طلال الشرجبي
على بيارق أمنيات الوطن الكبير أطلت الوحدة اليمنية بشموخ وكبرياء على الأمة العربية والإسلامية لتضع العالم أمام دهشة المعجزة وجهاٍ لوجه.. ترسم فاصلة ضوء بين زمنين تفصل الحلم عن الحقيقة وتسيج بتوهجها عربات الأيام مبرهنة على أن أحلام الماضي هي الآن حقائق الحاضر وإشراق المستقبل.
فالوحدة اليمنية ليست رداٍ لاعتبار التاريخ فقط ولا انتصاراٍ لمبادئ الثورة اليمنية وحملة شعلتها بل هي في الأساس عودة طبيعية لمناخات المنطق وأسسه الواقعية في التعامل معها فليس هناك أبشع من تناثر الجسد الواحد والادعاء أن هناك ضرورات لذلك.
إنه الموت حين يْفصل شعب واحد بحواجز وهمية وتتناحر القوى تحت عباءة هذا الوضع الشاذ مما أفرز نتائج كارثية على رؤوس المجتمع الذي فرقته السياسة لكنها لم تنجح في إزالة قواسمه الواحدة في الانتماء والحضارة.
لقد كانت الوحدة هاجساٍ دائم الحضور في ذاكرة الشعب اليمني وكل المناضلين والوطنيين الشرفاء وكل الغيورين على تاريخه وحضارته ولم تغب إلاِ في أذهان أولئك الذين انحرفوا في تيار النرجسية والأنا ومفردات البراجماتية العفنة.. أدعياء التمزق والانفصال أعداء الخير والجمال.
إن الخوض في ماهية الوحدة كحدث تاريخي خلاق يتطلب بشكل موضوعي النظر إلى الواقع بحواس لا تهمل منه شيئاٍ فالنظرة الجزئية أو القاصرة تضعف كثيراٍ من فرص قبول الجدل حول الوحدة كإنجاز وطني من الصعوبة بمكان أن يخضع لمداولات لا تضع للتاريخ اعتباراٍ. لقد مثل الثاني والعشرون من مايو ذروة العدالة التاريخية لشعب عانى الكثير من ويلات الفرقة وتناوبت كثير من الأسباب على تبديد طاقاته وتحجيم إمكانياته ليضع هذا اليوم الأسطوري حداٍ فاصلاٍ لجور امتد لمئات السنين ولم تكن مفارقة أن يلتئم الجرح اليمني في زمن تهاوت أعتى الامبراطوريات في القرن العشرين وتناثرت دول إلى دويلات ولعل المعنى هنا واضح وجلي وهو يتعلق بقيمة الوحدة الأزلية وبتراث شعبنا العريق وذلك يفسر درجة الإدهاش التي طغت على المسرح العالمي عقب إعلان الوحدة ولعل الثاني والعشرين من مايو المجيد عمل سلمي أعاد الجغرافيا اليمنية إلى وضعها الطبيعي وهو حصاد ثمين لتفاعلات وطنية ومتعاقبة واختبار عسير للإرادة اليمنية تخطته باقتدار. إن قراءة منصفة لما أحدثته الوحدة في عقدها الثاني لابد أن تفضي إلى حقيقة أن الوطن وْلد من جديد وأن أماني وطموحات شعبنا اليمني تتحقق تباعاٍ وبمشاركة فاعلة من القاعدة الشعبية التي أصبحت أكبر مساهم بمعترك التحولات التي يشهدها وطننا لتبرز حقيقة أخرى تتعلق بشعبنا الذي جاهد طويلاٍ للوصول إلى هذا اليوم وتحمل الكثير من المآسي ليعيد لحمته ووحدته في ظل وضع عربي مخز ومناخ دولي تناحري وهناك تكمن الحكمة اليمانية.. فحين يتهاوى الآخرون كان التراب اليمني يتداخل وتموت الحواجز التي تفصل ذراته فيما كانت الشعوب تتناحر في أجزاء من العالم عاش شعبنا الماجد موجة عناق كبرى مع ترابه ووحدته وتاريخه لتكون وحدة أيادي سبأ هي بارقة الأمل في زوال حلكة الليل العربي المخزي ونحن أحوج ما نكون إلى فاتحة أبجديات لحيثيات التفاؤل القومي وترتيب أوضاع البيت العربي الواحد ليغدو حلم اليمانيين بشارة تكتحل بها أعينهم فتنكسر على عتبات الحكمة اليمانية خطوط الجغرافيا الوهمية وتتطاير براميل »كرش« متلاشية في فضاء الوحدة والعزة والكرامة مبددة »رازم« الحكم الشمولي ليتهاوى ليل التشطير مستسلماٍ أمام وثبات الفجر وإشراقات الضياء ليزدان الوطن ربوعه وسهوله وجباله بأعلام الفرح وأقواس النصر وكرنفالات اللقاء. صباحَ جميل يا وطني الأجمل وأنت تصافح بخيوط شمسك الذهبية شوامخ الجبال الشماء فتطبع قبلة أمل دافنة على جبين كل طفل يشدو بلحنك الجميل »وحدتي.. يا نشيداٍ رائعاٍ يملأ نفسي.. أخلدي خافقة في كل قمة«.. تردد الدنيا نشيدك الخالد عرفانا لكلمات الفضول الشاعر والإنسان والتي صاغها نغماٍ وحدوياٍ فناننا القدير أيوب طارش الذي يتوارى خلف فنه الجميل ملهباٍ مشاعرنا بروائع أناشيده العذبة وأغانيه الوطنية والعاطفية المفعمة برائحة تعز وأريج وعبق حضرموت وبخور عدن. صباحَ جميل يا وطني الأجمل وأنت ترسو على ضفاف ذكرى توحدك في عقدك الثاني وأرضك ترتدي وشاح أمل لا ينتهي ومجد لا يزول.. تلون سماءك بقناديل البهجة وأطياف الفرح. صباحَ جميل يا وطني الأجمل.. ونحن نستذكر تجليات التاريخ الوحدوي لتبقى لكويت المحبة ذكرى طيبة في وجدان كل يماني أصيل ليس للأيادي البيضاء والدعم المادي والتنموي المقدم لليمن حكومة وشعباٍ وإنما لتلك الجهود الأخوية الصادقة التي لمت شمل الأسرة اليمنية في شطري اليمن ووضعت حداٍ للانقسامات فكانت قمة الكويت التاريخية التي وضعت اللبنة الأولى والبدايات الطليعية التي جمعت فرقاء العمل السياسي في سبعينات القرن الماضي. ونحن نستذكر تلك المحطات وصفحاتها المشرقة نوجه تحية حب ووفاء لكويت الكرام التي رعت ذلك اللقاء لتكون تلك المبادرات الأخوية السابقة ثمرة طيبة فتكتحل أعين اليمانيين في رابعة الثاني والعشرين من مايو تسعين ميلادية ويرفرف علم الوحدة في سماء عدن لترتسم العيون وتخفق القلوب ويغدو للفرحة وهج فيعلو نشيدها ملء الكون وملء الحياة في يوم كرنفالي بهيج. صباحَ جميل يا وطني الأجمل.. وأنت ترسم البسمة على الشفاه تحيي الأمل في قلبي الكسير والأزهار في قصائد ربيعية تمتزج فيها خضرة النفوس مع زرقة السماء لتمدني بالدفء والتفاؤل وحب الحياة وتبعث في روحي أطياف الجمال.. فبدونك لا أغدو جميلاٍ وتظل أنت وطني الأجمل..