بخلاف «الحرب العالمية الأولى» التي بدأت بطلقة بندقية، من شخص لا يؤبه له، وصولاً إلى انخراط الدول العظمى، واستقطاب اهتمام العالم.
بدأت «عاصفة الحزم» كبيرة، بتواطؤ الدول العظمى، واستقطاب اهتمام العالم… وصولاً إلى هذه الحالة الهامشية المائعة التي لا يؤبه لها.
دولياً – وباستثناء التوجس من تمدد المنظمات الإرهابية، أو في أحسن الأحوال بعض اللفتات إلى الجانب الإنساني – بات العالم يتصرف إزاء الحرب على اليمن، وفي اليمن، كحالة اعتيادية، في حكم المنسي، أو المسكوت عنه!
على عكس القضية السورية، تمت صوملة القضية اليمنية، في المحافل الدولية، تاركين كل شيء هنا، للموت الصامت، والتفتت المجاني، والاندثار بالقصور الذاتي.
في المقابل، طبّع اليمنيون علاقتهم بالحرب والقتل والنزوح الجماعي، وتعودوا على رائحة الموت، ولون الدم، وأصوات القذائف، وصور الأشلاء الممزقة.
في اليمن، يومٌ جديد يعني مجزرة جديدة، تزهق – ككل يوم – عشرات الأرواح البريئة:
– أمهات لا يتابعن الأخبار. في اليمن… يومٌ جديد يعني مجزرة جديدة!
– آباء عطلتهم الحرب.
– أجداد كانوا يحتضنون أحفادهم، لتمتزج أشلاؤهم إلى الأبد.
– أحفاد… قطفتهم الشظايا في عمر الزهور.
– صبايا كنّ ينتظرن فرسان أحلامهن على خيول بيضاء، داهمتهنّ قذائف قادمة من فوق السحاب.
– شباب سبقت جنائزهم الأعراس.
الحرب هي الحرب… لكن الفجائع أصبحت أقل إثارة. لم تعد المجازر مرعبة، ولا جرائم الحرب ملفتة مستفزة مؤسفة… كما كانت في البدء.
لم نعد نهتم بإحصاء المجازر، ولا تدوين أسماء القتلى.
«فوجٌ يموت وننساه بأربعةٍ…
فلم يعد أحدٌ يبكي على أحدِ» (البردوني)
التطبيع مع الحرب أسوأ من الحرب نفسها. إنه يجعل الشذوذ هو القاعدة. يربط العنف بالرجولة، ويجعل الموت كائناً أليفاً.
الحرب لا تقتل البشر، ولا تدمر الإسمنت فقط… إنها بالتمادي تقتل أنبل ما فينا، وهو الرفض للتوحش، والإندهاش من الدم، والإحساس بالآخر، وتضامن المشاعر، ووخز الضمير…
إنها تجعلنا نتصالح مع الكراهية، ونتعايش مع العنف، ونألف القبح، ونعتاد الجريمة، ونخسر أنفسنا، لصالح الاستلاب والهمجية والعدم!
إنها إبادة جماعية للقيم الإنسانية، ومسخ للإنسان على المستوى الجمعي.