تأجل المشهد الانتخابي إلى أواخر أبريل من العام 2011 وبمقتضى ذلك مْدد لعمل البرلمان حتى ذلك الوقت المعلوم ولما اقتضت الضرورة هذا التأجيل وذلك التمديد بدا أن الفرقاء السياسيين لايزالون يعانون من جراء اتفاق فبراير التوافقي بين الحزب الحاكم وأحزاب المشترك.. وبدا ان »العقدة« لاتزال تصارع الأجنحة بين طرفي الاتفاق.. سائداٍ أو يسود المرحلة التي يفترض الجلوس إلى طاولة الحوار ومناقشة القضايا محل الخلاف.. غير أن تداعيات المشهد السياسي بعد اتفاق التأجيل – التمديد.. قد »وضعت« كما يبدو المؤسسة الدستورية الأولى في البلد »البرلمان« في موقف لا يحسد عليه أكثر من ذلك الذي تعانيه الأحزاب السياسية التي تداعت إلى التوقيع على اتفاق فبراير ذلك أن البرلمان بات كمن يبحث عن ضوء في نهاية النفق.. مع التسليم بأن البرلمان لم يكن ليمدد لنفسه لولا توافق الأحزاب خارج قْبته.
ومن هنا بدا »البرلمان« في موقف المتفرج أكثر منه موقف من يضطلع بمسؤولياته.. في حين باتت خيارات كتله البرلمانية تضيق يوماٍ بعد آخر.. خصوصاٍ إذا كانت قراراتها بيد أحزابها أصلاٍ ولم يعد في جعبتها سوى إطلاق التصريحات النارية وتسجيل النقاط على بعضها البعض.. في حين لم يتم تسجيل أي بارقة أمل.. أو انفراج يلوح بالأفق.
استطلاع/ سمير الفقيه
في بداية مارس الجاري وبعد انتهاء جلسة البرلمان بقي عشرون نائباٍ برلمانياٍ لمناقشة تقرير حول أداء المجلس النيابي.. وكان من ضمن ما دار النقاش حوله دعوة الأحزاب الموقعة على طلب تعديل الدستور وتمديد فترة البرلمان الحالي لسنتين إضافيتين.. ومراعاة الوقت اللازم لإنجاز تعديلات الدستور وقانون الانتخابات والمشمول بإصلاحات سياسية وانتخابية بينها نظام القائمة النسبية.
وتكررت الطلبات من المجتمعين إلى رئاسة البرلمان بضرورة دعوة أمناء عموم الأحزاب لمناقشة تعثر اتفاق فبراير فما كان رد نائب رئىس البرلمان رئيس الجلسة وقتها حمير الأحمر إلا التنويه أن وثائق اتفاق فبراير مذيِلة بتوقيعات رؤساء الكتل الحزبية في البرلمان وليس أمناء عموم الأحزاب غير أن أمين عام الوحدوي الناصري النائب سلطان العتواني قاطعه بالقول: إن اتفاق فبراير تم خارج البرلمان فما كان من حمير الأحمر إلا أن وصف تلك الاتفاقات »بالاتفاقات المنزلية« وتابع بالقول: إن الاتفاق الحزبي هو ما تم تحت قبة البرلمان وعلى ضوئه تم التمديد للنواب الحاليين وفي ذات الاتجاه كانت الإشارة من النائب محمد قاسم النقيب إلى أنه ليس من اختصاص مجلس النواب دعوة أمناء عموم الأحزاب مؤكداٍ أن الأمر من اختصاصات رئيس الجمهورية.
ولعل هذه الجلسة كانت الأبرز في البرلمان بعد بدء فترة انعقاده الجديدة التي بدأت أوائل شهر شباط فبراير.. ولعل المرحلة القادمة لن تشهد أكثر من دور للبرلمان سوى المطالبة والمناشدة للأحزاب الموقعة على اتفاق فبراير.. ذلك أن التوافق السياسي الذي أفضى إلى هذا الاتفاق هو الذي أجاز للبرلمان أن يمدد لعمله ومهامه.
التزام أدبي
النائب أحمد الزهيري مقرر كتلة المؤتمر النيابية أكد على أهمية أن ينظر الموقعون على اتفاق فبراير بأنه التزام أدبي وأخلاقي وسياسي.. مشيراٍ إلى أن كتلة المؤتمر مع هذا الاتفاق وقال إن كتلته دعت الموقعين عليه إلى ضــــرورة البدء بعملية الحوار حول ما حواه الاتفاق من قضايا.. بحيث تكون القضايا التي دعينا للحوار عليها مســــتنداٍ إلى مرجعية اتفاق فبراير.
لكنه يستدرك بالقول: إخواننا في اللقاء المشترك يبحثون عن مرجعية أخرى غير تلك التي تم التوقيع عليها في 23 فبراير.. وهو اتفاق فبراير الذي نشأ بموجبه التأجيل للانتخابات والتمديد للبرلمان.. لافتاٍ إلى أن أحزاب المشترك تريد ما انبثق من لجنة الحوار الوطني التي ترأسها حميد الأحمر من أدبيات ووثائق هي المستند وهي المرجعية.. وهذا هو أصل الخلاف اليوم.
وحول ضرورة إيجاد ضمانات وشهود إقليميين ودوليين في حال التوقيع على اتفاق سياسي بين أحزاب المشترك والحزب الحاكم قال الزهيري: نحن ندعو أحزاب المشترك إلى حوار علني وأمام الجمهور وليس في الغرف المغلقة.. وحتى تكون الجماهير شاهدة على أي اتفاق وحتى يرى الجــمهور ويعرف من هو الذي يعرقل الاتفاق والتوافق السياسي.. وتابع: المهم الآن هو ضرورة الإسراع في الجلوس حول طاولة الحـــوار لأن الوقت لم يعد في صالح أحد.
وأكد الزهيري.. صحيح ان الاتفاق الموقع في فبراير هو اتفاق سياسي وليس اتفاق كتل نيابية لكن إذا ظلت الأوضاع تراوح في مكانها فليس أمام البرلمان سوى الالتزام بالدستور والمواعيد الدستورية التي تنظم العملية الانتخابية القادمة.
عملية إلتفاف
من جهته النائب شوقي القاضي من كتلة الإصلاح قال: ينبغي أن نعرف أن اتفاق فبراير أفرز تمديداٍ للبرلمان ولا يمكن أن ينكر أحد أن هذا التمديد والتأجيل لعملية الانتخابات تم في الأصل عن طريق التوافق الذي حدث بين تلك الأحزاب الممثلة بالبرلمان.. محذراٍ أن أي خروج عن هذا الاتفاق سيفرغه من محتواه.. كما أن أي تنصل عما اقتضاه هذا الاتفاق.. سيعد مؤشراٍ خطيراٍ سينتج عنه زعزعة الثقة بين الحزب الحاكم وأحزاب المشترك وأشار إلى أن معظم المشكلات الحاصلة اليوم بين طرفي الاتفاق هو عدم وجود الثقة الأمر الذي للأسف سيقود البلد إلى دهليز مظلم.
وأضاف: هناك من يزعم اليوم أن المجلس قد مدد لمهامه من تلقاء نفسه.. كما يزعم رئيس كتلة المؤتمر وهذا نوع من الالتفاف.. وينحو بالعملية السياسية في البلد إلى منحى خطير جداٍ.. لافتاٍ إلى أن مثل هذه التصريحات قد تؤدي إلى انسداد آفاق الحوار مؤكداٍ أن المعارضة قد لا تستطيع السيطرة على مكوناتها القاعدية إذا ظلت سياسات الحزب الحاكم تسير في هذا الاتجاه.
مكون مؤتمري
وتابع القاضي بالقول: إن الذي يتنصل اليوم من استحقاقات اتفاق فبراير ليس الطرف الضعيف.. وإنما الذي يمسك بمقاليد السلطة والقوة والثروة.. وإلا فلماذا لا نستدعي أطرافاٍ دولية كالاتحاد الأوروبي مثلاٍ الذي كان شاهداٍ على عدة حوارات سابقة بين السلطة والمشترك.. حتى نعرف أكثر من هو الذي يماطل ويتنصل من الاتفاق.. مؤكداٍ أن هناك مكوناٍ سياسياٍ في المؤتمر الشعبي العام يشعر أن أي اتفاق جاد بين المؤتمر والمشترك سيفقده مصالحه وعناصر نفوذه وقوته.. وبالتالي فإن هذا المكون يسعى إلى تعطيل أي حوار جاد.
وختم القاضي بالقول: من لا يرحم نفسه لا يرحمه الله ولا يرحمه الناس.. فالكرة اليوم في ملعب الشارع السياسي.. غير أن 75٪ من مكونات اللعبة بيد المؤتمر الشعبي العام و25٪ منها بيد المشترك.. كما أن على المؤتمر أن يبادر إلى القبول بوجود شهود إقليميين ودوليين كلما تم التوقيع على أي اتفاق سياسي في المستقبل.
كلام مردود
من جهته النائب سنان العجي قال إن الذين يتحدثون عن أن الحكومة قد ذهبت لمؤتمر لندن لكي تنشر غسيلها فهذا كلام غير جائز وغير دقيق فالحكومة رأت أن هناك اختلالات وأن العالم قد تنبه إلى خطورة تلك الاختلالات فبادر إلى مساعدتنا.
وعن تنصل المؤتمر من استحقاقات اتفاق فبراير أكد العجي.. فلتبادر أحزاب المشترك إلى تلبية دعوة المؤتمر التي تكررت أكثر من مرة وفي غير مناسبة إلى الجلوس حول طاولة الحوار.. والتفاهم حول مجمل القضايا التي تطرق إليها اتفاق فبراير.. وأضاف: نحن نتمنى على الأخوة في أحزاب المشترك كبرلمانيين أولاٍ أن يكونوا مع الوفاق وأن وظيفتهم البرلمانية تحتم عليهم الاضـــــطلاع بمهامهم الدستورية.
وتساءل العجي: لماذا لا تجلس الكتل البرلمانية الممثلة لمختلف الأحزاب للتشاور والتحاور حول مجمل القضايا مشيراٍ إلى أن كتلة المؤتمر جاهزة للجلوس والتباحث والتحاور حول مختلف القضايا لكن يبدو أن كتلة المشترك غير جاهزة بعد لذلك.. ولفت العجي إلى القول: أنا لا أنكر أن هناك جناحاٍ من مجموعة أشخاص في المؤتمر الشعبي العام لا تريد للحوار أن ينجح كما لا استبعد أن هناك تياراٍ في المشترك لا يريد للحوار السياسي أن يرى النور.. وكلاهما له مصالح شخصــــية وأساليب ابتزازية لا تزال تعـــرقل عملية الوصول إلى حل سياسي والخروج من حالات الشحن السياسي السائد اليوم.
الوقت ينفد
وحذر النائب العجي من نفاد الفترة المتبقية من عمر التمديد حيث لم يبق سوى ١١ شهراٍ على فترة التمديد.. وتابع بالقول: نحن من أجل ذلك اقترحنا تشكيل لجنتين برلمانيتين لمناقشة بنود اتفاق فبراير.. وإلى الآن لم يصلنا الرد من كتل أحزاب المشترك مشيراٍ إلى أن الكرة الآن في مرمى أحزاب المشترك في حين أن المؤتمر ليــــس لديه من خيار حتى الآن سوى الحوار والإسراع بتطــــبيق الآليات التي تسرع من تنفيذ اتفاق فبراير.
خيارات موضوعية
النائب عبده حذيفي قال: ليس هناك قضية ذات درجة عالية من الأهمية.. مثل التوافق على القضايا الوطنية.. وتجنب عرقلة الحوار بشأنها.. لذا على أحزاب المشترك ألا تكون دائمة التمسك برأيها والمؤتمر يجب أن يكون موضوعياٍ في طرحه وكلاهما يجب أن يقدم تنازلات..
فالقضية الوطنية – برأيه – لم تعد تحتمل مزيداٍ من المكايدات والمزايدات وخصوصاٍ ونحن قادمون على مرحلة سياسية مهمة ودقيقة.
وجدد النائب حذيفي تمسكه بالبرلمان كسلطة تشريعية ودستورية وجزء من الأمة إلى جانب مهماته الدستورية المحددة في التشريع والرقابة.. لافتاٍ إلى أن البرلمان أصبح جزءاٍ من الإشكالية الحالية الواقعة بين السلطة والمعارضة.. والمصلحة الوطنية تقتضي على البرلمان وضع مصلحة الوطن العليا نصب عينيه بعيداٍ عن سياسة تضييع الوقت.
وأضاف حذيفي: إنه إذا استمرت سياسة تضييع الوقت وإهداره.. فإن على البرلمان أن يضطلع بمهامه خاصة في حالة ضاقت الخيارات المتاحة.. ولم يبق سوى هذا الخيار.. وهو تحديد موعد الانتخابات القادمة وتعــــيين المهل الدســـتورية لذلك.. غير أن النائب حذيفي يأمل أن يكون هناك ضوء في نهاية النفق.. وأن يظل هناك مكان للتوافق بين الأحزاب الممثلة في البرلمان على مختـلف القضايا الخلافية.
تهيئة الأجواء
الدكتور صالح السنباني عضو البرلمان عن كتلة الإصلاح قال: بالنسبة لاتفاق ٣٢/ فبراير/٩٠٠٢م الذي كان مشروطاٍ بثلاث نقاط وهي تهيئة الأجواء والمناخات السياسية لإجراء انتخابات حرْة ونزيهة وإطلاق المعتقلين والمتظاهرين سلمياٍ من السجون وإيجاد جو من التفاهم والوفاق بين المؤتمر واحزاب المشترك والشروع في التعديلات الدستورية وتعديل قانون الانتخابات القادمة وفقاٍ للتوافق على نظام القائمة النسبية التي ارتضتها الاحزاب الممْثلة بالبرلمان وكذا إعادة تشــكيل اللجنة العليا للانتخابات وإعادة النظر كلية في السجل الانتخابي.. حيث تم بناء على هذه النقاط التمديد لعامين لمهام البرلمان خارج إطار الدستور وبتوافق الاحزاب الممثلة بالبرلمان.
وبالتالي.. كان من المفترض أن تبدأ الأحزاب فور تمديد عمل المجلس الشروع في البحث في هذه النقاط.. كي تستطيع إجراء الانتخابات في مواعيدها الدستورية المحددة.
ويتابع الدكتور السنباني بالقول: لكن للأسف فإن المؤتمر الشعبي العام الذي كان حريصاٍ على التمديد لأربع سنوات وليس سنتين فقط .. ظل يماطل في البدء في تنفيذ هذا الاتفاق.. الأمر الذي يجعل من الفترة المتبقية من عمر التمديد.. فترة حرجة للغاية.. وهذا يشير إلى وجود نوايا مبيتة للوصول إلى نقطة تمديد أخرى.. تمتد لسنتين إضافيتين.
بارقة أمل
ويشير السنباني.. إلى وجود بوادر امل.. تلوْح في الافق حول مستقبل العملية السياسية والحوار حول تنفيذ آليات اتفاق فبراير.. وذلك من خلال أن تكون هناك لجنة من المؤتمر الشعبي العام وحلفائه توازي اللجنة التحضيرية المنبثقة عن لجنة الحوار الوطني التي ضمت قيادات احزاب المشترك.. وقيادات وطنية واجتماعية.. واسعة من أطياف المجتمع اليمني.. بحيث تكون لجنة المؤتمر الشعبي العام مكافئة وموازية للجنة التحضيرية.. بحيث تبدأ اللجنتان بالجلوس معاٍ حول طاولة الحوار.. والتباحث حول مختلف القضايا الخلافية.. لافتاٍ أن هناك مشاورات حول هذا الاقتراح.. الذي لقي قبولاٍ.. حتى الآن لدى شركاء العملية السياسية..