يجسد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باضطراب أدائه السياسي وتناقضاته وارتباك مواقفه، الحالة الرثة التي تعيشها وآلت إليها التجربة الأمريكية المديدة في هذا المنعطف من تاريخها الامبراطوري.
يدعو ترامب إلى إنشاء «تحالف شرق أوسطي لمواجهة الخطر الإيراني»، فيفصح بدعوته المتلفزة تلك عن جَزْر السطوة الأمريكية على مجموع دول «الناتو» وأفول مجد هذا التحالف العتيق، وأزوف انفصام عراه، بعد نفوق جدواه عملياً في يقين الرأي العام الغربي وجثومه كعبء مالي ثقيل على كاهلهم.
هذا الوثب المرتبك على محيط السطوة الأمريكية الأوروبي المضعضع، صوب شرق أوسط أكثر ضعضعة وتردياً لجهة السطوة الأمريكية، يشبه حال الهارب من دوامة رمال متحركة إلى مستنقع، فخليج الـ«بترودولار» الذي انفرط إطاره الإقليمي الضخم ممثلاً في «مجلس التعاون العربي»، وتحولت تناقضات كياناته الساكنة إلى احترابات شديدة الجلبة والصخب، ليس بيئة مثلى للاستشفاء الأمريكي من جذام فقدان السطوة، هذا باستثناء أن أكبر كيانين فيه (السعودية والإمارات) غارقان من الأخمص إلى الذقن في وحل الخسران المبين والفادح في اليمن؛ كما أن «صماد3» اليمنية المسيَّرة برهنت في غضون رحلة أولى إلى مطار أبوظبي، على فرط وهن عرين المصالح الحيوية الأمريكي الأبرز في العالم.
ثالوث الرهان الأخير (تل أبيب والرياض وأبوظبي) لاستعادة السطوة بالنسبة لامبراطورية أمريكية تترنح، تصرخ الحكومة الأمريكية مستغيثة أمام زخم متغيرات إقليمية تهدد وجودها، وواشنطن تصرخ مستغيثة ثالوثها الغريق.. مشهدية كاريكاتورية تستدعي الشفقة والرثاء عوضاً عن ارتعاد فرائض أعداء أمريكا المستهدفين بجعجعة ترامب وأحلافه الفانتازية.
بسطت دمشق المنتصرة يدها الطائلة على ترابها، وبالأخص حدودها الجنوبية المحاذية لكيان الاحتلال الصهيوني، فوقعت تل أبيب فريسة لأنياب ومخالب مخاوفها الوجودية، التي ليس بوسع واشنطن تهدئتها بضمانات أمنية أياً كانت، كالحال في غابر تاريخ الاشتباك والصراع.
وفي بيونج يانج، لا تزال الأرحام العسكرية النووية وغير النووية تحبل وتلد غير آبهة ببرامج تحديد النسل المفروضة عليها أمريكياً، برغم مثول ترامب بوضاعة وصَغار بين يدي الطفل النووي الكوري المشاغب كيم جونج اون، كأعظم هبوط اضطراري أمريكي تشهده حقبة ما بعد الحرب الباردة العشرينية، ومطلع القرن الحادي والعشرين.
أيُّ الأنحاء التي لا تهب منها الصفعات على أمريكا اليوم؟ بحيث يمكن لها أن تسند رأسها إليها وتنام آمنة!
تفضلوا… ها هم أعراب الـ«بترودولار» الذين عولت أمريكا على محافظهم المالية الضخمة في وأد المتغير الثوري اليمني، ينكفئون إلى جحورهم ويعلنون وقف تصدير النفط عبر البحر الأحمر، وهو آخر ما كان ينقص الهيبة الامبراطورية الأمريكية من محاكات اختبار لتلقى حتفها!
ما الذي يمكن لأمريكا، ومن خلفها الغرب الرأسمالي، أن تفعله إزاء معضلة انحباس حنفيات النفط لو حدثت بالفعل؟
يتوقع الأعراب أن تنمحي اليمن من الخارطة في مهب الغضب الغربي، أما الأرجح فهو أن عواصم الغرب سوف تحتطب لا أكثر!