عبدالله القاضي – علي السريحي
رغم ما تعانيه الجمهورية اليمنية من ظروف اقتصادية صعبة وشحة في الموارد فضلاٍ عن الأوضاع السياسية والأمنية المضطربة بالإضافة إلى ما تكبدته البلاد من خسائر فادحة في البنية الأساسية وتدهور الخدمات وزيادة الفقر والبطالة جراء الأزمة السياسية فإن اليمن ما تزال تستقبل أعداداٍ كبيرة من المهاجرين غير الشرعيين من القرن الإفريقي وخاصة من الصومال حيث تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن عدد اللاجئين الصوماليين الذين يصلون إلى اليمن يتراوح ما بين 120 إلى 200 لاجئ يومياٍ الأمر الذي يلقي بظلاله على الأوضاع في اليمن ويضيف أعباءٍ جديدة على الحكومة اليمنية التي لا تستطيع مواجهتها بإمكانياتها الحالية دون مساعدة ودعم المنظمات الدولية والجهات المعنية ذات الصلة في المجتمع الدولي فضلا عما تسببه تلك الهجرة من تدهور في الأوضاع الأمنية والاجتماعية في اليمن وقد أعلنت الحكومة اليمنية أن عدد اللاجئين الصوماليين في اليمن منذ اندلاع الحرب الأهلية في الصومال وصل إلى نحو مليوني لاجىء تصل تكلفة اللاجئ الواحد منهم قرابة 500 ألف ريال أي ما يعادل 2300 دولار أميركي سنوياٍ حيث أن وجود مليوني لاجىء يكلف الاقتصاد حوالي 4 . 6 مليار دولار سنوياٍ مقابل ما تقدمه الحكومة اليمنية للاجئين من خدمات في السكن والتنقل والتعليم والصحة والمياه.. إلخ.
الاضطرابات والنزاعات تجعل تدفقهم مستمراٍ
< يرى خبراء أن تزايد ظاهرة تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى اليمن يعود إلى طول السواحل اليمنية ولاسيما السواحل المقابلة للسواحل الصومالية على خليج عدن والبحر العربي وتعتبر بلادنا من أكثر الدول في إقليم شبه الجزيرة العربية التي تستقبل أعداد النازحين من القرن الافريقي عن طريق التهريب إلى السواحل اليمنية ولاسيما سواحل محافظات أبين وشبوة وحضرموت بالإضافة إلى ساحل مديرية ذباب وباب المندب في محافظة تعز وما أن يصل هؤلاء النازحون إلى اليمن ونظرا لعدم قدرة السلطات اليمنية على ضبطهم وإيوائهم في المعسكرات التابعة للمفوضية السامية للاجئين فإنهم ينتشرون بطريقة عشوائية في المدن الرئيسية والبلدات والأرياف وينخرطون في أوساط المجتمع ويمتهن بعضهم الأعمال إلى جانب إخوانهم اليمنيين والبعض الآخر تكون وجهتهم إلى الدول المجاورة والدول الخليجية على وجه التحديد.
وبحسب الخبراء فإن بقاء الاضطرابات والنزاعات الداخلية في القرن الافريقي وعدم تدخل المجتمع الدولي لمساعدة الشعب الصومالي ووضع حلول للحرب الأهلية وأعمال العنف فيها من شأنه استمرار تدفق اللاجئين من القرن الافريقي إلى السواحل اليمنية لاسيما وأن هذه السواحل هي الأقرب للسواحل الصومالية بالإضافة إلى عدم قدرة السلطات اليمنية السيطرة على طول السواحل التي تصل إلى 2500 كم.. ورغم ما تتحمله الحكومة اليمنية من أعباء تجاه الهجرة غير المنظمة والمتعاظمة باستمرار فإنها لن تتخلى عن واجبها الأخلاقي والأخوي تجاه الوافدين الصوماليين رغم اتباعها سياسة جديدة في الفترة الأخيرة تفضي إلى دراسة كل حالة على حدة ومنح حق اللجوء لمن يستحق والتعامل مع من لا تنطبق عليه صفة اللاجىء كمهاجر غير شرعي مع الأخذ بالاعتبار عدم الإخلال بالتزاماتها الدولية والأخلاقية وحقوق الأخوة والجوار..
وإذ تفتح اليمن أبوابها لاستقبال النازحين من القرن الافريقي وما تتحمله من أعباء والتزامات أخلاقية وإنسانية رغم الظروف الاقتصادية الصعبة فإن المجتمع الدولي ظل متفرجاٍ ومتردداٍ في تقديم المساعدات اللازمة لمواجهة تدفق اللاجئين الذين يفرون من بلدانهم هرباٍ من جحيم الحرب الأهلية للبحث عن ملاذ أمن أو فرصة عمل في اليمن والتي تعتبر من أكثر الدول التي تستقبل النازحين الصوماليين في المنطقة.. الأمر الذي يترتب عليه مضاعفات كثيرة وآثار سلبية يتحملها اليمن جراء وجود هذه الأعداد الهائلة ليس على الصعيد الاقتصادي والخدماتي فحسب بل إن الأمر يتعدى ذلك إلى خطورة تهديد الأمن الوطني والانخراط في أعمال خارجة عن القانون وأعمال إرهابية و المشاركة في الصراعات الدائرة في اليمن وأبين وصعدة على سبيل المثال عدا عن المشاركة في تهريب المخدرات وتشكيل عصابات مسلحة والإخلال بالأمن والاستقرار..>اليمن يستقبل 400 لاجئ من القرن الإفريقي يومياٍ
نائب وزير الخارجية الدكتور علي مثنى حسن أكد أن اليمن يستضيف أعداداٍ كبيرة من اللاجئين النازحين من القرن الافريقي وخاصة من الصومال التي تشهد نزاعات مسلحة وحروباٍ أهلية منذ عقدين بالإضافة إلى استقبال آلاف المهاجرين القادمين من اثيوبيا وارتيريا عبر الشواطى اليمنية لأسباب اقتصادية وهرباٍ من الجفاف حيث يقدر وصول 400 لاجىء ومهاجر يومياٍ من القرن الافريقي إلى اليمن وقد بلغ عدد الواصلين خلال الثلاث السنوات الماضية فقط أكثر من 750 ألف لاجىء وهو ما زاد من هذه الأعباء الملقاة على كاهل البلاد التي تعاني من أوضاع اقتصادية وأمنية صعبة ولاسيما بعد الأزمة السياسية التي شهدتها العام الماضي..
وأكد الدكتور علي مثنى حسن التزام اليمن بالمواثيق والمعاهدات الدولية الخاصة بوضع اللاجئين وحمايتهم وحرص الحكومة اليمنية على تقديم كل وسائل الحماية اللازمة والخدمات والتسهيلات الممكنة بالتنسيق مع المفوضية العليا للاجئين من خلال فتح مكاتب الاستـقبال ومخيمات الإيواء..
وطالب نائب وزير الخارجية في كلمة بلادنا في المؤتمر الوزاري حول اللاجئين في العالم الإسلامي الذي عقد منتصف الشهر الجاري في العاصمة التركمانستانية عشق أباد المجتمع الدولي والمنظمات الدولية ذات الصلة بالتعاون مع المفوضية السامية للاجئين وتوفير مزيد من الموارد لدعم ومساعدة الدول التي تستضيف أعداداٍ كبيرة من اللاجئين ومنها بلادنا بما يتفق مع مبدأ التضامن والتعاون الدوليين والمشاركة في تحمل الأعباء..>التواجد البير للاجئين يمثل تحدياٍ حقيقياٍ لليمن واقتصاده الوطني
> من جهته قال الدكتور أحمد شجاع الدين أستاذ الجغرافيا السياسية بجامعة صنعاء أن الهجرة غير الشرعية من القرن الافريقي إلى اليمن بسبب الحرب الأهلية الدائرة في الصومال منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي مثلت تحدياٍ كبيراٍ لليمن نظراٍ لما تتحمله من أعباء اقتصادية وضغط على الخدمات وتضييق في فرص العمل خاصة وأن اللاجئين لا يلتزمون بالمكوث في المخيمات ومعسكرات الإيواء المخصصة لهم من قبل المفوضية السامية للاجئين ناهيك عن أن معظمهم غير مقيدين لدى المفوضية وينتشرون بشكل عشوائي في مختلف المدن والقرى والبلدات اليمنية للبحث عن عمل وممارسة مختلف الأعمال المشروعة وغير المشروعة..
مضيفاٍ أن تواجد اللاجئين في أوساط المجتمع يتسبب في نقل كثير من السلوكيات الوافدة غير السوية أخلاقياٍ وأمنياٍ عدا عن الشجار والنزاعات التي يتسبب بها هؤلاء سواء في ما بينهم أو مع الآخرين من المواطنين اليمنيين والمقيمين من العرب والأجانب وانخراط بعضهم في أعمال مخلة بالأمن كالالتحاق في أعمال إرهابية أو عصابات مسلحة..
وأشار الدكتور شجاع الدين إلى أن بعض الصوماليين والمهاجرين من القرن الافريقي تعرضوا في الفترة الأخيرة لأعمال نصب وابتزاز من قبل عصابات تقوم بالنصب عليهم من خلال الاتفاق معهم على تسفيرهم إلى دول الجوار وخاصة السعودية مقابل مبالغ مالية ثم يقومون بحبسهم واحتجازهم لمدة طويلة للضغط على أهاليهم لافتدائهم بمبالغ كبيرة مقابل الإفراج عنهم كما أفصحت عن ذلك السلطات ونشرته الصحافة مؤخراٍ.
وطالب الدكتور شجاع الدين المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته عبر المنظمات المعنية لمساعدة اليمن في مواجهة احتياجات اللاجئين و تقديم الخدمات والمساعدات وفرص العمل التي توفر الحياة الكريمة لهم والعمل على إعادة الأمن والسلام إلى الصومال الشقيق.>د. عبدالقوي: الظاهرة عززت انتشار السلوكيات المنحرفة والجريمة
< من جهته تحدث الدكتور سيف حسن عبدالقوي أستاذ علم الاجتماع المعاصر والانثروبولوجيا بجامعة عدن في هذا الشأن قائلاٍ: في وقت الصراع والمشاكل والاقتتال تبرز ظاهرة اجتماعية هي عبارة عن تأثير ديموغرافي على المناطق التي يقصدها النازحون يؤثر على كل مصادر الحياة حيث يفقد النازحون فرص العمل التي كانت متوفرة لهم ولن يجدوها في أماكن النزوح وهذا يكون سبباٍ لحدوث مشكلات اجتماعية واقتصادية كثيرة وفي النزوح وفي كافة النواحي كما حدث في أبين وصعدة وتأثر المناطق التي تم النزوح إليها كعدن وحجة.
أما بالنسبة لنزوح الصوماليين إلى اليمن فهذه مشكلة أكبر وذات أبعاد اجتماعية وديموغرافية واقتصادية بالإضافة إلى ارتفاع نسبة البطالة كما تبرز مشكلات اجتماعية أخرى تدخل في إطار الأخلاق وانتشار الجريمة كالسرقة وغيرها إضافة إلى أن النازحين لا يكون عندهم آمال في الرجعة وهذا هو الحادث فنجد أن النزوح إلى الدول الأخرى كالسعودية وعمان قليل جدا ويتركز النزوح إلى اليمن لأن اليمن ملتزمة بالقانون الدولي لحماية اللاجئين من الحروب وللأسف هؤلاء اللاجئون يتسببون في مشاكل اجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية وبالذات في عدن ولحج.
فمن جملة الاشكاليات الموجودة في اليمن الحروب الداخلية والصراعات والأزمة السياسية التي شهدتها العام الماضي بالإضافة إلى أن اليمن يعاني من اتساع رقعة الفقر التي وصلت إلى 40٪ يعيشون تحت خط الفقر كما أن اليمن يعيش مشاكل اقتصادية ناجمة عن الصراع السياسي إضافة إلى الكثافة السكانية وارتفاع البطالة وارتفاع أسعار المواد الغذائية هذه كلها تشكل بطبيعتها إشكالية تجعل استقبال اللاجئين يشكل عبئاٍ كبيراٍ عليها.
مضيفاٍ أن استمرار تدفق اللاجئين سيؤدي إلى انتشار السلوكيات المنحرفة مثل الدعارة والسرقة والسطو كما يمكن أن يتم استخدامهم من قبل أي جهة في ظل الانفلات الأمني الموجود فيمكن أن يرتكبوا جرائم قتل خصوصاٍ وأنهم عاشوا الحرب ومارسوا الحروب وقد ألفوا على الدم واليمن كغيرها من الدول الفقيرة بحاجة إلى البناء أكثر من الصراع والمشاكل صحيح أن اليمن ملتزمة بحماية اللاجئين ولكن هذا لا يكفي فاليمن بحاجة إلى مساعدات كثيرة من دول الخليج والمجتمع الأوروبي للخروج من أزماتها وهذا يتطلب مساندة من الجهات ذات العلاقة.
فيما يرى الدكتور سيف الحكيمي أستاذ الاقتصاد الدولي بجامعة الحديدة أن تدفق اللاجئين إلى اليمن له تأثير على الاقتصاد اليمني وتناقص الموارد إضافة إلى نقص المواد الغذائية وقلة فرص العمل من خلال قيامهم بممارسة الأعمال التي يمارسها اليمنيون كالأعمال البسيطة مثل قيادة الباصات أو عمال نظافة أو البيع والشراء .
إضافة إلى أن اليمن يعاني من ارتفاع عدد السكان بشكل كبير فلو ضربنا مثلاٍ لأسرة مكونة من خمسة أشخاص كيف سيكون حالها الاقتصادي عندما يكون عددها أثنا عشر شخصاٍ أو أكثر فاليمن عجز عن الانفاق على 25 مليوناٍ وفيه يعيش 7 ملايين تحت خط الفقر فكيف بإضافة مليوني لاجئ فإن هذا يتطلب إنفاقاٍ أكثر وهذا بدوره سيؤثر على اقتصاد البلاد فما تنفقه الدولة على هؤلاء اللاجئين يمكن أن ينفق على المواطنين خصوصاٍ في ظل الظروف التي تمر بها البلاد.
وقال:من أين لليمن أن يصرف على مليوني لاجئ لا نعرف مستواهم التعليمي والكفاءة والتأهيل للعمل حتى يتم الاستفادة منهم فهم لا يتقنون أعمالاٍ لا يتقنها اليمنيون خصوصاٍ أن اليمن بلد نام وفقير ويعاني من الأزمات والصراعات.
وكان يمكن لليمن الذي يعاني من زيادة نسبة البطالة والفقر أن يكون في غنى عن استقبال اللاجئين الصومالين لكننا نقدر أن هؤلاء اللاجئين من بلد جار وشقيق والواجب الإنساني يحتم علينا ذلك ولو أنه كان من المفترض أن تستقبلهم دول الخليج والتي هي قادرة على التكفل بهم فالدعم الخارجي لهم لا يكفي خصوصاٍ في ظل الهجرة غير الشرعية كما أنهم قد يشكلون عبئاٍ على الجانب الصحي فضلاٍ عن أنهم وصلوا إلى البلاد وهم في حالة صحية غير جيدة ويحملون كثيراٍ من الأمراض المنقولة معهم في وقت تعاني فيه البلاد من نقص في الخدمات الصحية وبالتالي فهي غير قادرة على درء المخاطر والأمراض التي يعاني منها اللاجئون..كما أن الجانب الأمني قد تأثر بسبب الدخول غير الشرعي للاجئين إلى اليمن من خلال انتشار الكثير من المشاكل وزيادة وقوع الجريمة والعمل في مجال المخدرات وتهريب الأسلحة إضافة إلى أن بعضهم ينضمون إلى ما يسمى بأنصار الشريعة من خلال توافد الكثير منهم إلى المحافظات الجنوبية خصوصاٍ في أبين.>العمالة الوافدة عبء اقتصادي
< الدكتور زين محسن اليزيدي أستاذ الاقتصاد الدولي بجامعة عدن تحدث بدوره قائلاٍ: من المعلوم أن الهجرة من القرن الافريقي إلى اليمن تتركز في المحافظات الجنوبية والتي هي تعاني أصلاٍ من كثرة المشاكل علاوة على أنها تأتي في المراتب الأولى من ناحية قلة التوظيف وارتفاع نسبة البطالة لذلك فإن الهجرة غير الشرعية وتزايد عدد اللاجئين يكون له تأثير قوي لأسباب كثيرة من أهمها أن هذه العمالة تعد عمالة غير ماهرة وهي أصلاٍ لا تضيف شيئاٍ إلى الاقتصاد بقدر ما تضيف عبئاٍ كبيراٍ.
ووضع العمالة اليمنية سيء أصلاٍ ومستوى دخل الفرد متدناٍ جداٍ وهذا يضيف عبئاٍ جديداٍ على الاقتصاد وليس في مصلحة العملة اليمنية فالحاصل الآن هو تنافس عمالة خارجية مع العمالة الداخلية التي هي تعاني من الظلم وقلة الدخل وقلة فرص العمل بسبب تراجع معدل النمو الاقتصادي إضافة إلى ذلك الأزمة الاقتصادية التي يعانيها اليمن..كما أنها لا تتلاءم مع البيئة الاجتماعية من ناحية إمكانية نقلها للأمراض..