“الوحدة اليمنية” واقع طالما حلمنا بتحقيقه وهو الآن مهدد بمخاطر عدة لكن التمسك بما تحقق والدفاع عنه بات مطلبا ملحاٍ بل واجبا وطنيا لكل المؤمنين بالقومية العربية. وفي ما يلي آراء لنخبة من المثقفين المصريين حول المخاطر التي تهدد الوحدة اليمنية والأدوار الواجب الاضطلاع بها من قبلهم لصيانة هذا المنجز.
يقول الروائي الكبير يوسف القعيد: كلمة وحدة تسحرني منذ تجربة مصر وسوريا وأرى أن القوة الحقيقية هي في وحدة الوطن العربي. يا ويل الأمة العربية إذا انتزع جزء من أي قطر فيها كما هو متوقع للأسف في السودان. أنا ببساطة شديدة مع وحدة اليمن مهما كانت الأسباب التي تدعو البعض إلى السعي نحو الانفصال. أنا مع استمرار هذه الوحدة والدفاع عن استمرارها وأدعو اليمنيين بمختلف اتجاهاتهم إلى العمل من أجل استمرار توحدهم والعمل أيضاٍ على وضع حد للتمرد الحوثي الذي أراه أشد خطراٍ على وحدة اليمن من تنظيم القاعدة.
خاص بـ»الوحدة« من القاهرة:
تحقيق/علي عطا
أما الدكتور يسري عبد الله أستاذ النقد الأدبي بكلية الآداب جامعة حلوان فيقول: إن طابع التجزئة والتفتيت يأتي في ظني في ظل مشروع عولمي أشد خطراٍ وكارثية على مقدرات الأمم والأوطان. واللافت أن الاتجاهات سواء الانفصالية أو التي تتخذ من الإرهاب وسيلة لفرض أجندتها الخاصة في أي دولة هي ذاتها التي دْفعت من قبل تحت بصر السيد الجديد للعالم (السيد الأمريكي). وعلى الأمة العربية إذا أرادت أن تتمسك بضوء الأمل الخافت نحو وحدتها وتماسكها أن تعي مثل هذه الأمور وأن تتشكل الإرادات السياسية بناء على رغبات الشعوب لا بأوامر فوقية من أحد ويجب توسيع مساحات الحرية والعمل الجاد نحو التوحد لا التفرق وهذا يحتاج إلى نيات مخلصة وإلى عمل دؤوب في الأساس. إن الحفاظ على طابع الهوية الخاص بهذه الأمة هو السبيل الوحيد للنجاة من مأزقها السياسي والثقافي الراهن.
تعميق الديمقراطية
ويقول الدكتور وحيد عبد المجيد مدير مركز الأهرام للنشر والترجمة والتوزيع والمحلل السياسي المعروف : لا نريد أن تصل الأمور في اليمن إلى ما وصلت إليه في دول عربية أخرى مثل الصومال الذي تفتت أو السودان الذي في طريقه إلى الانقسام إلى دولتين واحدة في شماله وأخرى في جنوبه. وأنا أرى أن تجنب هذا المصير يتطلب تعميق الديمقراطية ومزيداٍ من احترام الاختلاف وإفساح المجال لمشاركة أوسع في السلطة حتى يتم تهميش دعاوى الانفصال.
ويقول الدكتور محمد شومان عميد المعهد الدولي العالي للإعلام بأكاديمية الشروق تواجه الوحدة اليمنية واليمن ككيان سياسي تحديات خطيرة لابد من مواجهتها بقوة وحسم ومن خلال التوصل إلى أفكار وصيغ جديدة للعمل الوطني المشترك الذي تساهم فيه الفصائل والفاعليات السياسية والاجتماعية كافة. ويتطلب ذلك في البداية التسليم بحدة وثقل هذه التحديات وأنها ذات طبيعة داخلية بمعنى أنها نتاج مشكلات اجتماعية وسياسية وأخطاء وتعثرات في الأداء السياسي لمختلف القوى اليمنية الفاعلة ولعل الاتفاق على هذا التوصيف يقود إلى رفض عقلاني لادعاءات أن هناك مؤامرة خارجية تهدد الوحدة الوطنية وتثير مشكلات الداخل.
دور النخب العربية
ويضيف الدكتور شومان : صحيح أن بعض القوى الدولية والإقليمية تستغل مشكلات الداخل لكن تظل الأسباب الحقيقية مرتبطة باختلال توزيع السلطة والثروة في داخل اليمن. وبالتالي هناك ضرورة لعلاج هذه الاختلالات واعتقد أن الحوار والديموقراطية الحقيقية لا الديموقراطية الشكلية أو المقيدة هي الحل. ولا يعني منح الأولوية للديمقراطية والحوار الانقضاض على الوحدة بل أن تتفق الأطراف اليمنية كافة على الترافق بين الديموقراطية والوحدة وعلى ضرورة تفعيل لا مركزية السلطة والمشاركة الحقيقية في الثروة والسلطة على أسس المواطنة والكفاءة ومحاربة الفساد.. باختصار لابد من احترام حقوق الإنسان والديمقراطية والتفاوض من أجل التوصل إلي صيغ جديدة غير تقليدية للعيش المشترك في وطن واحد وإذا كان للنخب العربية من دور للمساهمة في حل الأزمة اليمنية فإنني يقول الدكتور شومان اعتقد أن دورها يجب أن يقتصر على تشجيع الحوار بين الفرقاء في اليمن وتشجيع الحكومة على التوصل لاتفاقيات جديدة لتقاسم الثروة والسلطة يشارك فيها كل اليمنيين بدون تمييز أو تفرقة.
عوامل محلية وخارجية
ومن جانبه يذهب خبير الشئون العربية محمـد أبـو الفضـل إلى القول: تكاتفت مجموعة من العوامل المحلية والخارجية لتجعل من اليمن بؤرة ساخنة ويخشى كثيرون أن تتجاوز الحدود المتعارف عليها سياسيا وجغرافيا وتتطور بشكل يفوق قدرة الحكومة الحالية على السيطرة العسكرية. فهناك مشكلات مركبة في الشمال. وأزمات متنامية في الجنوب. ونظام يجاهد للإمساك بكل الخيوط. ودوائر إقليمية تراقب عن كثب خشية انفلات زمام الأمور. وجهات دولية تقدم رجلاٍ وتؤخر الثانية عند الحديث عن مساندة الحكومة اليمنية. وبدأت تفاصيل المشهد القاتم تذكر بما جرى في الصومال قبل حوالي عشرين عاما. ففي الوقت الذي كان اليمن يسارع الخطوات نحو الوحدة ونبذ الانفصال مشى الصومال في طريق التفتت والانهيار.
الآن يضيف محمد أبو الفضل لا يزال البلد القابع في حضن القرن الإفريقي على حاله في حين تقول مؤشرات كثيرة إن التحديات التي تواجه البلد الواقع على الضفة الأخرى قد تجبره على الدخول في نفق “الصوملة”. ليس فقط لأن الموقع الجغرافي متقابل أو أن التركيبة الاجتماعية متشابهة لكن أيضاٍ لأن البيئة السياسية حافلة بمطبات وعرة وتعقيدات متشابكة. فصنعاء أخفقت في حل جملة كبيرة من القضايا الاقتصادية الرئيسية. ومع أنها أخمدت عسكريا تمرد الحوثيين في صعدة مؤخرا إلا أن نيرانه باقية تحت الرماد. كما أن ما يوصف بالحراك الجنوبي بدأ ينخرط في المطالبات الداعية إلى الانفصال. وفقدت المعارضة المنضوية تحت لواء “أحزاب اللقاء المشترك” بريقها في التأثير وقدرته على التغيير. ناهيك عن النشاط الملحوظ لتنظيم “القاعدة” الذي استثمر الأجواء السابقة لتقوية مركزه الأمني وزيادة تغلغله في النسيج اليمني وهو ما جعل جزءاٍ معتبراٍ من الاهتمام الإقليمي والنشاط الدولي يتجه نحو اليمن قلقاٍ على مستقبله وخوفاٍ من مواجهة شبح “الصوملة”.
دور الحكومة المركزية
ويستطرد محمد أبو الفضل قائلاٍ : يتعزز القلق والخوف معا بسبب فشل الحكومة المركزية في القبض على تلابيب كثير من المقاليد الأمنية والاقتصادية وعدم القدرة على التحكم تماما في المفاصل السياسية والاجتماعية. بينما نجحت القوى المناوئة لصنعاء في وضعها تحت ضغط دائم جراء امتلاكها (القوى) مفاتيح نافذة في الداخل وامتدادات مؤثرة في الخارج. كما أن ضعف دعوات التفاوض مع الحوثيين وعدم تمهيد أرضية الحوار مع الجنوبيين جعلا الحكومة غير قادرة على تبديد شكوك قطاعات واسعة من المواطنين. وقد استفادت “القاعدة” وأمثالها من الحركات المتشددة من هذه الفجوة لاستقطاب فئات كبيرة من المحبطين والجهاديين لتدعيم صفوفها وزيادة نفوذها.
ويرى أبو الفضل أنه إذا كانت ملامح الانزلاق إلى سيناريو الصومال تبدو واضحة فإن كوابحه لا يستهان بها. وأبرزها اهتمام بعض الدول العربية المحورية مثل مصر والسعودية بمساعدة الحكومة اليمنية لتجاوز أزماتها المستعصية والحد من تدخلات أوساط إقليمية لديها أجندات وأغراض خفية. وربما تكون الانعكاسات السلبية الخطيرة على منطقة الخليج الحيوية كفيلة بالتلاحم لردع سيناريو التقسيم الغامض. إضافة إلى أن عددا من القوى الدولية المؤثرة لن تسمح للقاعدة بتهديد هذه البقعة الاستراتيجية من البوابة اليمنية وبالتالي سيجد هذا البلد من يدافع عن إبعاده عن شبح “الصوملة” لكنه بحاجة لحوار وطني جاد يحافظ على الوحدة ويعصمها من الانهيار.