أعد المادة: عبدالقادر سعد-علي السريحي- محمد مطير
> يسجل التاريخ وتاريخ الحروب أن هناك الكثير من المدن في بلدان عديدة حوصرت واستهدفت من قوى الشر..
ففي الحرب العالمية الثانية على سبيل المثال كانت ستالينجراد محاصرة من قبل قوات الفاشية الهتلرية.. وصمدت.. وكانت بصمودها تردد شعار »الصمود ليوم« وستأتي قوات الجيش الأحمر لفتح الحصار!! كانت محاصرة وتقاوم وتدافع على أمل المدد والدعم الذي سيأتي!!
لكن..
لصنعاء مميزات وسمات أخرى تنفرد بها.. صنعاء كانت محاصرة وصامدة وهي ترفع شعار »الجمهورية أو الموت« نعم كانت صنعاء شامخة وهكذا ستظل لم يكن هناك خيار ثالث.. رفع شعبنا هذا الشعار ورصع كلماته بالدم مستمداٍ قوة إرادته وصموده من الايمان بالله والوطن والثورة.
وكان الانتصار.. ورحلت وإلى الأبد فلول أعداء الثورة وتوارت خلف حدود الوطن اليمني وهي تجر وراءها أذيال الخيبة والعار.. وتسمرت في جبينها مرارة الهزيمة والعار والذل.
ومثل الانتصار وعظمة الانتصار المنعطف الجديد لمسيرة الثورة السبتمبرية لتدخل بلادنا معترك البناء والتطور ومواكبة حياة العصر.. تلك المعركة التي تفرز ثمارها وترتفع منجزاتها شامخة اليوم على طول وعرض الساحة اليمنية.
الجوهر الثوري الواحد
> ابتدأت مسيرة الشعب الواحد تناضل الاستبداد في الشمال والاستعمار في الجنوب لكي تحقق الدولة الواحدة فتنمحي إشكالية الشطرين.. وتتوج كل هذا النضال بانفجار ثورة السادس والعشرين من سبتمبر ٢٦٩١م وثورة ٤١ أكتوبر ٣٦٩١م.. وكانت الثورتان من صنع الشعب الواحد في الشطرين.
وعندما أحست الجماهير في الشطرين فرار البدر (الامام المخلوع) من صنعاء والتقاء الاستعمار بالفلول البائدة الفارة من ثورة الشمال والتئام كل الأنظمة التقليدية في جبهة واحدة ضد ثورة سبتمبر وضد احتمال ثورة اكتوبر.. تآلبت الجماهير على ترسيخ العهد الجمهوري في الشمال.
فأقبلت الجموع من عدن وتعز.. ومن يافع والبيضاء.. ومن لحج وخولان.. ومن دثينة والحديدة.. دون أن تحس من أين جاءت وانما تعرف إلى أين جاءت فقد انخرطت كل هذه الجماهير في سلك الحرس الوطني وازداد هذا الجيش أفواجاٍ إلى أفواج فقاتل العدوان في شمال الشمال وأشعل فتيل الثورة في جنوب الوطن لأن اليمن الواحد كان يلاقي عدواٍ موحداٍ!!.
فقد كانت المؤامرات تحاول اجهاض الثورة أو القضاء عليها.. غير أن الشعب الواحد ظل واحداٍ ولم تصل أصابع المؤامرات إلى الجوهر الثوري الواحد.. ومن هنا عرف كل الاعداء أن اليمن واحد.. وأن ثورته واحدة.
وحدة وطنية
> كان الاتصال والتواصل بين الأحرار الثائرين على الامامة وبين الوطنيين في عدن مستمراٍ في المجال السياسي والنضالي والتعليمي والنقابي والعملي في نطاق ساحة عدن كقاعدة يمكن التحرك فيها.
فنشطت في عدن عناصر ضد النظام الامامي ومارست نوعاٍ من النضال نقلته إلى الداخل.. وكان هذا النوع من النضال يجري امتداداٍ لثورة وتمهيداٍ لأخرى.
وكانت الحركة العمالية التي لم تكن ملكاٍ لفرد واحد أو حكراٍ عليه أماٍ للحركة الوطنية ونشيداٍ من أناشيد الوحدة الوطنية.. والوحدة اليمنية.
وفي عام ١٦٩١م كان لاطلاق النار على الامام أحمد في مستشفى الحديدة في شهر مارس صدى كبير في عدن.. وتحدث الناس عن منفذيها كأبطال اسطوريين..
وحين مات الإمام تابع الناس عبر الإذاعة تسجيلاٍ لأصوات الجنازة كحدث ينتظر الناس ما بعده.. وردد (البدر) في أول خطاب له كلمات أثارت حنق الناس حين فهموا منها أنه سيسير على نهج أبيه وانه لاجدوى ولا أمل في التغيير أو الإصلاح أو الخروج من العزلة ولم يكد الناس يقومون حتى كانت المفاجأة التي أثارت الفرحة والدهشة في آن واحد وعلى الرغم من انتظار الناس لهذا الحدث إلا أن الحدث سبق أنفاس الناس فكان صوت (هنا صنعاء.. إذاعة الجمهورية العربية اليمنية).
وعمت الفرحة وجوه الناس.. ومنú عدن توجه الكثيرون إلى مدنهم وقراهم.. وكان الشعور العام وموضوع الحديث هو الثورة والتغيير والتقدم المنشود الذي آن أوانه.
ولكن.. المؤسف في ما بعد هو توارد الانباء عن وجود تمرد وعصيان ومقاومة ضد النظام الجمهوري فربط الناس بين ذلك وبين ما جرى في ٨٤٩١م و٥٥٩١م وتبادر إلى الاذهان أن الليلة شبيهة بالبارحة وأن المستقبل المنير الذي أطل مهدد من جديد بالزوال.
لهذا هب الكثير من المواطنين للدفاع عن الثورة والجمهورية من التدهور وفتحت في عدن مراكز لتسجيل المتطوعين والمبادرين إلى القتال إلى جانب الجمهورية.. وكان هناك مجهولون ومناضلون وأحرار وراء فتح هذه المكاتب والمراكز لتعبئة المدافعين عن الجمهورية حيث كانت تخرج في اليوم الواحد من عدن شاحنات محملة بأولئك المتطوعين الذين توجهوا إلى صنعاء للدفاع عن الثورة والجمهورية.
عدن قاعدة التلاحم
> وحين وقع حصار صنعاء (حصار السبعين) ما بين نهاية نوفمبر ٧٦٩١م وفبراير ٨٦٩١م يتضح أن الجيل الثاني من مواليد وأهالي ثغر اليمن الباسم عدن والوعاء الذي استوعب الجميع والمزيج الوحدوي الجميل.. الجيل الذي ينتمي معظمه إلى أصول قريبة أو بعيدة من المناطق والمحافظات اليمنية الأخرى والذي اكتسب الصفاء والنقاء الانساني المدني الوطني القومي والحضاري ولكنه انقطع عن جذوره بفعل الهجرة من الريف ومن الداخل إلى المدينة..
الجيل الذي ارتبط روحياٍ وثقافياٍ ووطنياٍ بجيل آبائه وأساتذته ورواده ونقابييه ومثقفيه ومن يعتبرهم زعماءه ووجهاءه وأعيانه الشرفاء من أنصار أحرار ثورة ٨٤٩١م وثورة ٦٢ سبتمبر الخالدة.
هذا الجيل قد هب منه فدائيو ومقاتلو التنظيم الشعبي للقوى الثورية الذي مثل روح وعصارة الوحدة اليمنية في عدن وخلاصتها والذي كان لهم نصيب الأسد في حرب التحرير والذي دوخ المستعمر وقصم ظهره بحجم عملياته الواسعة كأغلبية في الأفراد المقاتلة التي ترجع إلى الطابع الشعبي واسلوب يشبه التعبئة العامة في الانضمام إلى التنظيم بأعداد كبيرة وبعمليات واضحة غير غامضة وصمدوا ضد الحصار في جنوب صنعاء وغربها خاصة في نقيل يسلح بشكل انتحاري في ممر جبلي ضيق ميئوس منه عسكرياٍ بحيث كان يعني صعوده الوقوع في كمين وهذا ما وقع فعلاٍ.
ولكن فدائيي ومقاتلي التنظيم تمكنوا من اختراقه والوصول إلى الجانب الآخر فاتحين الطريق صامدين في واجهة المعركة.. وقدم التنظيم حوالي خمسين شهيداٍ.. وكان مقاتلون من جيش التحرير يتصدرهم علي عنتر يشاركون إلى جانب إخوانهم الأحرار في فتح طريق الحديدة صنعاء (جهة الحيمتين) وقد سجلوا جميعاٍ أروع الصفحات ومثلوا أنبل وأعظم جذور للتواصل والتلاحم للثورات اليمنية في قاعدة التلاحم عدن وفي عموم الساحة اليمنية.
جبهة واحدة
> لقد كانت معارك الدفاع عن الثورة ملحمة بطولية بكل ما تحمله الكلمة من معنى تلاحم الجيش والشعب في خندق واحد للدفاع عن ثورتهم وعن حلمهم الغالي وعن مدينة صنعاء عاصمة الثورة والجمهورية وكان شعار الجميع »الجمهورية أو الموت« وتوحد الجميع في جبهة واحدة للتصدي لأعداء الثورة سواء جيشاٍ شعبياٍ وقوات مسلحة ومقاومة شعبية ومقاتلي الجبهة القومية.. الجميع شعر بالمسؤولية وبحجم الخطر المحدق بالثورة والنظام الجمهوري.
لقد هب أبناء الوطن جميعاٍ من شماله وجنوبه للتصدي لقوى الرجعية الظلامية ومن معها من قوات مرتزقة.. وكان سلاحهم في ذلك إرادتهم الصلبة وتصميمهم وإيمانهم بالنصر القريب.
ورغم صعوبة الموقف ورغم الحصار القاسي إلا أن كل تلك الظروف القاسية كانت تزيد من صلابة المقاومة ومن تصميمها فكان الجيش الشعبي من كل أرجاء اليمن رديفاٍ للقوات المسلحة ومشاركاٍ لها في كل المعارك وفي إنجاز المهام النضالية في مختلف المواقع. وهذا التلاحم والتناغم الثوري بين الشعب والجيش وقيادة الثورة هو الذي حقق النصر الساحق للجمهورية وهزم الرجعيين والمرتزقة.
وحدوية النضال
> مجاميع كبيرة من جبهة التحرير وفرق التنظيم الشعبي من جنوب الوطن ساهمت بشكل كبير في الدفاع عن صنعاء وفتح الحصار وكان لها أدوار بطولية في الانتصار للثورة والجمهورية.. في جبهات نقيل يسلح وحزيز وبيت بوس وجبل عيبان وجبل الطويل صنبوه والسويدا ومتنه.. الخ مآثر وطنية جسدت الانتماء القوي لجيل الثورة إلى المبادئ والأهداف السامية للنظام الجمهوري وملاحم الدفاع عنه.
ولابد من الاشارة هنا إلى الصلات التي توثقت بين شطري الوطن من خلال توجيه الرئيس قحطان الشعبي حينها إلى قيادة منطقة الضالع بقيادة المناضلين على عنتر وعلي شائع هادي بالتنسيق مع القائد السعيدي وقائد لواء إب بتسليم الاسلحة واستقبال المقاتلين والضغط علي حريب من خلال اللواء العسكري في بيحان أحمد صالح الحسني.. هذا يؤكد واحدية الثورة اليمنية.
الإذاعة
> ولاننسى هنا الدور الكبير الذي قامت به إذاعتا صنعاء وتعز في ملحمة السبعين فقد كانتا من أهم الوسائل الاتصالية وتابعها ٠٩٪ من أبناء الشعب خاصة أيام حصار السبعين.
وقد تم وضع خطة إعلامية لمواجهة أي تطورات لتعرض اذاعة صنعاء للقصف وكان للاعلاميين دور بارز في الدفاع عن النظام الجمهوري من خلال كافة البرامج الاعلامية حينها كما ساهمت الكلمة والفن في رفع معنويات المقاتلين والمدافعين عن النظام الجمهوري..