صناع الأزمات
عبدالفتاح علي البنوس
> ديننا الإسلامي دين المحبة والتسامح والوفاق والسلام دين الأخوة والتآلف والوئام ختم الله به الأديان فكان الدين القيم الشامل الذي يكفل لمن يعتنقه ويسير بمقتضى أحكامه وتعاليمه وقيمه السمحة الفوز والسعادة في الدنيا والآخرة ومن القيم السمحة التي حث عليها ديننا الإسلامي الحنيف هي الحث على إصلاح ذات البين وجمع الشمل وتوحيد الصف والابتعاد عن الفرقة والشتات ومما لا شك فيه أن تطبيق هذه القيم وتجسيدها على أرض الواقع هي مهمة منوطة بكل فرد مسلم ولكنها مهمة أساسية منوطة بالدعاة والعلماء والخطباء والوعاظ ممن أنعم الله عليهم بنعمة التفقه في الدين فهؤلاء لهم مكانة رفيعة في المجتمع وينظر إليهم باحترام وتقدير باعتبارهم مصدرا من مصادر تبصير الناس بأمور دينهم دنياهم وإذا ما تطرقنا هنا إلى فضيلة إصلاح ذات البين وما لها من أهمية في حياة الناس والمجتمعات الإسلامية فإننا نذهب أولاٍ إلى ما تضمنته الشريعة الإسلامية من أوامر وتوجيهات إلاهية تحث على أعمال هذه الفضيلة من أجل أن تسود المحبة والألفة في أوساط المجتمعات وتختفي الصراعات والفتن والأزمات التي تظهر من حين لآخر ومن ذلك قوله تعالى» وأصلحوا ذات بينكم« وقوله تعالى» إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم« وقوله تعالى:ـ »والله يحب المصلحين« فهذه الآيات القرآنية تبين قيمة هذه الفضيلة الإسلامية السامية وما يجب على المسلمين اتخاذه في حال نشوء خلافات أو تباينات لتفادي الوقوع في مشاكل لا تحمد عقباها لاحقاٍ وهاهو الرسول عليه الصلاة والسلام يخبرنا بعظمة هذه الفضيلة حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم »ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة قالوا بلى يا رسول الله قال إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين« وقوله عليه الصلاة والسلام »أفضل الصدقة إصلاح ذات البين« وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: »ألا أدلك على صدقة يحبها الله ورسوله تصلح بين الناس إذا تباغضوا« وقوله عليه الصلاة والسلام »من أصلح بين الناس أصلح الله أمره وأعطاه بكل كلمة تكلم بها عتق رقبة ورجع مغفوراٍ له ما تقدم من ذنبه« إذاٍ فإصلاح ذات البين يعود على صاحبه بالأجر والجزاء الوافر ولا أعتقد أن من الحكمة أن نحرم أنفسنا من هذا الجزاء العظيم وننساق خلف الأهواء والملذات وننشغل باللهث وراء المصالح والمكاسب الشخصية.
والمتأمل اليوم لواقع الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد يلحظ أن العقلاء والحكماء والعلماء يتحملون الوزر الأكبر جراء تفاقم الأزمة ووصولها إلى هذه المرحلة الحرجة فللأسف الشديد تخلى العلماء عن أداء الأمانة الموكلة إليهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإصلاح ذات البين وذهب البعض منهم إلى الانحراف عن الدور والرسالة المنوطة به وأصبحوا هم من يعملون على تغذية هذه الازمة وإشعال المزيد من الفتن انطلاقاٍ من مصالح وأهداف سياسية وحزبية ومادية فمنهم من وظف المنبر لصب الزيت على النار والتحريض على الفوضى والعنف وإزهاق الأرواح وإراقة الدماء ومنهم من أعطى نفسه الحق في تصنيف الناس وتحديد المسيء والمحسن والصالح والطالح وفق أهوائهم الشخصية وانتماءاتهم السياسية والحزبية وما إلى ذلك من تصدُ بالرفض القاطع للمبادرات والدعوات الهادفة إلى تقريب وجهات النظر والعودة بأطراف الأزمة الخانقة حيث وقف هؤلاء ضد إصلاح ذات البين بين أبناء الوطن الواحد وجعلوا من أنفسهم دعاة للفتنة ومروجين للحرب الأهلية من باب المماحكات السياسية والحزبية ولا أعلم كيف سيقابل هؤلاء العلماء المولى عز وجل يوم العرض عليه وهم اليوم يشاهدون من يقطع الطريق ويحتكر أقوات المواطنين ويعطل مصالحهم ويثير الرعب والقلق في أوساطهم من أجل مطالب ومقاصد غير مشروعة.
لقد رفع هؤلاء شعار إسقاط النظام ورحيل الرئيس وقالوا بأنهم سيعملون على تحقيق ذلك بالطرق السلمية وإذا بهم ينحرفون عن هذا المسار السلمي ويسلكون طرق العنف والتصعيد الدموي والممارسات غير المشروعة والمخالفة للنظام والقانون والدستور وللأسف الشديد صمت وما يزال علماء الفتنة ولم يحركوا ساكناٍ إزاء هذه الأعمال وأعلن الكثير منهم تأييدها ومباركتها ولم يتورعوا في دعوة المواطنين إلى تنفيذ ما يسمى بالعصيان المدني وتعطيل الحياة العامة وكل ذلك من أجل الوصول إلى السلطة لقد ركب هؤلاء موجة التغيير التي شهدتها بعض الأقطار العربية وأرادوا تحت غطاء إعلامي داخلي وخارجي أن يقلدوا ما حصل في تونس ومصر فبدأوا بالاعتصامات والمسيرات والمظاهرات وتطور الأمر إلى الاعتداء على الممتلكات وقطع الطرقات وتعطيل المدارس والجامعات وإلحاق الضرر بالاقتصاد الوطني كل ذلك تحت مباركة وتأييد علماء ودعاة الفتنة في الداخل والخارج ولا أعلم لماذا لا يحكم هؤلاء العلماء ضمائرهم ويعودن إلى رشدهم ويدركون جيداٍ أن الحكم بيد الله يمنحه لمن يريد وينزعه ممن يريد وليس للبشرية جمعاء أي تدخل في ذلك فالله سبحانه هو صاحب المشيئة والإرادة ومتى أراد أن يزيح حاكما أو سلطانا من على كرسيه أو عرشه فإن إرادته ستمضي وإذا ما كانت قدرته ومشيئته مع بقاء حاكم أو سلطان فإنه سيبقى حتى ولو اعتصم من على هذه المعمورة للمطالبة برحيله قال تعالى »قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير« إذا الحكم بيد الله ولو اعتصم كل اليمنيين رجالاٍ ونساءٍ وأطفالاٍ للمطالبة بإسقاط النظام ورحيل الرئيس عن السلطة فإن ذلك لن يتحقق إذا ما كانت مشيئة الله تقتضي خلاف ذلك ومن يتشدد ويتزمت ويتصلب في مواقفه المطالبة بإسقاط النظام ورحيل الرئيس عن السلطة بالقوة والمشاريع الإنقلابية فإنه قد انحرف عن المسار الصحيح وركب غواه وسار خلف هواه وباع دينه بدنياه فلماذا يغالط هؤلاء أنفسهم ويتلبسون بعباءة الدين وهم لا يعملون بمقتضى تعاليمه السمحة وقيمه ومبادئه الفاضلة فمشيئة الله هي الحاكمة في قضية بقاء الرئيس في السلطة أو خروجه منها كما أسلفنا ومع ذلك فإن هناك رغبة صادقة للرئيس بعدم البقاء في السلطة وتجسيداٍ لذلك قدم التنازلات تلو التنازلات وعبر عن استعداده لترك السلطة قبل انتهاء فترته الدستورية في 2013م من أجل المصلحة العامة للوطن ولقطع الطريق أمام دعاة الفتنة وصناع الأزمات الذين يهدفون إلى تخريب وتدمير كل المكاسب والمنجزات التي تحققت للوطن خلال الفترة الماضية وأمام ذلك كان الأحرى بهؤلاء العلماء والدعاة والخطباء أن يكونوا دعاة خير وإصلاح ويعملوا على تهدئة الأوضاع وحث السلطة والمعارضة على وضع حد للخصام والقطيعة والعدائية والقبول بالمبادرة الخليجية الهادفة إلى إنهاء الأزمة السياسية وخصوصاٍ أن المبادرة كانت توافقية ومرضية لكل الأطراف بحسب ما تقدم به كل طرف لاجتماع وزراء دول مجلس التعاون الخليجي فلا نريد أن تزداد الاوضاع تدهوراٍ من أجل الصراع على السلطة ولنع جميعاٍ أن الرئيس صاحب تاريخ نقف احتراماٍ وتقديراٍ وله إنجاراته وبصماته الواضحة التي لا نيكرها إلا حاقد أو جاحد ولديه أيضاٍ أخطاء وهفوات وهذا شيء طبيعي فالكمال لله وحده ومن حقه علينا أن نجله نحترمه ونأخذ بيده لمساعدته على انتقال السلطة بالطرق السلمية بعيداٍ عن الألفاظ النابية والشعارات غير الأخلاقية وفي كل الأحوال هو بشر وهو سيترك السلطة اليوم أو الغد والأقدار ماضية عليه ولا داعي لأن نقود البلاد إلى الاضطرابات والفوضى الفتنة تداعياتها وانعكاساتها مدمرة وكارثية ولن ينجو منها أحد فدعونا نعود إلى الرشد ونتباحث حول مختلف القضايا ونعمل على معالجتهابحكمة وإيمان .
وعلى المعارضة وحلفائها أن تدرك أن للرئيس أنصارا ومؤيدين يمثلون الأغلبية ومن غير المعقول أن يتم إقصاء هؤلاء وتغييب أصواتهم وثقلهم السياسي ولا يمكن الاستهانة بهم والقفز على مطالبهم وحقوقهم المشروعة كما لا يمكن في الوقت ذاته إغفال الأصوات المعارضة فالاحترام المتبادل مطلوب من أجل اليمن أولاٍ وأخيراٍ..<
والله الهادي لسواء السبيل
صناع الأزمات
التصنيفات: منوعــات