لم تعد »كتابة« التاريخ – وتاريخ الحركة الوطنية اليمنية بالذات – وحدها الصعبة بل غدا »توثيق« هذا التاريخ في الأساس أكثر صعوبة!!
وبات من النادر أن تجد شخصا على قدر كافُ من القدرة والخبرة أو من التأهيل والجرأة ليتصدى لهذه المهمة الصعبة في ظل ضياع أو مصادرة أو حجب أو بتر الكثير والهام من الوثائق والأدبيات والشهادات والمذكرات التي يمكن أن تفتح ثغرة نور – ولو ضيقة – في جدار هذا الموضوع أو تلك القضية.
وقد كلت جهود كثيرين وانتكست تجارب آخرين في هذا المضمار الشاق طوال العقود الماضية.. إلاِ من رحم ربي.. فكانت الثمار إما قليلة العدد في سلة بالغة السعة.. وإما غير كاملة النضوج على النحو الذي يؤتي أكلها بشهية كافية!!
إن الأمر في غاية الصعوبة وهذه عبارة ليست إنشائية على الإطلاق يدركها جيدا كل من له صلة أو تواصل مع هذا الشأن التنويري الخطير.. ومن بين هؤلاء الكاتب والباحث والمثقف السياسي المتميز الأستاذ قادري أحمد حيدر الذي شحذ جهده وجند قلمه – خلال العقدين الأخيرين على الأقل – لخوض غمار الإبحار في وجه التيار أو رفع صخرة سيزيف في جبل شديد النتوءات أو مايشبه هذا وذاك من فعل يكاد يبدو المستحيل بعينه حتى تتبدى لك بعد هذا الجهد ثمار حلوة المذاق تبزغ في غصن مثقل بجراح اينعت طوال الرحلة من البذرة حتى الزهرة قبل أن تتدلى الثمرة أخيرا..
وقد أسفر هذا الجهد – خلال تلك الفترة – عن عدد من الكتب عدا أعداد من الدراسات والبحوث المتناثرة في صحف ومجلات مختلفة.. كلها صبت في مجرى »التنوير« الذي بات صاحبه كالقابض على ما هو أشد اتقادا وإحراقا من الجمر.. لاسيما أن تنوير الأجيال القادمة بتاريخها الوطني – خلال القرن العشرين أساسا – هو من أنبل وأصعب المهام الملقاة على كواهل المثقفين والباحثين في ظل محاولات شتى لطمس الذاكرة الوطنية وتشويه وعي الأجيال القادمة تجاه العديد من المفردات التي يتكون منها قاموس الحركة الوطنية اليمنية..
ومؤخرا صدر لقادري كتابه »الأحزاب القومية في اليمن« الذي يتصدى فيه إلى نشأة هذه الأحزاب وتطورها وما آلت إليه من مصير من واقع الدرس العلمي القائم على التحليل والنقد على صعيد التاريخ أو على صعيد علم الاجتماع السياسي..
حســــن عــبدالوارث