باريس: سوزان ديلي❊
لدى كلود أنجلي دفتره الأسود الصغير على الطاولة. فقط دفتر أسود صغير مجلد وصفحاته صفراء ولا يوجد هاتف »بلاك بيري« أو »آي فون« أو جهاز كومبيوتر. أنجلي الذي يبلغ من العمر 79 عاما هو رئيس التحرير التنفيذي لصحيفة »لوكانار أنشينيه« الساخرة الأسبوعية التي يكتب بها مقالاته الهجائية. للصحيفة موقع إلكتروني لكنه لا يحتوي سوى على صور لصفحات قديمة ونصيحة للمتصفح بشراء النسخة الورقية من الصحيفة يوم الأربعاء من أقرب كشك لبيع الصحف من خلال القول إن الصحيفة »تعني حبرا وورقا«. لا تفكر حتى في الضحك. وليس هذا أمرا غريبا حيث لا يستخدم أنجلي وأكثر من نصف فريق العمل بالصحيفة الذي يتكون من 16 صحافيا جهاز الكومبيوتر في الكتابة لكنهم مع ذلك من أنجح الصحافيين في الدولة وأكثرهم مهارة.
خلال فترة بعد الظهيرة في أحد الأيام سحب أنجلي بطاقة صغيرة من دفتره الأسود الذي يعد قائمة بالإنجازات التي تحققت خلال العام الحالي. كان من ضمن الأسماء اسم مسؤول اتهم بتهريب سيجار بقيمة 16800 دولار إلى الدولة وكذب بشأن مساحة منزله حتى يتهرب من قوانين الدولة الخاصة بتقسيم الأراضي.
وكانت هناك بالطبع ميشيل إليوت ماري وزيرة الخارجية السابقة التي أقيلت بعد أن كشفت الصحف قضاءها إجازات في تونس والسفر مع مساعدين للديكتاتور السابق زين العابدين بن علي وتزويده بالغاز المسيل للدموع حتى خلال الاحتجاجات المنادية بالديمقراطية. ويقول أنجلي الذي يعمل مثله مثل الجميع في الصحيفة في مساحة مفتوحة ويستخدم غرفة اجتماعات صغيرة جدا لعقد المقابلات: »لقد كان عاما مثيرا للاهتمام. فقد اضطر مسؤولان لتقديم استقالتيهما ولم يتم إعادة تعيين اثنين آخرين«.
نادرا ما يرتدي أنجلي الرفيع ذو القامة الطويلة أي ملابس سوى الجينز والقميص. ويبدو أصغر من عمره الحقيقي وما زال متحمسا لفضح طمع وغباء المسؤولين الحكوميين. ويوضح قائلا: »ما نقوم به هو كشف كل الأشياء المخفية«.
ويعمل أنجلي في صحيفة »لوكانار أنشينيه« منذ أربعين عاما وقام بكتابة مواضيع صحافية مهمة وتأليف ستة كتب. إنه ليس الشخص الذي يخطئ في التوصل إلى المعادلة الناجحة. ولم يتغير شكل الصحيفة حيث ما زالت تتكون من ثماني صفحات وتمتلئ برسوم الكاريكاتير وهو الشكل الذي كانت عليه منذ أن تولى رئاسة تحريرها منذ عشرين عاما. ويقول: »إذا نشرنا المواضيع الصحافية على شبكة الإنترنت فمن سيشتري حينها الصحيفة يوم الأربعاء¿ نحن نؤمن بالصحافة الورقية«.
إن صحيفة »لوموند« كبرى الصحف الفرنسية اليومية تنهار حيث يتراجع معدل توزيعها. وكذلك الحال بالنسبة لصحيفة »ليبراسيون« ذات التوجه اليساري. وصحيفة »لوفيغارو« الناطقة باسم اليمين ليست أفضل حالا. لكن يبدو أن صحيفة »لوكانار أنشينيه« التي تجمع بين التحقيقات الصحافية ومقالات الرأي والأعمدة الخيالية التي يكتبها سياسيون والتي لا تنشر أي إعلانات تفتقر إلى التوجه السياسي. فقد ازداد معدل توزيعها بنسبة 32 في المائة منذ أن تولى ساركوزي الرئاسة عام 2008 وأطلقت عليه الصحيفة اسم »ساركوليو«. ما سبب زيادة عدد القراء¿ لا أعلم.
لكنه يعتقد أن رأي المسؤولين الحكوميين في ساركوزي سلبي حتى إن هناك الكثير من التسريبات. وتعد كارلا بروني زوجة ساركوزي المغنية وعارضة الأزياء السابقة هدفا سهلا للسخرية والتهكم. وتقدم الصحيفة مذكرات أسبوعية خيالية تحت عنوان »يوميات كارلا بروني« تشير فيها إلى ساركوزي باسم يشبه اسم عزيزي الصغير. وأثناء واقعة بقعة الزيت في خليج المكسيك كانت قلقة من أن تفسد هذه الواقعة عليها عطلتها فتقول: »لقد علقت عطلتي التي سأقضيها في السباحة مع زوجي العزيز أمام أعين المصورين الذين يطاردون المشاهير في بقعة زيت مثلما حدث للبجع. أوباما أرجوك افعل شيئا«.
لم يكن أنجلي ينتوي في بدايته أن يصبح صحافيا فقد ولد خارج باريس وكان يعمل والده مدربا في صالة ألعاب رياضية. وقضى فترة العشرينات من عمره في لعب الكرة الطائرة ثم انضم للحزب الشيوعي وكان من معاصريه برنار كوشنير الذي أسس في ما بعد مؤسسة »أطباء بلا حدود«. لكن سرعان ما تحرر أنجلي من الوهم وعمل في »لو نوفيل أوبسرفاتور« التي كان يعمل بها جان بول سارتر وآخرون. وقال أنجلي: »لقد تعلمت من خلال تحرير الآخرين لعملي فقد كنت أكتب وهم يعيدون كتابة ما أكتبه. إنها طريقة جيدة للتعلم«. وبدا على أنجلي الإحراج عندما وصل مصور فوتوغرافي لالتقاط صورة له. وعندما طلب المصور منه الجلوس على مقعد تحت جدار معلق عليه رسوم كاريكاتيرية رفض وقال: »سأبدو بذلك متكلفا ومتصنعا«. لكنه يضحك عندما يحكي بعض المواضيع الصحافية المفضلة لديه. فهو يتحمس دائما لرواية الحادثة التي وقعت في مكتب بالطابق العلوي الذي حاول فيه عملاء سريون من جهاز الاستخبارات الفرنسي الذين كانوا متنكرين في زي عمال زرع أجهزة تنصت داخل الحائط عام 1973 بعد فترة قصيرة من تحقيق أنجلي لسبق صحافي كبير. فقد نشر الإقرار الضريبي الخاص بجاك شابان ديلماس رئيس الوزراء آنذاك الذي أوضح عدم دفعه أي ضرائب تقريبا. وأمسك أحد الصحافيين بالعملاء المتنكرين في زي العمال. لقد كانت بمثابة فضيحة »ووترغيت« للصحيفة وعرفت في فرنسا باسم »قضية السباكين«. وما زالت الثغرة في الحائط تذكارا للشاهد الذي فوقها.
لم يكن ذلك سوى واحد من أهم المواضيع التي حقق بها أنجلي سبقا صحافيا..
❊ خدمة »نيويورك تايمز«