خاص بـ»الوحدة« من القاهرة
تحقيق: رفعت حسن
شهدت انتخابات مجلس الشعب العام 2010 منافسة حامية الوطيس سواء بين مرشحي الحزب الوطني الحاكم أو جماعة الإخوان المسلمين الغريم التقليدي للوطني وأحزاب المعارضة التي لم يعلن سوى أربعة أحزاب المسماة بـ”الأربعة الكبار” بالمنافسة بقوة في هذه الانتخابات.
وقبل نحو شهرين من بدء الانتخابات كانت الحملات الدعائية للمرشحين قد بدأت خاصة في المناطق الراقية بالقاهرة حينما أقدمت عناصر مرشحي دائرة الدقي والعجوزة على توزيع المبالغ النقدية والسلع الاستهلاكية على المرشحين ما يكشف عن أن الانتخابات في مصر باتت مصدر رزق لمحدودي الدخل فكما يقولون في مصر “في موسم الانتخابات السماء تمطر ذهباٍ” والمقصود أن الأموال تتهافت على المواطنين أملاٍ في كسب أصواتهم في الانتخابات.
والانتخابات المصرية كعادتها ليست مصدر رزق لمحدودي الدخل فحسب بل إنها أصبحت مصدر رزق لأصحاب المهن الحرة مثل أصحاب المطابع وتجار الأقمشة والخطاطين والشعراء وسائقي السيارات أو من يسمونهم بلغة الانتخابات “الهتيفة” لكن المؤسف أنه منذ قرابة ثلاث دورات انتخابية مضت وبالتحديد في دورة 2000 أصبحت الانتخابات مصدر رزق كبير جداٍ لمن يسمون بـ “البلطجية” اللذين يستعين بهم المرشحون بمختلف انتماءاتهم لفضح منافسيهم وكشف عوراتهم وإفشال أي مؤتمرات انتخابية ينظمها المنافسون لدرجة أن أجر البلطجي تراوح ما بين 500 إلى 1000 جنيه في اليوم.
وفي انتخابات العام 2010 ظهر نوع جديد من البلطجة وهي “البلطجة النسائية” خاصة بعد إقرار نظام “الكوتا” في البرلمان الذي قضى بتخصيص 64 مقعداٍ للمرأة في مجلس الشعب.
وفي موسم الانتخابات تتنوع الدعاية ففي السابق كانت الدعاية بلافتات الأقمشة ثم إعلانات النيون وأخيراٍ بتوزيع أسطوانات مدمجة على المرشحين تبين “مآثر” المرشح وسيرته الذاتية وتعد لافتات القماش من أقدم أنواع الدعاية وأكثرها انتشاراٍ حيث يتراوح سعرها ما بين 80 إلى 120 جنيهاٍ ويصل حجمها إلى 3 أمتار حيث تثبت بين أعمدة الإنارة أو 30 – 40 متراٍ حيث توضع على واجهات العمارات وكله حسب الطلب.
ويؤكد باعة الأقمشة أن موسم الانتخابات يعد واحداٍ من أكثر المواسم التي تنتعش فيها تجارة الأقمشة يقول محمد رزق تاجر أقمشة ” كل تجار الأقمشة ينتظرون موسم الانتخابات بفارغ الصبر فحركة البيع والشراء في الأيام العادية تكاد تكون معدومة حيث أن الطلب على شراء الملابس الجاهزة أصبح هو السائد الآن” مشيراٍ إلى أن أقل مرشح يشتري 200 متر قماش بسعر 10 جنيهات للمتر الواحد.
ويقول ” أبو سامح ” خطاط : إن أسعار اللافتات تختلف من خطاط لآخر وكل حسب شهرته وحسب المرشح الذي يتعامل معه فهناك من المرشحين من يدفعون ببذخ والمسألة عندهم لا تمثل شيئاٍ وهناك من المرشحين من يحسبونها بالجنيه كم لافتة يكتبها وكم تكلفتها” مشيراٍ إلى أن الأمر لا يتوقف فقط على اللافتات التي يطلبها المرشح بنفسه بل هناك من يجامل ويقوم بالإعلان عن المرشحين مشيراٍ إلى أن سعر اللافتة يتحدد حسب طولها ودرجة الألوان المستخدمة فيها.
الهتيف
وهناك صنف آخر من المنتفعين في موسم الانتخابات وهم من نطلق عليهم “الهتيفة” ويصل أجر كل واحد منهم ما بين 30 و 100 جنيه في اليوم كل حسب جهده وصوته العالي وعدد ساعات العمل وقدرته على إفساد جهود المرشح المنافس.
إن أوجه الإنفاق على دعايات مرشحي الانتخابات لم تقف عند حد الإنفاق على اللافتات وتوزيع النقود على الناس بل جاوزت ذلك بكثير فقد صارت السمة البارزة بين المرشحين حالياٍ هي ذبح العجول وتوزيع لحومها على أهل الدائرة أو بيعها بأسعار مخفضة لكسب مزيد من الأصوات وكذلك توفير السلع التموينية للمواطنين وتوزيع الشنط على أهل الدائرة خاصة “شنط رمضان” أخيراٍ.
الطماطم.. دعاية قوية
وقد كان لأزمة “الطماطم” دور كبير في الدعاية للمرشحين في الفترة الأخيرة حيث أقدم أحد المرشحين في محافظة الغربية بدلتا مصر على شراء الطماطم من أسواق الجملة وبيعها على أهل دائرته بـ 5 جنيهات علماٍ بأن سعرها في ذلك الوقت – قبل انخفاض السعر أخيراٍ – 12 جنيهاٍ بل هناك من المرشحين من يتقربون زلفى لصانعي القرار السياسي بل تمادى البعض إلى إعلان أنه المرشح على مبادىء الحزب الوطني الحاكم في الوقت الذي لم يكن الحزب قد أعلن بعد قوائم مرشحيه في الانتخابات.
وقد شهدت إحدى الدوائر بمحافظة الدقهلية قيام مرشح في الحزب الوطني “عمال” بدائرة السنبلاوين يدعى محسن صادق ببيع الطماطم واللحوم بأسعار مخفضة لأبناء دائرته وأعلن في منشور وزعه على أبناء الدائرة عن انطلاق حملة “لا للغلاء” وقام بدفع سيارتين محملتين بالطماطم واللحوم إلى أحد الميادين للبيع مباشرة للجمهور بسعر 5 جنيهات لكيلو الطماطم أي بنصف ثمنها فى السوق وقت ارتفاع الأسعار و45 جنيهاٍ لكيلو اللحم وتزاحم العشرات من المواطنين حول السيارتين ونشبت بينهم مشاجرات على أولوية الشراء.
وقد لجأ عدد من المرشحين إلى اللعب على وتر الدين في الفترة الأخيرة ففي محافظة الشرقية أعلن أحد المرشحين في إحدى دوائر مركز بلبيس عن نفسه بأنه “خادم القرآن الكريم” بل إن مرشحاٍ قبطياٍ في إحدى دوائر محافظة 6 أكتوبر نظم مسابقة لحفظ القرآن الكريم وحضرها النائب الحالي للدائرة ووزع على المتسابقين هدايا عينية ومصاحف.
البلطجة
وعن ظاهرة البلطجة فحدث ولا حرج حيث ظهرت بوضوح مع انتخابات العام 2000 والمؤسف أن البلطجية نجحوا نوعاٍ ما في توصيل مرشحيهم إلى مقار البرلمان ما جعل لهم مركزاٍ ومكانة أدت إلى تفاقم هذه الظاهرة في انتخابات 2005 وبشكل واضح الأمر الذي أدى إلى تزايد عدد البلطجية وارتفعت أسعارهم.
وهناك ما يسمي “البلطجي الكبير” الذي يرأس بلطجية أصغر منه ويسمى نفسه “مقاول الأنفار” مثل مقاولي الأنفار في المزارع وأعمال المقاولات ويقوم هذا “البلطجي الكبير” بتوزيع الأعمال على البلطجية الصغار ويعطي لكل واحد منهم نصيبه كل حسب عمله حيث يتقاضى هذا المقاول الكبير خلال شهر الدعاية للانتخابات نحو 50 ألف جنيه وقد يزيد حسب قدرة كل مرشح المادية وكلما كان عدد البلطجية أكثر كلما كان ذلك إرهاباٍ للمنافس.
الصور: أ. ش. أ