تعددت مصادر الثقافة الوطنية منذ أربعينيات القرن الماضي.. بعد أن كانت محصورة في الثقافة التقليدية المتمثلة في الدين وما يتصل به من تعاليم وآداب وسلوك.. ففي تلك الحقبة انفتح الشباب اليمني على اتجاهات متعددة في الثقافة من خلال وصول الكتاب والمجلة والشريط السينمائي والأسطوانة الطربية وغيرها من وسائل التثقيف عدا ذهاب بعض من هؤلاء الشباب إلى خارج اليمن للدراسة أو العمل.. كما أن تلك الحقبة شهدت بداية تدفق التيارات السياسية والفكرية (الآيديولوجية) من اتجاهات شرقية وغربية وغيرها فظهرت القومية بمختلف مسمياتها وتياراتها:البعـــثية والناصرية والإخوانية مثلما ظهرت الماركســية والوجودية.. الخ..
وقد تنوعت الأطروحات من قبل أصحاب هذه الثقافات تجاه العديد من أوجه الحياة ومعضلات الواقع غير أن جميعها تقريباٍ لم يأت بفكر مغاير أو موقف مختلف من موضوع الولاء الوطني وإن كان البعض يتجاوز هذا الولاء إلى ما هو قومي حيناٍ أو أممي أحياناٍ.. فقد كانت الحركة الوطنية اليمنية تستند إلى تراث نفيس – على صعيد النظرية مثلما على صعيد الممارسة – تجاه قضايا الوطن لا سيما القضية الكبرى »الوحدة« خصوصاٍ بعد أن حْسمت قضية الثورة والتحرر (شمالاٍ وجنوباٍ) من ربقة النظام الكهنوتي والاستعمار البريطاني.. خلاصة القول: إن قوة المصدر الديني التقليدي في مْكون الثقافة الوطنية إضافة إلى صلابة الخلفية الكفاحية في تراث الحركة الوطنية ضد الإمامة والاستعمار قد عملا بشكل مباشر على تعميق خاصية الولاء الوطني لدى الأجيال المتلاحقة غير أننا نكاد نرى اليوم ما هو أشبه بالنكوص في الوعي والوجدان الجمعي – تجاه هذا الموضوع.. والسبب يكمن أساساٍ في المصادر الوافدة للثقافات الحديثة التي كرست الهشاشة تجاه الإلمام بقضايا الأمة والوطن.. فالقضية الوطنية الكبرى (الوحدة) لم تعد لدى عديد من الشباب غير حالة سياسية تتقاذفها موازين المكسب والخسارة أو المنفعة والضرر من منطلق شخصي أو فئوي مثلما صارت القضية القومية الكبرى (فلسطين) مجرد حادثة يومية مكررة على شريط سينمائي مبثوث عبر شاشات التلفاز!! إن غياب المدرسة والجامعة والجامع والنادي والوسيلة الإعلامية والحزب والجمعية والنقابة عن مهمة تكريس مفردات الثقافة الوطنية وبالتالي تعزيز خاصية الولاء الوطني كان سبباٍ رئيسياٍ ومباشرا وراء تقهقر تلك الثقافة وهذه الخاصية ولا أعتقد أن عملية توزيع العلم الوطني وحمله من قبل الأطفال والكبار – كفيل بإعادة ترميم ما تصدع في جدار الثقافة الوطنية تجاه هذه القضية!!
حسن عبدالوارث