جمال حسن:
تمارس السلطات السعودية اجراءات مجحفة بحق العمالة الاجنبية، ويشكل اليمنيون نسبة كبيرة لكنها ليست الاكبر مقارنة بالبنغال والباكستانيين والهنود..
احد العائدين اليمنيين اخبرني، ان المواطنين السعوديين يقولون ان ما يقوم به ولي العهد محمد بن سلمان، ربما يصعد بهم الى الأمام او سيتسبب في تدميرهم. إنه تعبير ايضاً عن عدم اطمئنان، فالسوق الداخلية تعاني من خمول غير مسبوق.
وهذا الخمول في الحركة الاقتصادية قد تكون احد اسبابه الحرب التي تخوضها السعودية في اليمن. لكن الاشكالية الاولى تتعلق بالاجراءات التي اتخذها محمد بن سلمان وعاقب بها العمالة الاجنبية، اضافة الى تجميده النشاط الاقتصادي بكبح عملية الانفاق التي تقوم بها الدولة..
هناك شكاوي من الضرائب التي تفرضها الرياض على السلع، اضافة الى تحرير الدعم على كثير من المنتجات. لكن الآفة الأكبر تتعلق بتجميد عملية الانفاق الحكومي. فكثير من الشركات التي نفذت مشاريع للحكومة لم تتسلم مستحقاتها. علي محمود ( اسم مستعار) وهو احد الذين تحصلوا على عقود من الباطن مع شركة سعودية قاولت مشروع حكومي، يقول ان الشركة فاوضته على استقطاع اكثر من ثلث مستحقاته، وبذريعة ان الحكومة لم تسلمهم.
مع هذا، هناك لغط حول وجود مقربين من ولي العهد يحضون بامتياز في المقاولات. او ما يمكن ان نسميه اعادة تدوير رأسالمال في السعودية واعادة تدويره في فلك الأمير الشاب.
لا يقتصر الامر على ذلك، فالعقارات انخفضت، اضافة الى ان كثير من المحلات التجارية معروضة للبيع. من الطبيعي ان تتسبب مغادرة العمالة بهذا الكساد. لكن الاجراءات المجحفة، التي يمارسها النظام في السعودية غرضه سرقة اموال العمالة الاجنبية من يمنيين وغيرهم. فالبعض غادروا واسرهم مديونيين لتسديد ما عليهم من رسوم مجحفة.
تتضاعف الرسوم كل عام، وهذا العام سيكلف بقاء اي عامل عشرة الف خلال السنة؛ كرسوم بقاءه. وبالنسبة لغالبية يصل اجرهم الشهري 2500 ريال سعودي؛ فإنها ستكلفهم نصف ما يحصلون عليه تقريبا اذا اضفنا لها رسوم الإقامة واشياء اخرى.
وهؤلاء لن يستطيعوا البقاء في العام القادم، حيث انها ستبقيهم خارج القانون مديونيين للحكومة السعودية، وتطاردهم السلطات بحجة مخالفة قوانينها. وبالطبع تلك الاجراءات يُستثنى منها السوريين فقط. اليوم اصبحت الحكومة السعودية آلة ضخمة تستحصل من المواطنين ومن العمال ومن كل شيء، بعد ان كانت مجرد اقتصاد ريعي يرشي المجتمع ويخمله ليسكت عن نظامها. لكنها اليوم ستصبح مطالبة، بعد ازالة تلك الامتيازات عن المجتمع. واذا اتينا للصدق فهي امتيازات ساهمت في خلق مجتمع خامل غير قادر على خوض سوق العمل. اضافة الى الاعباء التي ستجد الحكومة السعودية نفسها ازاء تلك الالتزامات بصرف النظر عن ما تنتجه من النفط والفساد.
يقول الشارع السعودي اليوم، ان خزينة الدولة ممتلئة.
في المقابل تشح الحكومة عن الانفاق. وهنا اعلان لانشاء مشاريع ضخمة.
بماذا يفكر ولي العهد؟ يريد نقل السعودية الى مستوى رقمي ومتطور. لكن الاجراءات ستشكل عقاباً على قطاع واسع من المجتمع، واقصد به المجتمع محدود الدخل والذي يشكل غالبية السعوديين.
وبحسب بعض ما يتردد، فالحكومة هناك، بصدد منع اي مشاريع صغيرة، اي تلك التي تعود الى تجار صغار او متوسطين. فعلى سبيل المثل لن تسمح بوجود محطة بنزين مملوكة لشخص. بل تريد ان تتعامل مع شركة. وهو الامر نفسه على الافراد الذين يملكون وسائل نقل.. يبدو الامر شططاً للغاية. واعتقد انها لن تستهدف كل قطاعات السوق. اي انه سيبقى من حق الافراد امتلاك بعض الأعمال، ما لم يكن جنون ولي العهد سيذهب الى اكثر من هذا.
دعونا ننظر الى اين ستنتهي نزوات محمد بن سلمان. وهو تجسيد لروح الجيل الثالث المتخمين بالمال، وغير القادرين على تفهم احتياجات البشر العاديين. فمن اجل الوصول الى تلك الغايات يتطلب الامر خطوات تدريجية؛ حتى تصبح المنظومة الاقتصادية قادرة على استيعاب هذا التوجه دون ان تثير سخط شريحة مجتمعية واسعة. بمعنى ان آلية الهضم لا تحدث دفعة واحدة.
والمضحك هو امساك الحكومة عن الانفاق؛ باعتبارها الآلة الضخمة التي يعتمد عليها الاقتصاد المحلي. فالشكوى لا تقتصر على الاجانب الذين يعانون من رسوم مجحفة، حيث يتعرضون لابشع عملية نهب تقوم به حكومة. فالسعوديين انفسهم يفرون بشكاوي هنا وهناك وإن كظموا كثير من غيظهم، نتيجة القمع الذي تمارسه السلطات هناك.
الحكومة اصبحت آلة تحصيل دون انفاق، فالرياض فرضت للمرة الاولى ضرائب مبيعات، وهي اصلاحات اقتصادية ملزمة بها. لكن ما الغاية من تكديس الأموال؛ فالحكومة لا تنفق على المشاريع الاستثمارية كما في السابق خلال اخر ثلاث سنوات.
هناك اعلانات عن مشاريع ضخمة ستكلف مئات المليارات، لكن عملية الادخار التي يئن لوطأتها المجتمع هل ستذهب في تمويل تلك المشاريع. هناك ايضاً نوايا لبيع نسبة من اسهم شركة ارامكو. وهو اجراء غير مفهوم، الا اذا كان من اجل توفير سيولة نقدية. فهل تعاني السعودية من توفر سيولة ما؟ او سيولة توفر للأمير الشاب احلامه.
وهي احلام غير معنية بحقوق العمالة الاجنبية التي تلفظ من هذا البلد كشيء غير مرغوب؛ هناك ملايين من العمالة، ولا يتعلق الامر باليمني، هناك عمالة عربية، وبنغال وباكستانيين وهنود، انهم جميعاً انسان. وبعد ان عصروا سنوات طويلة من عمرهم هناك يعودون بتلك الخيبة، مستنزفين ومقهورين، ومسروقين من اغنى بلد نفطي في العالم.