هاجر هشام
تستعد إيرينا بوكوفا، مدير عام منظمة اليونسكو الحالية، أن تُغادر مكانها في المنظمة المسؤولة عن حفظ الإرث الثقافي الإنساني، وذلك في 2017، لتُرشحها بلادها، لمنصب رئيس منظمة الأمم المتحدة، وذلك بعد انتهاء فترة الأمين العام الحالي «بان كي مون».
ومع انتشار أخبار ترك بوكوفا لمنصبها، بدأ العرب يسمّون مرشحيهم الرسمين لمنصب اليونسكو، والذين منهم من بدأ بالفعل في جولات غير رسمية لإقناع الدول أعضاء المكتب التنفيذي، بدعم ترشحه للمنصب.
ورغم تواتر أنباء عن تحديد وزراء الخارجية العرب، لمرشح تدعمه الكتلة العربية للوصول إلى المنصب، كما نقلت صحيفة الشروق المصرية عن مصادر، إلا أن ملامح الخلاف واضحة، ليس فقط على مستوى تسمية ثلاث دول عربية لمرشحيها، ولكن أيضًا على خلفية اتخاذ بعض التكتلات العربية قرارها، كمجلس التعاون الخليجي الذي دعم مرشح دولة قطر، قبل أي تشاور عربي حول الموضوع.
محاولات الوصول
بدأت محاولات العرب لشغل هذا المنصب الأممي منذ عام 1999، عندما ترشّح للمنصب مدير مكتبة الإسكندرية، إسماعيل سراج الدين، والأديب والدبلوماسي السعودي غازي القصيبي، ليخسرا أمام الياباني كوشيرو ماتسورا، ومن ذلك الوقت، والعرب يحاولون الوصول إلى المنصب الأممي الرفيع، دون اتفاق، ودون نتيجة.
المحاولة الثانية كانت بعدها بعشر سنوات، أي في عام 2009، حين ترشح للمنصب وزير الثقافة المصري الأسبق فاروق حسني، والقانوني والدبلوماسي الجزائري محمد بجاوي.
هذه الدورة حملت تغيّرًا في ما اعتاد عليه العرب، من عدم اتفاق على مرشح واحد، حينما أعلن بجاوي انسحابه من التنافس على المنصب، بحسب ما نشرته صحيفة الشرق الأوسط، وهو ما عزز حظوظ الوزير المصري الذي فاز بالفعل في الجولة الأولى، وكان مستعدًا للتنافس في الجولة الثانية ضد مرشحة بلغاريا أيرينا بوكوفا.
لكن تصريحًا له في البرلمان المصري، في 2008، عن حرق كتب اليهود، كان ورقة استخدمتها ضده الدبلوماسية الإسرائيلية، لانتقاده، هي وشخصيات وكتّاب، وتقليل فرص ترشحه، ورغم اعتذار حسني عن تصريحاته، فقد أطيح به في الجولة الثانية ضد بوكوفا، ليخسر المقعد بفارق أربعة أصوات فقط.
بعدها استطاعت بوكوفا، المديرة الحالية للمنظمة، الفوز بجولة ثانية أمام مرشحين عربيين هما رشاد فارح من جيبوتي، وجوزيف ميلا من لبنان.
لذا تعد هذه هي المحاولة الرابعة للعرب حصد مقعد رئيس اليونسكو، في الوقت الذي تستعد فيها مدير المنظمة الحالية للترشح على منصب الأمين العام للأمم المتحدة، بعد قرب انتهاء فترة بان كي مون، وذلك بحسب ما نشرت صحيفة البيان.
واستغلت ثلاث دول هي: مصر، ولبنان، وقطر، الوضع لتسمية مرشحيهم للمنصب. وفي الوقت الذي يبحث مرشحا قطر ومصر عن الدعم من الدول الأعضاء، وذات الحق في التصويت في المكتب التنفيذي لليونسكو، ما زال مرشح لبنان يعاني من التخبط.
مصر ترشح مشيرة خطّاب
أعلنت مصر في مؤتمر صحافي يوم الثلاثاء، التاسع عشر من يوليو، ترشيح السفيرة مشيرة خطّاب لمنصب مدير عام منظمة اليونسكو، بحسب فرنسا 24 .
ومشيرة خطّاب هي وزير للأسرة والسكّان السابقة في حكومة الدكتور أحمد نظيف قبل قيام ثورة يناير، وثاني وزيرة امرأة تتولى وزارة الخارجية المصرية، تخرجت في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة عام 1967، ونالت الماجستير من جامعة نورث كارولينا بالولايات المتحدة في العلاقات الدولية، ثم نالت درجة الدكتوراه من جامعة القاهرة في القانون الدولي الإنساني.
عملت خطاب سفيرة مصر لدى جمهورية التشيك وسلوفاك وجنوب أفريقيا، وتولت الأمانة العامة للمجلس القومي للطفولة والأمومة، ولجنة برامج الطفل بمجلس اتحاد الإذاعة والتليفزيون.
ودوليًّا تولت خطّاب منصب خبير ونائب لجنة حقوق الطفل، إحدى لجان الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بجينيف، وعضو في مجلس الإدارة الدولي لمجموعة المرأة في الدبلوماسية التي أسستها وزيرة الخارجية الإيطالية، كما شغلت منصب نائب رئيس مؤسسة أفلاطون الدولية للتعليم المالي والاجتماعي للأطفال بأمستردام، وعضو مجلس إدارة، ونائب رئيس المنظمة الدولية لخطوط نجدة الأطفال في أمستردام.
هذا وتلقت خطّاب دعمًا أفريقيًّا، كان واضحًا من خلال حصول مصر على موافقة أفريقيا خلال القمة الأفريقية بالعاصمة رواندوا، بحسب ما نشره موقع صدى البلد.
وفي حديثها على قناة «سي بي سي» المصرية الخاصة، في برنامج «هنا العاصمة»، قالت مشيرة خطّاب، إن تعدد المرشحين العرب يقلل فرص الوصول إلى المنصب الرفيع، معربة عن أملها في التوافق على مرشح عربي واحد، في نفس الوقت الذي شددت فيه على أن مصر مصرة على الفوز بالمقعد.
وتقوم مصر بتحركات لتأمين فرص فوز مرشحتها، السفيرة مشيرة خطّاب، مثل ما قام به رئيس لجنة الشئون العربية بمجلس النواب المصري مع وفد من الشابات الفلسطينيات اللاتي كنّ في زيارة للبرلمان المصري، بالتنسيق مع وزارة الشباب الفلسطينية، وذلك بحسب صحيفة العربي الجديد.
قطر تدفع بالكواري
ودفعت قطر بوزير ثقافتها السابق وسفيرها السابق في واشنطن، الدكتور حمد الكواري إلى سباق الترشح على مقعد مدير عام المنظمة، وفقًا لما نشرته صحيفة الحياة السعودية.
الكواري هو دبلوماسي قطري، حصل على بكالوريوس الدراسات العربية والإسلامية من جامعة القاهرة، كلية العلوم، ثم حصل على الماجستير من جامعة سان جوزيف ببيروت، ثم درس الفلسفة السياسية في جامعة السوربون الفرنسية، وحصل على الدكتوراه من جامعة ستوني بروك في نيويورك، الولايات المتحدة في العلوم السياسية.
بدأ الكواري عمله كقائم بأعمال السفير القطري في لبنان في بداية السبعينات، ومن ثم عُيّن سفيرًا لعدّة دول: سوريا، وفرنسا، والولايات المتحدة، ومندوب قطر للأمم المتحدة من عام 1984 وحتى عام 1990.
وفي عام 1992، عُين وزيرًا للإعلام والثقافة في قطر حتى تم إلغاء وزارة الإعلام 1997، وخلالها قام بدفع عدد من التغيرات في قوانين الإعلام، خاصةً تلك التي هدفت إلى تقليل الرقابة على الصحف، كما شارك في تأسيس مركز الدوحة في حرية الإعلام، وعُيّن وزيرًا للثقافة منذ عام 2008.
هذا بالإضافة إلى تقلّده عددًا من المناصب الدولية، مثل نائب رئيس لجنة مناهضة التمييز العنصري في الأمم المتحدة، كما مثّل قطر في حركة دول عدم الانحياز.
ووصفته صحيفة الشرق الأوسط السعودية بأنه فرصة العرب النادرة للـ«يونيسكو»، معللة وصفها بالإجماع الخليجي حوله، والخبرات الدولية التي اكتسبها خلال عمله دبلوماسيًّا وممثلًا لدولة قطر في عديد من المحافل الدولية.
يأتي هذا في الوقت الذي تعد قطر من الدول سخية العطاء للمنظمة، وعضوًا في مكتبها التنفيذي، والتي ساعدت في عدم إيقاف أنشطتها بعد مقاطعة الولايات المتحدة للمنظمة بعد قبولها فلسطين عضوًا فيها.
سلامة.. مرشح بلا دولة
وبرز اسم أحمد الصياد، سفير اليمن في المنظمة كمرشح للمنصب، بينما يشتعل الصراع في لبنان حول مرشحها، إذ أعلن الدكتور غسّان سلامة، وزير الثقافة اللبناني الأسبق، عزمه الترشح دون تزكية الحكومة اللبنانية، في نفس الوقت الذي سمّت الحكومة اللبنانية مرشحتها «فيرا خوري»؛ ليدور جدل بين النخب السياسية اللبنانية حول الأمر.
ونشرت الحياة اللندنية نص بيان بمبادرة من الملحق الأدبي لجريدة «لوريون لوجور» اللبنانية يؤيد سلامة للترشخ للمنصب الرفيع، موقعًا من كتّاب ومثقفين لبنانيين، وشارك في الجملة الروائي أمين معلوف عبر حوار صحفي أجرته معه مديرة الملحق اللبناني الداعم لغسّان، ونشرته الحياة اللندنية.
وهاجم قسم الحكومة اللبنانية لعدم اختيارها سلامة، خاصةً أنه الأوفر حظًّا من خوري، بينما هاجم قسم آخر سلامة، مستغلين عمله كمستشار سياسي للأمم المتحدة في العراق عقب الغزو الأمريكي للبلاد؛ لاتهامه بالعمالة لأمريكا وإسرائيل، كما تذكر صحيفة الوطن العمانية.
وغسّان سلامة سياسي لبناني، وأستاذ للعلوم السياسية في جامعة السوربون، تولى منصب وزير الثقافة في حكومة الراحل رفيق الحريري، وكان من ضمن وفد الأمم المتحدة المبعوث للعراق بعد الاحتلال الأمريكي لها عام 2003، وكاد أن يلقى مصرعه في حادث تفجير مبنى الأمم المتحدة في بغداد.
إمكانية التوافق
في المرات الثلاث الماضية، لم يحدث أن توحد العرب حول مرشح واحد لترشيحه لمنصب مدير المنظمة التي يحاولون وصول قمتها منذ ما يقارب العقدين من الزمان، ويبدو أن هذه المرة لن تختلف أيضًا.
هذا مع وجود سبعة أعضاء عرب في المكتب التنفيذي لليونسكو، من أصل 58 دولة عضوًا، منها قطر، الدولة التي لها مرشح عربي على المنصب، فهي تعتبر فرصة جيدة لمرشح عربي متفق عليه لحصد الأصوات المطلوبة للحصول على مقعد مدير المنظمة.
في الثاني والعشرين من أغسطس الماضي نشر اتحاد الكتاب العرب بيانًا، على لسان أمينه حبيب الصايغ، يطالب فيه العرب التوافق على مرشّح واحد، يستدرك البيان مطالبته بالتوحّد بعد نكرانه لأهمية التعدد، شرط ألا يكون دليل تصارع بين الأشقّاء العرب.
نشرت جريدة الأهرام المسائي على لسان أحمد عجاج، باحث مصري، أن فرص العرب في الفوز بالمنصب تتضاءل في حالة عدم توافقهم على مرشح واحد، كما حدث في المرات السابقة، في الوقت الذي أكد فيه أحقية العرب بالمنصب، كونهم المجموعة الإقليمية الوحيدة التي لم تنل فرصة جلوس مرشحها عليه.
على صفحات جريدة اليوم السابع، كتب أحمد الشريف في مقال رأي، أن العرب لم يتعلموا من الدروس السابقة في ترشجهم لمنصب اليونسكو، مما يجعله يتنبأ بخسارة المرشحين العرب للانتخابات على المنصب.
يستشهد الشريف بما حدث في الجولات الانتخابية السابقة على مقعد اليونسكو، والتي تنتهي بخسارة المرشحين العرب بسبب غياب التنسيق بين أصوات المجموعة العربية، ومن ثم المجموعة الأفريقية.
لكن أيمن شبانة، أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وفي تصريح لـ«ساسة بوست»، يرى أن المعادلة قد تتغير لصالح خطّاب، بعد دعمها رسميًّا من قبل دول الاتحاد الأفريقي بالكامل، مُضيفًا: «مصر بحصولها على دعم الاتحاد الأفريقي لمرشحتها خطّاب قد ضمنت 13 صوتًا في الانتخابات على المنصب».
وقال شبانة، إن التوافق العربي مهم على مرشح واحد لخوض الانتخابات، وبهذا تأتي أهمية التنسيق بين الدول العربية لضمان وصول عربي إلى رئاسة المجلس، مفضلًا خطّاب الحصول على دعم التكتّل الأفريقي في المكتب التنفيذي لليونسكو: «تحتاج إلى عدد أصوات أقل الآن لتضمن فوزها بالمقعد، ووجود الأصوات العربية مهم لدعمها».
المصدر: “ساسة بوست “