(2)وبشر المؤمنين
علي بن عبدالله الضمبري❊
> رأينا – في العدد الماضي – كيف بشر البشير النذير »المقيمي الصلاة« بدخول الجنة والنجاة من النار وبالنور التام لأن هذه الصلاة تحقق قدراٍ عظيماٍ من استشعار جدلية الزمن والإحساس بأهمية الطهارة والنقاء والوضاء والصفاء نفسياٍ وجسدياٍ والوعي بجماعية المشاركة وحيوية التنظيم وأخلاقية الهدف كونها تنهى عن الفحشاء والمنكر »العنكبوت »45«
وأما الصيام فإنه يعمل على تكوين وتشكيل القيم والمثل ذات الأساس العبادي والهدف الاجتماعي إضافة إلى تحقيق وتعزيز غايات سامية تنمو بتوازن منسجم وتسمو بتناسب متناغم حتى تغدو شموراٍ حركياٍ حياٍ يتحول إلى سلوك أخلاقي ثابت وأسلوب تعاملي تكاملي مع الآخري يبدأ بالامتناع الجماعي عن الطعام والشراب والشهوة لتكون هذه الماديات والمباحات جسراٍ للعبور إلى مثاليات رائعة تعلم المسلم والمسلمة أن يمتنعا عن الكذب والغيبة والنميمة وقول الزور وصخب الأسواق وضجة الأصواب مع الإحساس بجوع الجائعين لتعميق الرغبة الوجدانية في الإسهام بالتخفيف عنهم بالزكاة والمعونات وبهذه الأحاسيس المتداخلة والمشتركة يتوافق الوازع الديني والواجب العبادي مع الدافع الروحي والنفسي لتربية الشعور الجماعي وتزكية الغاية الأخلاقية وتعميق وتحقيق التوجه الاجتماعي..
بشارات الصائمين
من أهم البشارات التي بشر بها المعلم الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم الصائمين والصائمات ما يلي:
1- فرحة في الدنيا والآخرة: »للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بصومه وإذا لقي الله فرح بصومه« رواه البخاري 8814 ومسلم برقم 1151
2- المباعدة عن نار جهنم »ما من صائم يصوم يوما في سبيل الله إلا باعد الله بذلك وجهه عن النار سبعين خريفا.. رواه البخاري 3516 ومسلم برقم 53 »وعند الترمذي برقم 1624 »من صام يوماٍ في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خندقا كما بين السماء والأرض«.
3- مغفرة الذنوب السابقة لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: » من صام مضان إيماناٍ واحتساباٍ غْفر الله ما تقدم من ذنبه« رواه البخاري برقم 1951 ومسلم — و»من قام رمضان إيماناٍ واحتساباٍ غْفر له ما تقدم من ذنبه « رواه البخاري برقم 2008 ومسلم 759 ومن لم يستطع قيام رمضان كله فله هذه البشرى ومن قام ليلة القدر إيماناٍ واحتساباٍ غْفر له ما تقدم من ذنبه.. صحيح البخار 1951 ومسلم 766
4- دخول الجنة فقد قال أبو أمامة رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: » يا رسول الله دلني على عمل أدخل به الجنة فقال له النبي: عليك بالصوم ومن المعروف أن في الجنة باباٍ يقال له »الريان« لا يدخل منه إلا الصائمون.. ومثلما بشرنا البشير النذير صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله فقد أنذرنا وحذرنا من كل »صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش« لأنه لم يدرك الأبعاد التربوية والأخلاقية والمعاني العبادية والعقائدية والمبادئ الإيمانية للصوم.. لم يدرك أن الصوم هو العمل على تغيير النفس وتنوير القلب وتطهير الروح وتعمير الإرادة وتحرير الضمير وتطوير الذوق والسلوك وحضارية التعامل مع الآخر.. أنه منظومة متكاملة ومتفاعلة تهدف إلى التغيير الداخلي في سراديب الشعور ودهاليز الوجدان من أجل إقامة جسر التواصل مع الله بالطاعة والحب والالتزام ومع الناس على أساس التواد والتراحم والتلاحم والتعاطف والتناصر والتناصح والحب الذي لن يكتمل إلا إذا أحبينا لغيرنا ما أحببناه لأنفسنا..
بشارات للحجاج والمعتمرين
للإمام أبي حامد الغزالي »ت 505 هـ« رحمه الله رؤى وتحليلات عميقة في تفسير بعض معاني المفاهيم العبادية يعمل من خلالها على استجلاء واستكناه بعض أسرار الحج يقدم أفكاراٍ لطيفة طريفة تربط بين الآية القرآنية والغاية الإحسانية.. ويرى الغزالي أن »أول الحج الفهم« ومن خلال فهمه العميق يقول إنه يجب »أن يعلم الحاج أنه يعزمه على الحج قاصدا إلى مفارقة الأهل والوطن.. متوجهاٍ إلى زيارة بيت الله عز وجل وليعظم في نفسه قدر البيت وقدر رب البيت ولكي يتذكر أن سفر الآخرة أطول من هذا السفر وأن زاده الحقيقي هو التقوى«
ومن معاني ومدلولات الإحرام والتلبية »إجابة نداء الله يوم القيامة بنفخ الصور والحشر من القبور والازدحام في عرصات القيامة وانقسام الناس إلى مقربين وممقوتين ومقبولين ومردودين وإذا ما رأى الحاج أو المعتمر اليت فليتخيل أنه مشاهد لرب اليت وألا يغفل عن تذكر أمور الآخرة في مشاهد الحج والعمرة.. وإذا ما زار المدينة المنورة فعليه أن يستحضر في ذهنه ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته وأصحابه من الحب والألفة ووحدة الكلمة والود والتراحم إذ كانوا أشداء على الكفار رحماء بينهم.
وحينما يستجلي المسلم والمسلمة بعض هذه المعاني والأسرار والأنوار تتحقق له بإذن الله تلك البشائر المحمدية الرائعة ومنها:
1- الطهارة التامة من الذنوب والآثام لبشارته صلى الله عليه وآله وسلم: »من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدنه أمه صحيح البخاري برقم 1521 ومسلم 1350
2- المجازاة بالجنة لقوله »الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة« رواه البخاري 1773 ومسلم 1349 والترمذي 933
3- العمرة في رمضان كالحج بصحبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد بشر قائلاٍ »عمرة في رمضان تعدل حجة معي« رواه البخاري 1782 ومسلم 125
4- تكفير الخطايا لما صح في البشارة النبوية »العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما« صحيح البخاري 1773 ومسلم 1349
وبالطبع فإن »الحج المبرور« لا بد له من أمور:
أولها: الإخلاص لله وابتغاء رضوانه وأداء حجة الإسلام لمن استطاع ثانيها: الإخلاص لله وابتغاء رضوانه وأداء حجة الإسلام لمن استطاع.
ولا يكون من ربا ولا غش أو سرقة ولا احتكار ولا اختلاس ولا تزوير ولا ظلم.
ثالثها: أن يتجنب الرفث والفسوق والجدال والمزاحمة والأذى وأن يعود وقد غير سلوكه وأخلاقه إلى الأفضل.
رابعها: أن يدرك الأبعاد العبادية والسلوكية والتربوية لهذه العبادة العظيمة »ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب« الحج »32«
وهكذا ندرك أن الله فرض العبادات لمقاصد جمة وأهداف عظيمة »ليبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراٍ حسنا ماكثين فيه أبدا« الكهف »2«..<
(2)وبشر المؤمنين
❊ مدرس بكلية التربية – جامعة عدن
التصنيفات: نور على نور