جمال الظاهري
حين سمعت خطابات القذافي في الأيام الماضية لم استغرب أو تأخذني الدهشة من مثل هذه الخطابات من صفات وألقاب وتمجيد يضفيها على نفسه – أنا الوطن أنا القائد أنا الزعيم – أنا التاريخ أنا المجد… إلخ.. هذه الألقاب والصفات لطالما سمعناها في كل مناسبة يطل بها علينا رؤساء وملوك العرب في مناسبات كثيرة وتصبح بها صحفنا القومية والرسمية والحزبية والمستقلة لتشكل في النهاية ثقافة لمجتمع بأكمله.
الفرق بين ما وصف به القذافي نفسه وبين الآخرين هو أن هذه الألقاب نسمعها من حاشية ومتزلفي الرؤساء الآخرين أما القذافي فهو يطلقها على نفسه جهاراٍ نهاراٍ وفي العلن وعبر القنوات الفضائية ربما لأن الظرف الذي يعيشه هو ما أطلقها من حنجرته وربما لأنه في هذه اللحظة افتقد إلى سماعها ممن يحيطون به وأراد أن يذكر من امتدحوه بها ولسان حاله يقول لمن ضلله ألستم من أوصلتموني إلى ما أنا عليه¿ فلا تلوموني على ما أقترفته بحقكم ولا تنتظروا مني تنازلاٍ أو مراعاة لمطالبكم اليوم وما دامت بندقيتي بيدي سأقاتلكم ولن أرعى فيكم إلاِ ولا ذمة حتى آخر قطرة من دمي وما تلاقونه اليوم هو زرعكم تحصدونه فلوموا أنفسكم الفاسدة وتجرعوا مرارة نفاقكم وزيفكم وغشكم وسكوتكم كل هذه السنين فلا يحق لكم اليوم أن تنتزعوا مني ما غرستموه وداومتم على نمائه في داخلي على مدى 42 عاماٍ حتى صار جزءاٍ مني وجزءاٍ من شخصيتي فدونكم وما تريدون اليوم الويل والثبور وعظائم الأمور وأنهار وبحور ونيران ودماء تغرق الصالح قبل الطالح.
هذه هي العاقبة والنهاية المنطقية لمثل هكذا سلوك وهنا يتبادر إلى ذهني قول المصلح الأميركي مارتن لوثر كنق »ليس سبب الظلم قوة الظالم وإنما سكوت الصالحين«.
هكذا تكون النتيجة حين تزيف الحقائق وتحجب الحقائق عن ولي الأمر ويحل بدلاٍ عنها الزيف والتمجيد المضلل للحكام عبر ابتداع الألقاب والصفات الفخرية والرسمية التي تتزاحم مفرداتها وتتكاثر بتكاثر النفعيين الذين يحيطون بأي حاكم ولأن الصالحين افتقدوا للشجاعة لم يتكلموا من قبل. ولأنهم للأسف تناسوا كل هذه الأمور ليس هو المذنب الوحيد فهم شركاء في تحمل كل الأخطاء التي اقترفت والعواقب التي يواجهونها اليوم.
عندها وبفعل الزمن الذي يقضيه الحاكم في سدة الحكم يصدق الحاكم بأنه ليس له مثيل ولا يدانيه شبيه في القوم ويظن بنفسه الظنون حد الوصول إلى الاعتقاد بما ليس له بعد أن أقنعته شلة المنتفعين بأن ما يقوله هو الحكمة ذاتها وأن توجيهاته إنما هي دساتير لا يعلو عليها قول فيلسوف أو مصلح أو خبير وأن أفعاله أيا كانت إنما هي غيث يجود به على الآخرين وأن ممارسته لمهامه تمثل رباط المجاهدين في الثغور وأن منطقة إلهام انفرد به دون العالمين وإن حدث وانكشف في أمر ما أو أخطأ في تقدير عواقبه فإن مرد ذلك ليس هو وإنما قصور الآخرين وجهلهم في فهم ما أراد أن يكون عليه العمل لأن الكمال سمة تلازمه والعياذ بالله والصواب ما تنطقه شفتاه وما دون ذلك جهل وضلال ومن يقول غير ذلك فما عليه إلا أن يستغفر الله ويتوب ويعتذر وإلا فالسجن مكانه ودون ذلك الهروب ومغادرة البلاد لأنه خائن أو عميل أو مشعوذ أو.. أو.. إلخ الصفات التي تجود بها مفردات اللغة..