الوحدة نيوز/ متابعات:
شن وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف هجوماً نادراً ما تقوله طهران بهذا الوضوح عبر واحدة من أشهر الصحف الأميركية، داعياً الغرب إلى التعاون والتعاضد للقضاء على “الوهابية” و”تهديدها السمّي” المدمر، على حد قوله.
ورغم أن الرياض تشدد دائماً على رفضها للتدخل الإيراني في شؤون الدول العربية ولم تدع إلى إلغاء إيران أو معتقداتها الدينية صراحة، فإن مقالة ظريف التي وجهها إلى الغرب عبر “نيويورك تايمز”، تدعو في خطوة أشبه ما تكون بحرب علنية مفتوحة على الرياض بالاتهامات التي ساق ضدها.
وكثيراً ما تتبادل السعودية وإيران الاتهامات، إلا أن طهران تدعو العالم هذه المرة علانية للتخلص من السعوديين وتحميلهم مسؤولية الصراعات الناشبة في المنطقة رغم تدخلها المكشوف في سوريا والعراق واليمن.
وفيما يلي النص الكامل لمقال (ظريف) كما نشرته نيويورك تايمز:
تزدهر اليوم شركات العلاقات العامة التي لا تتورع عن التكسب من عائدات النفط الملوثة. كانت أحدث مشروعاتها هي إقناعنا بأن جبهة النصرة، التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا، لم يعد لها وجود. وكما صرّح متحدث باسم النصرة لـCNN، فإن المجموعة التي غيرت اسمها، ويفترض أنها انفصلت عن المنظمة الإرهابية الأم، أصبحت الآن “معتدلة”.
هذا التعصب النابع من العصور الوسطى يروج له على أنه رؤية مشرقة للقرن الحادي والعشرين. ومشكلة الزبائن الأثرياء – سعوديون في الأغلب – المتعاقدين مع شركات العلاقات العامة، والذين موّلوا جبهة النصرة بسخاء، هي أن دلائل سياساتهم المدمرة لا تمحى بسهولة. إذا ما ساورك أدنى شك، فبإمكانك مشاهدة الفيديو الأخير الذي يظهر فيه بعض “المعتدلين” يجزّون رأسَ صبي يبلغ من العمر 12 عاماً.
منذ الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر/أيلول 2001، خضع المتشددون الوهابيون لسلسلة من عمليات التجميل، ولكن تبقى الأيديولوجيا كما هي في جوهرها، سواء كان ذلك في طالبان، أو النسخ المختلفة من تنظيم القاعدة أو ما يسمى “الدولة الإسلامية”، والتي لا هي إسلامية ولا هي دولة. ورغم إعلان النصرة فك ارتباطها بالقاعدة، فإن الملايين ممن شهدوا طغيانها لم يقتنعوا بهذه الادّعاءات. تشير الخبرات السابقة لمثل هذه المحاولات إلى الهدف الحقيقي: تسهيل التدفق السري لعائدات النفط إلى الجماعات المتطرفة في سوريا، ليصبح الأمر علنياً، وإغراء الحكومات الغربية بدعم هؤلاء “المعتدلين”. لكن حقيقة أن النصرة لا تزال تهيمن على تحالف الثوار في حلب تهدم رسالة شركات العلاقات العامة.
تستند جهود السعودية لإقناع الغرب بدعم تكتيكاتها قصيرة النظر على فرضية كاذبة تفيد بأن إغراق العالم العربي في المزيد من الفوضى سيضر بمصالح إيران. إن الأوهام القائمة على أن القلاقل في المنطقة قد تساعد في “تحجيم” إيران، وأن الخلاف السنيّ-الشيعيّ هو ما يغذي الصراعات في العالم العربيّ، تتناقض مع حقيقة أن أسوأ أعمال العنف في المنطقة مصدرها قتال الوهابيين لإخوانهم العرب السنّة.
وبينما يستهدف هؤلاء المتطرفون، بدعمٍ من رُعاتهم الأثرياء، المسيحيين واليهود واليزديين والشيعة و”الزنادقة” الآخرين، فإنّ إخوانهم من السُنّة العرب هم أكثر المجموعات التي طالتها عواقب عقيدة الكراهية التي زرعتها الوهابية في النفوس. ومن المؤكد أنه لن يكون للصراع القديم المفترض بين السنة والشيعة أثر عميق في المنطقة وما وراءها، بقدر ما سيكون لهذا التنافس الناشئ بين تيّار الوهابية وغالبية جموع المسلمين.
فبينما تسبب الغزو الأميركي للعراق عام 2003 في بدء القتال الذي نراه اليوم، فإن المحرك الرئيسي للعنف الحالي هو تلك الأيديولوجية المتطرفة التي روّجت لها السعودية، حتى إن لم يظهر ذلك للعالم الغربي إلى أن وقعت مأساة 11 سبتمبر.
لقد أصاب الأمراء في العاصمة السعودية – الرياض – اليأس من إعادة إحياء الوضع الإقليمي في عهد حكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، عندما تمكن الحاكم المستبد القمعي من ابتزاز الأموال والعتاد من أصدقائه العرب والغرب الساذج بهدف مواجهة ما سُمي التهديد الإيراني. فثمة إشكالية واحدة تواجههم، وهي أن صدام حسين قد رحل منذ أمدٍ عن عالمنا، ولا يمكن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.
كلما أسرَعَ حكامُ المملكة العربية السعودية في التصالح مع تلك الحقيقة، كانت الأمور أفضل للجميع. إذ يمكن للواقع الإقليمي الجديد أن يستوعب الجميع بما في ذلك الرياض، إذا ما رغب السعوديون في تعديل مسارهم.
فماذا يمكن أن يعني هذا “التغيير”؟ على مدى العقود الثلاثة الماضية، أنفقت الرياض عشرات المليارات من الدولارات لتصدير الوهابية عبر آلاف المساجد والمدارس الدينية في جميع أنحاء العالم. من آسيا إلى إفريقيا، ومن أوروبا إلى الأميركتين، وهو ما تسبب في الكثير من الفوضى والخراب. وقد قال أحد المتطرفين السابقين بكوسوفو في تصريح لـ”نيويورك تايمز”: “لقد غيَّر السعوديون الإسلام هنا تماماً بأموالهم”.
ورغم أن الوهابية قد اجتذبت نسبة ضئيلة من المسلمين، فإن تأثيرها كان مدمراً. في الواقع، استُلهمت كل الجماعات الإرهابية التي تسيء إلى الإسلام – بدءاً من القاعدة وأذرعها في سوريا حتى جماعة بوكو حرام في نيجيريا – من تلك الطائفة الدينية التي تنشر الموت.
وحتى اللحظة الحالية نجح السعوديون في إقناع حلفائهم باتباع حماقاتهم، سواء في سوريا أو اليمن، من خلال اللعب بـ”بطاقة إيران”. من المؤكد أن ذلك الأمر سيتغير مع تنامي الوعي بأن دعم الرياض المتواصل للتطرف يقوّض مزاعمها بأنها تعمل من أجل الاستقرار.
لا يمكن أن يبقى العالم متفرّجاً والوهابيون يستهدفون لا المسيحيين واليهود والشيعة فحسب، وإنما السنة كذلك. فمع الاضطراب الذي تشهده أجزاء كبيرة من الشرق الأوسط، ثمة خطر جسيم من أن المناطق القليلة المستقرة المتبقية ستتأثر جراء الصراع الدائر بين الوهابية وبقية جموع المسلمين السنة.
يستدعي هذا الحاجة إلى التنسيق من قِبَل الأمم المتحدة للعمل على قطع التمويل عن أيديولوجيات الكراهية والتطرف، وكذلك أن يكون لدى المجتمع الدولي العزم على إجراء التحقيقات الضرورية للكشف عن القنوات التي توفر الدعم المادي والسلاح.
في عام 2013، اقترح الرئيس الإيراني حسن روحاني مبادرة سُميت “عالم ضد العنف والتطرف”. وينبغي على الأمم المتحدة أن تبني على هذه الخطة من أجل تعزيز حالة من الحوار بين الأديان والطوائف الدينية لمواجهة ذلك التعصب الخطير القادم من العصور الوسطى.
ينبغي كذلك أن تكون الهجمات في نيس وباريس وبروكسل قد أقنعت الغرب بأنه لا يمكننا تجاهل التهديد السُميّ للوهابية. وبعد عام لم تخلُ الأخبار الأسبوعية فيه من مأساة، يحتاج المجتمع الدولي إلى فعل شيء أكثر من مجرد التعبير عن أسفه وغضبه ومواساته، إنه بحاجة إلى اتخاذ تدابير ملموسة ضد التطرف.
ورغم أن الكثير من العنف المُرتكَب باسم الإسلام يمكن أن يُعزَى إلى الوهابية، فإنني لا يمكنني بحالٍ من الأحوال القولَ إن السعودية لا يمكن أن تكون جزءاً من الحل. على العكس تماماً، إننا ندعو الحكام السعوديين لكي يُنحّوا جانباً خطاب اللوم والمخاوف، ويضعوا أيديهم في أيدي بقية الشعوب للقضاء على بلوى الإرهاب والعنف التي تهددنا جميعاً.
*عن صحيفة New York Times الأميركية