هل تعرف يا صديقي من هو ذاك الذي جاء اليوم ليُعلّمني ويُعلّمك معنى الوطنية ؟
طبعاً لا تعرفه ، لأنه نكرة : صفرٌ صغيرٌ قَصِي على شمال الأفق البعيد .
هل تعرف يا صديقي من ذاك الذي قال يوماً بأن ” الوطنية آخر ملاذ للوغد ” ؟
لا يهم أن تعرف من هو . المهم أنه كان صادقاً في مقولته .. كان صادقاً على نحو مرعب .
تشابه َ بقرُ الوطنية عليَّ يا صديقي !
انني أعود بذاكرتي الى الوراء قليلاً ، ثم كثيراً ، فأُصاب بالصداع .. بالدوار .. بالغثيان .
هل تتذكّر معي ذلك الصديق الذي كان يُقاسمنا الساندوتش والحلم الجميل والكبير في مقعد الدرس .. هل تتذكّر رأينا المشترك ورؤيتنا الموحدة حول الحرية ؟
ها هو يا صديقي يذبح حرية الصحافة ، ويغتصب حرية الرأي ، ويعتقل حرية التعبير ، وينتهك حرية الكتابة بحبر أخضر ، بعد أن صار خادماً مُحنّطاً ومُنحطّاً بدرجة (( ….. )) .. ولم تعد تلك المبادىء القديمة أغلى ما لديه .. بل صار ذلك الحذاء الايطالي الذي ينتعله أغلى ما فيه .. بل أنك لا تدري مَنْ منهما ينتعل الآخر !
أم تراك تتذكّر ذلك الرفيق في الحزب الذي كان يتشارك معنا معنى النضال ، والنقاء الثوري ، وأشياء أخرى كثيرة وعزيزة ، كانت تملأ أدمغتنا حين تكون بطوننا خاوية على أمعائها ، فنشعر أننا شبعنا الى درجة التخمة ؟
ألا تدري أين هو الآن يا صديقي ؟ . نعم ، إنه هناك بالضبط .. في ذلك الموقع تماماً ، حيث يشبه كلٌّ منهما الآخر حدَّ التطابق المطبق والمطلق.
لا يا صديقي . ليسوا على صواب ، بل نحن كنا على خطأ .
أَ ترانا كنا نعاني من قصور في الفهم ، في الإدراك والرؤية ؟
هل كنا – أنت وأنا – نفهم دلالات الأمور خطأ .. نفهم معاني الكلمات خطأ .. نفهم الأسماء والأشياء والمصطلحات والاستنتاجات والقوانين والقواعد والمتغيرات والثوابت خطأ في خطأ في خطأ ، وهو – فقط ، خلّيها : فقطاً ، أحسن ! – يفهمها على نحوها الصائب ؟
ماذا ؟ .. أَ تريد مثالاً ؟ . أوكيه ماي دير فريند .. سأعطيك مثالاً :
اليسار – مثلاً يا صديقي – يعني : يَسَّرَ الله لك . والاشتراكية جاءت من الشِّرك بالله ، والعياذ بالله . أما التقدمية فليست سوى المشي على الأقدام ، أي دون سيارة أو حتى سيكل بيدل !
نعم يا صديقي ، لقد فهمنا كل شيء خطأ .. وهم فهموها صواباً ..
انهم الصائبون … ونحن الصابئون .