آخر معاكس كانت حصة المنتصر الأمريكي، طبعا كل ذلك يتم على حساب مناطق نفوذ الدول المهزومة في الحرب وهي ألمانيا و إيطاليا و اليابان ، بتواتر معها تمت عملية استلام وتسليم سلسه لمستعمرات الطرف الأضعف في تحالف الحلفاء وهما بريطانيا و فرنسا في أفريقيا و أسيا لصالح منتصري الحرب الكبيرين (الاتحاد السوفيتي + أمريكا ).
الجديد في الأمر اليوم ان توازن الرعب النووي بين القوى الجديدة المنتصرة حال ويحول دون ذهابهما لخيار الحرب باعتبار أن أي حرب نووية ليس فيها منتصر ، توازن استحضر ( الحرب الباردة ) وكان مسرحها الاول فيتنام التي مرغت كبرياء العسكرية الأمريكية في الوحل ، ثم جاءت الفرصة للأمريكيين للثأر من خصمهم الروسي في أفغانستان وهنا فرضت الحاجة لاستيلاد وتفعيل الوهابية السلفية لمواجهة الشيوعية، تحت يافطة (الجهاد) في أفغانستان كان الممول فكريا وماليا السعودية و الإمارات ووقودها البشري من مختلف بلدان العالم الإسلامي وبهم حققت أمريكا ثأرها من الروس ، خرج الروس من المستنقع الأفغاني مثخنين بالجراح وتلاحقهم الهزيمة وتعادل القطبان الروسي و الأمريكي في الربع الساعة الأخيرة من مباراة الحرب الباردة، الحرب الباردة كشفت متانة وقوة الاقتصاد الأمريكي و بالمقابل هشاشة اقتصاد نظيرها الروسي الذي كان بحاجة الى استراحة محارب لإعادة البناء استعداد لجولة مصارعة مصالح أخرى، حروب محورها مصالح الدول الاستعمارية الكبرى فقط مسرحها ووقودها كانت دول وشعوب العالم الثالث .
التآمر على منطقتنا العربية الإسلامية الوجودي بدأ من زراعة الغدة السرطانية (إسرائيل) الى حلف بغداد والشرق الأوسط الكبير ومن ثم الجديد وصولا الى (صفقة القرن) ، مرحلة توج فيها الكيان الصهيوني قائدا لمنطقة غرب آسيا وبحيرة البحر الأحمر، حيث من المعروف أنه منذ العام 1970م شكلت منطقتنا العربية منطقة مصالح حيوية للإمبراطورية الاستعمارية الأمريكية، واصبح (النفط) ضامن (الدولار) الأمريكي بدلا عن الذهب ، فكان مخطط احكام سيطرة الاستعمار الأمريكي ومخلبة (الكيان الصهيوني) على الجزيرة العربية الذي أصيب مؤخرا بانتكاسة جزئية بسبب تدخل داخلي متمثل بتيار المقاومة وخارجي باصطدامه بالمصالح الحيوية الروسية الرافضة لمد أنبوب الغاز من الخليج الى أوربا ، حيث كان من المفترض أقامت دولة دينية (داعش) لتبرير أعلان (إسرائيل دولة يهودية ) ، تستكمل صفقة القرن بتقسم الدولة السعودية الى كانتون (الحجاز) المفترض أن يكون شبيها بدولة (الفاتيكان) ، أما المناطق الشرقية الغنية بالنفط تقسم إمارات مذهبية ضعيفة لا تستغني عن الحماية الأمريكية الصهيونية، وبكذا يتم التخلص من النظام السعودي المتخلف باعتباره يشكل عبء يحرج الديموقراطيات الأمريكية و الأوروبية أمام شعوبها ، من ناحية أخرى إلصاق تهمة الوهابية السلفية الإرهابية به ودفنهما معا ، تحقيقا لذلك المخطط تم تجميع أكثر من ألف عالم اسلامي بين هلالين (سني) في غروزني /الشيشان 2015م تمت فيه البراءة من انتماء الوهابية السلفية الى مذاهب أهل السنة والجماعة ، في ذات العام تم الدفع بالنظام السعودي للعدوان على اليمن لا فراغ ما لديه من التراكمات المالية التي وفرتها له التخمة النفطية من خلال صفقات الأسلحة والحماية و على طريق تفكيك المملكة لاحقا.
لكل ذلك يلاحظ التحول الراهن في التوجه الدولي من العدوان السعودي الإماراتي على اليمن والذي لا علاقة له بمزاج ومزاعم الأخلاق والكارثة الإنسانية، القوى الدولية الشريرة دفعت بكل قطعان الجماعات الوهابية السلفية لمحرقه لليمن للتخلص منها بحكم معرفتها المسبقة أن الجيش و اللجان الشعبية اليمنية القوة الوحيدة المؤهلة لاجتثاث تلك الشجرة الملعونة الخبيثة ، الشعب اليمني وحدة من يدفع اليوم الدم الطهور لهزيمة (داعش الكبرى) السعودية و الإمارات اللتين اصبحتا تهددان الأمن والاستقرار الدوليين وبالتالي على المفاوض اليمني أن يعرف دورة التاريخي وأهميته للإنسانية، صحيح ان الوازع الديني والأخلاقي للجيش واللجان الشعبية وقيادة الثورة اليمنية ثقافتها القرآنية تنزع عنها أي مطامع في أراضي الغير، مع ذلك كل الأحرار الثوار اليمنيين لن يقبلوا بأقل من أن يكون الدم اليمني الطهور للجيش واللجان الشعبية رافعة السيادة الوطنية، المتمثلة في المشروع القرآني للدولة المدنية المقتدرة العادلة المستقلة الذي حددت معالمهما الرئيسية ملازم الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي (رضي) ، من خلال وحدة قابله للاستمرار وبالتراضي في يمن حر سيد مستقل على رقعة حدود وثيقة الاستقلال 30 نوفمبر 1967م واتفاقية الطائف 1934م، حدود يضمنها لليمن القانون الدولي والدستور اليمن الحالي الذي يلغي اتفاقية جدة 2000م الحدودية المفرطة بالأرض ، بتأكيد قيادتنا الثورية والسياسية تستوعب ذلك و أكثر وبذات قائد الثورة العلم السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي الذي حوله إجماع وطني من كل الثوار والاحرار اليمنيين ، لكن يظل السؤال الأهم هل يستعيد الوعي الجمعي الجنوبي ذاكرته الوطنية والثقافية وحقيقة انتمائه لمدرسة تريم /حضرموت /اليمن ؟!!
تلك المدرسة السمحة التي أسلم على يدها أكثر من نصف مليار مسلم ، وأن الوهابية السلفية ماهي الا وافد دخيل على الجنوب و اليمن والإسلام ، تلك المطالبات المبررة باستنهاض الجنوبيين للقيام بواجباتهم النضالية في التحرر من واقع الاحتلال لا يعفي القيادة السياسية بصنعاء من إبداع مقاربات تشكل مدخلا لوحدة قوى التحرير والاستقلال من حوف /المهرة شرقا الى أرخبيل جزر حنيش و زقر /الحديدة غربا .
*منسق ملتقى التصالح والتسامح الجنوبي
** 21 ديسمبر 2018م