خاص بـ»الوحدة« من القاهرة:
تحقيــــق/ علـي عــطا
مازال الدور الذي لعبته مصر لدعم ثورة اليمن يحظى بتقدير خاص من عدد كبير من المثقفين المصريين الذين ينتمون إلى تيارات مختلفة ناهيك عن أن الحكايات المرتبطة بذلك الحدث لا تزال حية في ذاكرة الجيل الذي عاصرها في مختلف أنحاء مصر وخصوصاٍ في المناطق الريفية التي يعتبر سرد الحكايات من طقوسها اليومية حتى يومنا هذا.
في ما يلي يتحدث عدد من المثقفين المصريين عن تقييمهم لدور مصر في دعم ثورة اليمن لا ســـيما في ظل الزعم القائل بأن ذلك الدعم كان من أســــباب نكسة 1967م .
قصة نجيب محفوظ
يقول الروائي يوسف القعيد: لا علاقة لنصرة مصر ثورة اليمن بما حدث في 5 يونيو 1967 إلاِ من زاوية أن العدو الإسرائيلي بعد أن تأكد من وجود جزء كبير من الجيش المصري في اليمن قدِم موعد ضربته. وأنا أعتقد كذلك أن الأنظمة التي كانت مهددة بأن تقوم فيها ثورة مثل تلك التي قامت في اليمن وساندتها مصر دفعت الغرب إلى إشاعة مناخ عام يجعل ضربة 67 حتمية من أجل تقليم أظافر عبد الناصر. وعلى أية حال فإن اليمن في ظل حكم الأئمة كان يعيش في ظلمات العصور الوسطى وكان من الطبيعي أن تدعم مصر ثورة اليمن سياسياٍ وعسكرياٍ على الرغم من أن ذلك كبدِها خسائر مادية وبشرية. ولا ينبغي ونحن نسترجع تلك الذكرى الآن وقد مرت عليها عشرات السنين أن نصدق أن المصريين كانوا منقسمين حول مسألة دعم ثورة اليمن. وأنا أتذكر الآن أن القصة الوحيدة التي كتبها أديبنا الكبير نجيب محفوظ ودارت أحداثها في مكان غير مصر هي قصة بعنوان “ثلاثة أيام في اليمن” وضمتها مجموعة “تحت المظلة” وكانت تلك القصة ثمرة سفر نجيب محفوظ إلى اليمن مع وفد أدبي مصري بعد اندلاع الثورة اليمنية وبها نستدل على وقوف المصريين بشكل كامل وراء قرار قيادتهم السياسية بدعم ذلك الحدث على اعتبار أن اليمنيين هم إخوانهم في العروبة والإسلام. ولكن تبقى لي ملاحظتان: الأولى هي أنني عندما زرت اليمن قبل حوالي 4 سنوات وجدت أنهم يطلقون على الشارع الذي تقع فيه السفارة المصرية في صنعاء اسم شارع جمال وإلى الآن لا أعرف لماذا يسمى جمال فقط وليس جمال عبد الناصر.. أما الملاحظة الثانية فتتعلق بنْصب شــــهداء مصر لنصرة اليمن والذي يقع على ربوة تطل على صنعاء وأجده مهملاٍ ولا يحــــظى بالاهتــــمام الذي يجب أن يحظى به.
توجهات وحدوية
أما الشاعر شعبان يوسف فيقول لولا الدعم المصري لثورة اليمن لما تجاوز هذا البلد العربي الشقيق محنته في ظل حكم لا ينتمي إلى العصر الحديث. كما أن الأمر كان يتعلق بهدف أبعد وهو تأمين المنطقة برمتها في مواجهة قوى استعمارية تصر على نهب خيرها. وأنا الآن على قناعة تامة بأن دعم مصر لثورة اليمن جاء في إطار توجهات وحدوية عروبية كان يؤمن بها نظام حكم جمال عبد الناصر إلى أبعد مدى. فعبد الناصر لم يكن يتطلع إلى إمبراطــــورية عربية بل كان يعــــمل من أجل مساندة حــــركات التحـــرر في مختلف أنحاء العالم وبيـــنها بالطــــبع حركة عبد الله السلال.
حكايات الفلاحين
ويقول الشاعر والروائي صبحي موسى: ساندت الإدارة المصرية في خمسينات وستينات القرن الماضي رغبة العديد من الشعوب العربية في الثورة على الاحتلال والخروج من أجواء القرون الوسطى التي أرادت السلطات المحلية بالتعاون مع القوات الأجنبية تثبيتها في تلك البلدان وكان اليمن من بين الأماكن التي سال الدم المصري على جبالها وهضابها من أجل الاستقلال وكواحد من أبناء القرى المصرية لم أعرف اليمن من كتب التاريخ ولكن من حكايات الفلاحين هؤلاء الذين ذهبوا كجنود ليقضوا أكثر من خمس سنوات مغتربين عن بيوتهم وأهليهم ليعودوا بمئات الحكايات عن الإمام وعسكره رأيت في باطن ساق أحدهم أثراٍ لرصاصة قديمة وحين سألته حكى لي عن السنوات التي قضاها على جبال اليمن مع القوات المصرية وكيف كان المصريون يحتلون موقعاٍ في الصباح ليفقدوه في الليل أما ابن عمي فقد نال خمسة أفدنة من الإصلاح الزراعي عقب عودته من حرب اليمن هذه الحرب التي شعر بها المصريون أكثر من كل حروبهم لأنها كانت الأكثر طولاٍ وغربة وقسوة لكن الجميع- رغم قسوة المشاهد التي رواها- كان يحكي بمحبة عن المكان وأهله لم يشعر أي منهم أن مصر خسرت الكثير من المال والجنود من أجل دولة أخرى كما لو أنهم قضوا أيام جنديتهم في الصعيد مثلاٍ وأن ما قاموا به لم يكن سوى الواجب الذي كان عليهم أن يقوموا به تجاه تجبْر الإمام هذا الذي بدا أسطورياٍ في حكاياتهم قيل إنه كان يدهن نفسه بالفسفور في الليل ويقف على قمة الجبل ليخطب في الناس موهماٍ إياهم بأنه نبي أو صاحب ولاية وكان أغلبهم يعتقد أنه مقدس ولا يجب أن يْمِس بالحديث عنه من قريب أو بعيد وقيل إنه كان يحتفظ بأبناء شيوخ القبائل في قصره كرهائن حتى يطيعوا أوامره وأن زوجاته وصل عددهن إلى التسعين وأن العلماء المحيطين به هم الذين أوعزوا للبسطاء أن يتعاملوا معه كإله أو نبي وأن ناصر لم يِرúضِ ببقاء اليمن السعيد في غفلة وعزلة عما حدث في العالم من تطور واستقلال وأن السلال تعلِم في مصر وكان مقرباٍ منه وأنه اتخذ في نهجه وخْطاه خطى “الضباط الأحرار” وأن مصر عادت من أجل حرية اليمن كلاٍ من السعودية وأمريكا وبريطانيا والاتحاد السوفيتي أيضاٍ قيل الكثير لكن مشاهد القتل والموت ظلت الأفق الأكثر هيمنة على الحكي فيكفي أن يطل المرء برأسه من خندقه كي يمر ضوء أبيض ليفصل رأسه عن عنقه فما بالك بالسير في الظلمة بين صخور تلال وجبال ووديان غريبة عليك كانت أصـــــوات الأشباح تحيط من كل جانب بمن يقع الاختيار عليه للحراسة وعادةٍ ما كان يعدونه من المفقــــــودين قيل الكثير لكن اليـــــمن ظلت مادة الســــــمر في ليالي الحصـــــاد وانقطاع الكهرباء حتى أنني لم أكن أعرف عن المْقــــطِم مثلما كنت أعرف آنــــئذ عن قمة الشماخ.
ليست سبب الهزيمة
. حلمي شعراوي (مدير مركز الدراسات العربية والأفريقية بالقاهرة): يقول: لا علاقة سلبية بين مساعدة مصر لثورة اليمن ووقوع هزيمة 1967م وقرار مساعدة تلك الثورة كان يعكس إيمان مصر بدعم حركات التحرر العربية والأفريقية وعدم إمكانية أن تتجاهل أي عمل ثوري. وينبغي هنا ملاحظة أن موقع اليمن الجغرافي مهم جداٍ بالنسبة إلى مصر فمن خلاله يمكن منع إسرائيل من التغلغل في البحر الأحمر. ومن ناحية أخرى كانت قوى رجعية في ذلك الوقت تحاول إبقاء الأوضاع في اليمن على ما كانت عليه وبالتالي فإن مصر رأت أنها لو لم تساعد ثورة اليمن فإن تلك القوى الرجعية ستكون صاحبة الكلمة العليا في المنطقة. وإذا رجعنا إلى مسألة هزيمة 67 فإنني أرى أنه لو كانت القيادة العسكرية المصرية في ذلك الوقت تتسم بالحكمة لحاولت الاستفادة من التحرك العسكري المصري الكبير في اليمن لإعداد جيش قوي وبالتالي الحيلولة دون وقوع تلك الهزيمة. مسؤولية الهزيمة تقع على عاتق القيادة العسكرية التي أهملت إعداد الجيش إعداداٍ جيداٍ.. وبالتالي فإنه لا توجد علاقة بين دعم ثورة اليمن ووقوع هزيمة 5 يونيو.. ثم أن الجيش نفسه حقق بعد ست سنوات نصراٍ عزيزاٍ بعدما تم إقصاء القيادات الخاملة والاهتمام بتدريبه وتسليحه على أعلى مستوى.
و.. الهزيمة كانت حتمية
ويقول الروائي محمود الورداني: لا أظن أن من المفيد فتح هذا الملف الآن ومع ذلك فإنني أرى أنه لا شك في أن دعم مصر لثورة اليمن لم يكن من أجل مصالح امبراطورية بل كان في إطار الإيمان بأهمية دعم حركات التحرر الوطني وضمن منظومة قيم سياسية ونضالية لم يعد لها وجود الآن. جاء الدعم المصري لثورة اليمن من أجل انتشال هذا البلد الشقيق من التخلف وحكم ينتمي إلى العصور الوسطى وكان ذلك الدعم يستند إلى قوة الانتماء إلى حركة كانت قوية في ذلك الوقت ومؤثرة وهي حركة عدم الانحياز. وأنا لا أظـــن أن هنــــاك علاقة بين ذلك الدعم ووقوع هزيمة 67 التي كانت حتمية بغـــــض النـــظر عن الوجود العسكري المصري في اليمن..