المناكفات وتبادل اللكمات بين السعودية ومصر تتسارع والحرب الاعلامية وشيكة.. ما هي الخطوة الانتقامية السعودية القادمة بعد وقف المساعدات البترولية عن القاهرة؟ وهل ستكون الانفتاح على “الاخوان المسلمين” واثيوبيا؟ وهل سيرد السيسي بالتوجه شرقا الى ايران وشمالا الى سورية؟
لم تشهد العلاقات السعودي المصرية حالة من التقلب والشد والجذب في الخمسين عاما الماضية مثلما شهدته في العامين الماضيين، ومنذ وصول الملك سلمان بن عبد العزيز الى كرسي العرش في السعودية، وبات من المؤكد ان التوتر في العلاقات بين البلدين سيتصاعد في الايام القليلة القادمة.
بعد الحديث عن تحالف استراتيجي بين البلدين وضعت خطوطه العريضة الزيارة التي قام بها الملك سلمان الى القاهرة، وما تخللها من اتفاقات بإقامة جسر فوق خليج العقبة يربط البلدين بريا، واقامة مشاريع استثمارية ضخمة على الجانب المصري من الجسر في سيناء، وتوقيع اتفاق اولي بإعادة السيادة السعودية على جزيرتي صنافير وتيران، ها هي العلاقات تنتكس مجددا، وتعود الى ما دون المربع الاول، ولن نستغرب اشتعال الحرب الاعلامية بينهما قريبا، ان لم يكن قد بدأت، واقدام الحكومتين على تبادل “اللكمات الدبلوماسية” ايضا على اكثر من مسرح اقليمي، وربما دولي ايضا.
قبل يومين حملت الينا وكالة “رويترز″ العالمية للانباء تقريرا استخباريا يقول ان السعودية اوقفت ارسال المساعدات الشهرية النفطية الى مصر لشهر تشرين الاول (اكتوبر) الحالي، وهي المساعدات التي تقدر بحوالي 23 مليار دولار تمتد الى خمس سنوات، ويبلغ حجمها 700 الف طن شهريا.
الاسباب التي تكمن خلف هذه الخطوة معروفة ولا تحتاج الى الكثير من الشرح، فالقيادة السعودية غاضبة من بعض المواقف التي اتخذتها الحكومة المصرية، وترى انها تصب في مصلحة اعدائها، مثل الانفتاح على ايران، وتطوير العلاقات واللقاءات معها، والتأكيد على شرعية الرئيس السوري بشار الاسد، ومعارضة اي تحرك لتغيير نظامه، واخيرا التصويت لصالح مشروع القرار الروسي في مجلس الامن الدولي، الذي يعارض فرض اي حظر للطيران السوري الروسي في حلب، ويشدد على ضرورة مواصلة قصف الجماعات الاسلامية المتشددة المصنفة “ارهابية”.
القيادة السعودية، ومثلما ابلغ “راي اليوم” احد المسؤولين السابقين فيها، فوجئت بهذه المواقف المصرية والانفتاح على الحكومتين السورية والايرانية بالذات في مثل هذا التوقيت، ورأت فيها “طعنة” في الظهر بعد حزمة المساعدات المالية الضخمة التي ضختها في الخزانة المصرية المفلسة، وتبلغ حوالي 27 مليار دولار.
واضاف المسؤول نفسه بأن القيادة السعودية قبلت على مضض “التحفظات” المصرية عن اي مشاركة عسكرية في الحرب على اليمن، وقبلت بدور مصري “شكلي” في اطار تحالف “عاصفة الحزم”، ولكنها صُعقت بالانفتاح المصري المتسارع تجاه خصمها الايراني.
ولعل الصدمة السعودية الأكبر، جاءت عندما شاركت مصر بوفد كبير في مؤتمر غروزني الذي انعقد قبل شهرين في العاصمة الشيشانية، تحت عنوان تعريف “اهل السنة”، ولم تدع اليه السعودية، واخرج البيان الختامي للمؤتمر الحركة الوهابية من “اهل السنة”، ووصفها بالتطرف والارهاب.
الملك سلمان بن عبد العزيز لم يكن مرتاحا لسياسة سلفه الراحل الملك عبدالله بن عبد العزيز في الانفتاح على مصر، ودعم الحكم فيها في مواجهة حركة الاخوان المسلمين الذي جرى ابعاد رئيسها محمد مرسي من الحكم بإنقلاب عسكري قاده المشير السيسي، الذي كان وزيرا للدفاع في حينها، واتجه الى تركيا كبديل عن مصر كحليف اقليمي استراتيجي، ولكنه تراجع عن هذه الخطوة سريعا وبعد اشهر معدودة (الملك سلمان تولى الحكم في يناير عام 2015)، وعاد الى التحالف مع القاهرة مجددا بعد رد الاخيرة بدعم غير مباشر للتحالف “الحوثي الصالحي” في اليمن، والدخول في وصلة “غزل” مع ايران وسورية، وتطوير العلاقات مع موسكو.
السؤال الآن عن الصورة التي ستكون عليها العلاقات بين البلدين في الاسابيع والاشهر المقبلة؟
من المؤكد ان الرئيس السيسي سيمضي قدما في سياساته “المناكفة” للسعودية، فهو بصدد منح الروس قاعدة بحرية في منطقة سيدي براني شمال غرب مصر، وهناك تلميحات بقرب اعادة فتح السفارة المصرية في طهران، وتقديم دعم سياسي، وربما عسكري للتحالف “الحوثي الصالحي” في اليمن، وارسال وزير الخارجية المصري سامح شكري في زيارة رسمية الى دمشق، او استقبال نظيره السوري وليد المعلم في القاهرة، واعادة التأكيد على ان جزيرتي تيران وصنافير مصريتين، واصدار قرار عن المحكمة المصرية العليا، او من البرلمان يؤكد ذلك.
في المقابل يمكن ان تقدم السعودية على خطوات انتقامية مثل تعبئة الدول الخليجية (باستثناء سلطنة عمان) وتحريضها على تجميد اي مساعدات مالية للحكومة المصرية، واغلاق ابواب العمل في وجه المصريين، وتقديم دعم سياسي ومالي واعلامي لحركة “الاخوان المسلمين” في مصر وليبيا وسورية واليمن، وتطوير العلاقات مع اثيوبيا التي تعمل حاليا على بناء سد النهضة لتحويل مياه النيل، وتقليص حصة مصر.
العلاقات بين الحكومات العربية، ومصر والسعودية خصوصا، تتسم بـ “الموسمية” و”المزاجية” و”الحرد”، و”التبعية”، ولا تقوم على اسس استراتيجية، فاما انت معي في كل شيء او ضدي، وممنوع عليك ان “تطرح السلام” على خصومي او حتى تبتسم لهم، فهذا خط احمر ممنوع عليك اجتيازه، الولاء المطلق او العداء المطلق.
السعودية نجحت في تعبئة دول الخليج الاخرى خلف سياساتها الغاضبة تجاه مصر، وكان لافتا ان العلاقة الخاصة جدا بين الاخيرة ودولة الامارات العربية باتت تتسم بـ “الفتور” في الايام الأخيرة، بالمقارنة لما كان عليه حالها قبل عامين، والشيء نفسه يقال ايضا عن العلاقات الكويتية المصرية، فالزيارات لمسؤولي هذه الدول الى القاهرة تراجعت وتقلصت، ومعها الدعم المالي، وبدأت بعض الاوساط الخليجية خاصة في الامارات تتحدث عن ضرورة الاصلاح الاقتصادي الموسع في مصر، وتنتقد سياساتها الاقتصادية، وتحذر من انهيار وشيك في هذا الميدان.
من يتابع الاعلامين المصري والسعودي، وحسابات نشطاء البلدين على وسائط التواصل الاجتماعي يلمس دون عناء ان عاصفة اعلامية تتجمع قواها هذه الايام، وتبادل القصف الاعلامي الثقيل بات وشيكا.
افتتاحية “رأي اليوم”:المناكفات وتبادل اللكمات بين السعودية ومصر تتسارع
التصنيفات: أخبار وتقارير,خارج الحدود