منذ اكثر من ست سنوات تواصل اسرائيل ضرب المواقع الايرانية العسكرية ومواقع تواجد حزب الله في سوريا، مع زيادة تقدمهم ونفوذهم العسكري في سوريا، وسيطرتهم على الحدود السورية – الاسرائيلية المحتلة، حيث اصبحت اسرائيل هنا محاصرة من الشمال والجنوب بالتواجد الايراني.
التواجد الايراني القوي في سوريا، والذي ازاد نفوذا وقوة على المستوى العسكري ويتم تعزيزه “ايديولجيا” بتغلل المذهب الشيعي في سوريا، هو التواجد الوحيد الذي يهدد الامن الاسرائيلي، فاسرائيل لاتخشى من تقوية الجيش السوري طالما ارتبط بتحالف متين مع موسكو.
ففي الوقت الذي كانت فيه “روسيا” تواصل دعمها وتسليحها للجيش السوري “وسوف تواصل فعل ذلك ” وهي تفصل تماما بين الجيش والقيادة السورية البعثية” حيث انها في فترة ما تنازلت عن الدفاع عن بقاء الاسد في السلطة، فان واصلت دعمها وسوف تفعل، فانها تفعل ذلك لتحارب الجماعات الارهابية المدعومة من تركيا وقطر والسعودية، لانها تهدد المصالح الروسية في المنطقة وقواعدها العسكرية ، لذلك حاربت هذه الجماعات وليس لانها سنية المذهب، او لانها متطرفة دينيا.
وقامت ” روسيا” بالقصف المكثف لتوفير الغطاء اللازم لتقدم الجيش السوري. حتى وان استفادت ايران من الغطاء الجوي الروسي فان الهدف لم يكن تقدم وتغلل ايران او المد الشيعي في سوريا.
هذا يفسر لماذا لم تكن العلاقات المتينة بين اسرائيل وروسيا، سببا للضغط الروسي على اسرائيل لايقاف ضرباتها وهجومها على مواقع حزب الله وايران.
الهجوم الاسرائيلي سواء كان يتم بالتنسيق مع موسكو ام لا، فانه على الاقل لايضر بالمصالح الروسية في سوريا، بل يخدمها.
حيث لا يبدو ان “موسكو” ستكون متأثرة من اضعاف تواجد “طهران” وحلفائها من المليشيات الدينية الشيعة في سوريا، بل ان اضعاف ايران في سوريا يعني تقوية روسيا ، وزيادة دعمها للجيش السوري.
فسوريا بالنسبة لموسكو ليست هي الحليف “الممانع في حلف ايران” انها الدولة العسكرية القوية التي يمكنها صد الهجمات العسكرية من قبل الجماعات التي تهدد المصالح الروسية في المنطقة، وفي الداخل الروسي، والحليف العسكري القوي لموسكو في الشرق الاوسط الى جانب اسرائيل.
هذه هي دمشق بالنسبة لموسكو ، والتي لاترى في اسرائيل بلدا محتلا ومغتصب ، بل ان اليهود الروس هو اهم مقومات الاقتصاد الروسي واهم المتواجدين في الخارطة الاقتصادية والعسكرية في تل ابيب.
التدخل الروسي المباشر لقصف ومحاربة الجماعات الدينية المدعومة من الدول العربية خاصة قطر والسعودية ” وحليفها الامريكي” ياتي للحفاظ على المكاسب الروسية في المنطقة
وتقاطع مصالح روسيا “الانية” مع الحرب الايرانية على ذات الهدف من الجماعات الارهابية، اوحى للحلف الايراني ان روسيا تتشابك مصالحها في المنطقة مع مصالح ايران، واثبت الواقع عكس ذلك.
وحتى العدوان الثلاثي الاخير في منتصف ابريل، وما بعده لم تتحرك موسكو بشكل مباشر للدفاع عن سوريا او المواقع الايرانية وقوات حزب الله في سوريا، من اي اعتداء اسرائيلي او امريكي – غربي، ولن تفعل.
الدعم العسكري الذي تقدمه موسكو للجيش السوري وتزويدها بأحدث المعدات، ووعودها بتزويد الجيش السوري ب صواريخ s300 يأتي لتضمن وجود الحليف العسكري القوي في مواجهة ما يهدد المصالح الروسية في سوريا “الجماعات الارهابية” ولتكون خط دفاع اول وميتن، وليس لضرب اسرائيل، او حتى مواجهة اسرائيل.
لن تكون “موسكو” سببا في تقوية الجيش السوري ليجعل من اسرائيل هدفا له، فعلى المدى البعيد قد لا نتوقع حدوث اشتباك بين سوريا واسرائيل ان تم اخراج ايران من سوريا، بل ان حدوث مفاوضات مباشرة برعاية روسية ، وتوقيع اتفاقية سلام بين دمشق وتل ابيب، قد يبدو حدثا متوقعا على المدى البعيد، وربما على ايران وحزب الله بدء تقبل الحقائق على الارض.
فتقوية الجيش السوري الان من قبل روسيا ، في ظل التواجد الايراني القوي وهو في تحالف عسكري معها ضد اسرائيل، يقوي مواقع ايران وحزب الله في سوريا، وهو الامر الذي يعني وجود منافس لموسكو.
وهذا يفسر تغير او بالاصح “وضوح” السياسية الروسية في سوريا ، وهي التي كانت محل تاويلات خاطئة ، وتم وضعها في خانة الصديق والحليف القوي لايران والامر ليس كذلك.
ان كانت حرب ايران وحزب الله تستهدف اسرائيل، فان روسيا لن تكون فيها، وهي ليست حرب روسيا، التي لم ولن تكون ضمن محور ما يعرف “بالممانعة”.
ولعل روسيا استفادت من تواجد مليشيات حزب الله على الارض السورية، ومحاربتها لتواجد المجموعات الارهابية، وبذلك تكون ايران هي من قدمت الخدمة الاكبر لروسيا وليس العكس.
الجيش السوري هنا كجيش معادي لاسرائيل ليس هو الجيش الذي تريده روسيا بعد انتهاء الحرب في سوريا ، فليس هو المحور الذي تدعمه موسكو، ذات العلاقات المتينة بتل ابيب، ولن تنتهي الحرب في سوريا الا باخراج واضعاف كل من يزاحم التواجد الروسي .
وبدا واضحا ان تزامن زيارة نتنياهو الى موسكو مؤخرا مع شن اقوى الضربات على سوريا من 45 عاما ، ان روسيا لن تقوم بدور الكابح للرغبات الاسرائيلية في التخلص من التواجد الايراني على حدودها مع سوريا وهذا يتفق تماما والاهداف الروسية، وهو الامر الذي لم يفهمه محور الممانعة حيث ظن ان روسيا تتدخل لحماية مصالحه وتقوية نفوذه في المنطقة مع ان الامر على العكس تماما .
لذلك يبدو محور الممانعة متعجبا من تراخي سوريا في مواصلة امداد الجيش السوري بما وعدت به، وهو امر سوف يتم متى تأكدت موسكو ان هذا السلاح الروسي في يد الجيش السوري لن يكون في خدمة الاهداف الايرانية، وانه فقط لخدمة المصالح الروسية .
زيارة نتنياهو الى موسكو في عشية عيد النصر على النازية ، وتواجده مع بوتين في مسيرة النصر، قدم رسالة واضحة يرفض عرب “الممانعة” قرأتها بان اسرائيل وروسيا متقاربين اكثر من اي وقت مضى، وان التحالف العسكري بينهم في المنطقة قائم على محاربة تواجد الجماعات الارهابية والدينية والاسلامية بكل اشكالها سواء كانت ايرانية او تركية، وكل ما يهدد المصالح المشتركة لروسيا واسرائيل.
لقد فسرت الزيارة من قبل المحور الايراني على انها زيارة مفروضه على الرئيس الروسي “بوتين” الذي يسميه عرب “الممانعة” بأبو علي ، ككناية على قرب “بوتين” منهم ومحاربته للمد والجماعات الارهابية “السنية” غير ان ” ابو علي بوتين” ليس شيعيا ، ليحارب الجماعات الارهابية السُنية ويسمح بتقوية الجماعات الدينية – الشيعية ، والتي تشكل منافسا له وخطرا على اسرائيل.
الحقائق واضحة، ومحور الممانعة الذي يحارب اسرائيل في كل مكان الا في اسرائيل، لن يعتبر روسيا في الايام القادمة حليفا موثوقا به ولا صديقا حقيقا جلبته الاقدار لانقاذ المزارات الشيعية.
مصالح روسيا في المنطقة لا تتقاطع في هذه اللحظة والمصالح الايرانية، وهنا ياتي الدور المنظور للجيش السوري ولدور دمشق السياسي كما يراد لها من قبل الحليف الاقوى “موسكو” . وهو دور لم تتوقعه ايران قبل 8 سنوات.
سوريا تحتاج لمن يقف معها بعد الكارثة التي حدثت لها، فهي اليوم ان حدث الخلاف بين المصالح الايرانية والمصالح الروسية ، قد لا تكون اقرب للحلف الايراني، وقد تذهب بكامل ارداتها لابقاء علاقتها المصيرية بروسيا ، حتى وان كان هذا يعني عدم تهديدها للامن الاسرائيلي.
ولمن يعرف الحرب السورية من الداخل، فلم تكن سوريا وايران على ايقاع واحد خلال الحرب العاصفة، وكان هناك خلاف غير ظاهر بينهما او قل منافسة على التواجد والسيطرة والظهور.
ومنذ بدء التواجد الايراني على الارض السورية، كان الخلاف يهدد استمرار الحرب على خلاف ما كان يظهر، وان كانت سوريا تريد الاستقلال بالقرار السوري فان ذلك يعني الاستقلال عن القرار الايراني.
لن نبالغ ان قلنا اننا نتوقع ان تحدث صدمه لمحور ايران في سوريا ، بعد ظهور بعض الحقائق على السطح، وان المحور الروسي ان صح التعبير سيكون اكثر وضوحا في الايام القادمة وان ايران ليست جزء اصيلا من هذا المحور .
ستواصل اسرائيل ضربها للمواقع الايرانية وتواجد حزب الله في سوريا، فهذه هي مهمتها الان، وهذا ليس مطلبا امريكيا، حيث ان امريكا نفسها لاتريد ان تدخل على خط المواجهة في سوريا ، ولا ضرب ايران في سوريا، لان هذا يصب في صالح روسيا ومصالح وطموح بوتين العسكري.
وكما استطاعت روسيا اضعاف الجماعات التابعة لتركيا وقطر والسعودية، فهي لن تدخل حربا مباشرة مع الجماعات التابعة لايران، ولكنها لن تبدو مستاءة واسرائيل تقوم بهذه المهمة.
ليس لايران حاليا دول حليفة في المنطقة، وان كانت في حربها على الجماعات “التكفيرية” كما تطلق عليها قد وجدت من موسكو الداعم لها، فان تدخل موسكو العسكري في سوريا قد قلب موازين القوى لفترة لصالح ايران، غير ان الامر لن يستمر لصالح ايران.
لذلك فان ذهبنا بالتوقع الى ابعد من ذلك وبدأ الحديث عن اضعاف مصالح ايران في سوريا والمنطقة عموما ، ومن ضمنها “اليمن” فان هذا التوقع بحسب الوقائع على الارض لايبدو مبالغا.
اما اليمن فستكون هي المرحلة الثانية بعد سوريا، وبعد فشل الحرب السعودية بل وهمجيتها وتدميرها لليمن قاطبة وليس فقط لحلفاء ايران، فالسعودية تدخلت بطريقة غبية جعلت من هذه الحرب اكبر مأساة انسانية في العالم، احرجت الغرب المناصر لها وضغطت عليه ، وجعلته يتحرك لوقفها، ووقف تصدير الاسلحة الى السعودية، وربما لمزيد من ابتزاز السعودية ماليا . وهو امر قد يعني اضعاف السعودية اقتصاديا.
هكذا تبدو السعودية وايران في المدى البعيد اضعف مما هما الان، وهذا يبدا باضعاف المحور الايراني الذي لايستند على وجود “دول” قوية ، بتفكيك المليشيات الشيعية المتواجدة في الاقطار العربية “لبنان، سوريا، العراق ، واليمن”
في لبنان الامر لن يكون مطروحا كون حزب الله مكون رئيس من الشكل السياسي للدولة وله تواجد رسمي وشرعي وقانوني، غير ان تواجده في سوريا ليس قانونيا ويحق لسوريا ان تطلب منه الخروج، لكن هذا لن يحدث، ولا يمكن لدمشق اخذ هذه الخطوة ، لذلك ستكون اسرائيل هي من يضعف تواجد حزب الله وايران في سوريا.
اما اليمن فان تواجد “انصار الله الحوثيين” ليس قانونيا ويتم النظر له دستوريا وتشريعا بانه انقلاب على الدولة والحكومة المعترف بها دوليا ، ولم تعترف اي دولة لحد الان بالحكومة الحوثية حتى ايران، وهذا يضعف موقفها القانوني والدولي.
لذلك فان اضعاف ايران من خلال مليشياتها “الشيعية” المنتشرة في الاقطار العربية لن يكون بالطريقة السعودية المبالغة في العنف والفوضى وتبرير الجرائم، فهذه الحرب السعودية زادت من نفوذ الحوثيين ، وقوت شوكتهم، بل انهم اثبتوا انهم قادرين على تنفيذ تهديدهم بضرب المدن السعودية واهدافها العسكرية .
ان اضعاف ايران في سوريا يمكنه ان يضعف تواجدها في اليمن، على المدى البعيد، و قد يشكل هذا احدى خيوط الحل في اليمن، فلا حل للازمة اليمنية طالما يتدفق السلاح الامريكي – الغربي على السعودية، وطالما تواصل ايران دعمها لاي فصيل يمني وتحويله من فئة يمنية شعبية الى كيان ايراني عسكري.
التوازن في المنطقة مطلوب، وتفرد الجماعات الدينية- العسكرية بالقرار، والاستيلاء على رقع واسعه من البلاد، ادخل البلاد العربية في الصراع الديني الطائفي، وان كانت اسرائيل هي المستفيد الاكبر من كل هذا حيث اصبح بمقدورها ضرب خصمها الايراني- حزب الله دون اعتراض من الدول الكبرى،
يجدر بنا القول هنا، ليس على ايران وحزب الله محاربة اسرائيل في سوريا او اليمن، او في لبنان، بل عليهم اخذ الخطوة الشجاعة وبدء تجميع قواتهم من البلاد العربية، وخبراتهم واسلحهم، التي تضرب بها المدن العربية وتوجييها للكيان الصهيوني ، ولينفذوا شعارهم بتحرير القدس فان هذا افضل لهم وللعالم.
منى صفوان : روسيا والمحور الايراني: هل انتهت المصالح المشتركة
التصنيفات: أقــلام