محمد عبدالرحمن المجاهد
انعقد خلال الأيام القليلة الماضية مؤتمر الرياض المخصص لدعم التنمية في اليمن وذلك بناء على ما خرج به مؤتمر لندن الأخير وقبله مؤتمر المانحين من قرارات وتوصيات بعضها ملزمة للدولة اليمنية تنفيذها والتي منها معالجة الاختلالات الحاصلة في الجانب السياسي والاقتصادي والإداري ومكافحة الفساد الذي لم يعد خافيا ولا مستورا على أحد في داخل البلاد أو خارجها حتى أصبح في طغيانه يمثل عقبة كأداء في طريق التنمية وعامل خوف وفزعاٍ لكل أبناء البلد وأيضا عامل إحباط للقوى الخارجية يجعلها تتردد كثيرا عن تقديم أية قروض أو مساعدات أو معونات تدعم المسيرة التنموية في بلادنا.
ذلك لأنه لو قام أي أحد أو أية جهة بعملية حسابية بسيطة وأجرت حصراٍ كاملاٍ شاملاٍ للقروض والمساعدات والمعونات التي حصلت عليها بلادنا منذ قيام النظامين في شطري الوطن سابقا وبعد إعادة الوحدة المباركة وحتى الآن سيكتشف أرقاماٍ مهولة كان يمكن أن تحدث نهضة تنموية جبارة في كافة المجالات التنموية وغيرها إذا وجهت وصرفت في ما حدد لها وفي الجوانب التي تحتاجها البلاد ولم تذهب أغلبها لأمور يعرفها الناس جميعا بعيدة عن المصلحة العامة تتمثل بالقصور والعمارات الفارهة والمزارع الخاصة الواسعة والشركات والمؤسسات التجارية والاستثمارية لفلان أو علان من ذوي النفوذ والمتنفذين.
وإذا حصل وتم شيء للصالح العام فغالبا ما يعتريه القصور وبصورة مبالغ فيه بحيث يلتهم كل المبالغ التي خصصت له بأضعاف وهذا هو ما يجعل الكثيرين من الحريصين على مصلحة البلاد يتمنون على الدول المانحة أو غيرها التي قدمت أو ستقدم القروض أو المساعدات والمعونات أن تغير آليتها بحيث تكون قروضها ومساعداتها ومعوناتها عينيا تتمثل بمشاريع تنموية تشمل كافة المجلات مبتعدة عن الإقراض النقدي.. أي أن عليها أن تطلب من الحكومة اليمنية ومسئوليها تحديد المجالات التي تريد استحداثها أو إنشاءها سواء في الجانب التربوي أو العلمي أو الزراعي أو الصحي أو غيره حتى تقوم تلك الجهات أو الدول المانحة بتنفيذ ما يطلب منها تحت إشرافها عبر مكاتب لها وتسلمها للدولة عند الانتهاء منها كما كان يحدث سابقا من بعض الدول الشقيقة والصديقة كدولتي الكويت والإمارات العربية والصين الشعبية (التي سبق لها عندما ساعدت ونفذت طريق الحديدة صنعاء أن وفرت من المبلغ المحدد لذلك المشروع مبلغا كبيرا نفذ به مصنع الغزل والنسيج بصنعاء) اللاتي أنشأت العديد من المنشآت الصحية والتربوية وفي مجال التعليم الجامعي والتدريبي وفي مجال الطرقات وغيرها من المشاريع الخدمية التي بنيت واكتملت في أوقات قياسية ولا تزال قائمة يذكرها المواطنون ويدينون بالامتنان لمن أنشأها وقدم الدعم لها.
ولكن عندما تغيرت الآلية وصارت الدول والجهات الخارجية تقدم قروضها ومساعداتها ومعوناتها بالنقد المالي لحساب الجهات المختصة في السلطة اليمنية وحدث التمرد على تلك الآلية السابقة سواء من الدول المانحة أو من السلطة اليمنية تنمر الفساد وعلا صوتهوشمر الفاسدون والمفسدون عن سواعدهم فجعلوا البلاد أشبه بـ (منياس) أو كـ(قربة مخزوقة) حسب تعبير العامة أو بالفصحى كـ(جهنم كلما ملئت تقول هل من مزيد) فمهما حصلت البلاد من قروض أو مساعدات ومعوناتلا يعلم مصيرها إلا علام الغيوب والراسخون في العلم فلا يظهر لها أثر اللهم النزر اليسير لأن الفساد يطغى على كل شيء والمفسدون يلتهمون ويبتلعون كل خير سواء في باطن الأرض أم في ظاهرها.
ولم يفلح معهم لا جهاز رقابة وتفتيش ولا هيئة مكافحة الفساد ولا الرقابة البرلمانية ولا رقابة المجالس المحلية وذلك لأن للفساد هيمنته وللمفسدين طغيانهم وجبروتهم فلا يجرؤ على الاقتراب منهم أحد خوفا من العواقب التي قد يكون أهونها المحاربة والمضايقة في لقمة العيش ثم التجاهل وعدم الاهتمام بكل ما تفعله كل الأجهزة الرقابية وأحيانا يكون ناتجاٍ عن إهمال وتقاعس وفساد في تلك الأجهزة الرقابية التي لم تعد تؤدي واجبها على النحو الأفضل ولا تمارس نشاطها إلا على الضعفاء بل ونزهائهم الذين يمثلون الحلقة الأضعف في التكوين الوظيفي.
ولذلك يتمنى الجميع على قيادة البلاد والعباد إذا أرادت تنمية حقيقية وأرادت تجفيف مداخل الفساد والمفسدين أن تتفق مع الجهات والدول المانحة أن تكون قروضها ومساعداتها ومعوناتها على شكل مشاريع تقوم تلك الدول بتنفيذها عبر مكاتب لها تستحدث لهذا الغرض وتحت سمع وبصر السلطة ومتابعتها وفق احتياج التنمية في البلاد ولا تكون المساعدات والقروض نقدية إلا للضرورة التي ربما تحتاجها السلطة والبلاد لجوانب لا تتجسد بالإنشاءات أو غيرها. وبذلك تستفيد البلاد ويستفيد عباد الله من كل الخيرات التي تأتي من الخارج فلا تشكل عبئاٍ يتحمله الوطن دون أن يستفيد منه ويكون المستفيد الأوحد هم زبانية الشيطان وأركان الفساد والمفسدين الذين أساءوا لسمعة الدولة والبلاد وجعلوا الآخرين في الخارج يحجمون عن تقديم العون والمساعدات ويقللون من قروضهم لنا إلا باشتراطات وأعتقد جازما أن قيام الدول المانحة بتنفيذ المشاريع التنموية والإشراف عليها تحت متابعة السلطة والجهات المختصة فيها سيكون عاملاٍ مهماٍ للحد من الفساد وعامل تقليص وتقليماٍ لأظافر المفسدين وكف أيديهم عن خيرات البلاد وتجفيفاٍ لمصادر إفسادهم.
فإذا ساءت سمعة أي بلد ضاعت ثقة الآخرين فيه وبسلطته ولا أعتقد أن أحداٍ يرضى بهذا أبدا إلا من فقدوا الولاء الوطني وباعوه للآخرين فلا يعقل أن نطلب القروض والمساعدات والمعونات والبلاد تشاهد فيها من مظاهر النعمة والثراء والترف ما قد يفوق الآخرين من قصور وعمارات عالية فارهة وشركات ومؤسسات خاصة ومزارع واسعة لأشخاص يعرفهم الناس أنهم إلى وقت قريب كانوا لا يملكون شيئا من حطام الدنيا فذلك ينبئ أو يعطي إنطباعاٍ بعدم حاجة البلاد لأية مساعدة أو معونة أو قروض فما فيها يكفي لإقراض الآخرين ومساعدتهم.ولكن ما يبعث على الاطمئنان أن الكل سواء في الداخل أو في الخارج صار يدرك أن كل تلك المظاهر المتمثلة بالقصور والأملاك الخاصة بكل أنواعها ليست ملكا للبلاد وإنما هي تحكي واقع سطوة وهيمنة الفساد وتنبئ بأن موارد وخيرات البلاد يذهب أغلبها إلى كروش وجيوب الفاسدين والمفسدين.. وذلك ما يجعل الكثيرين من الناس يطمحون ويأملون أن تكون كل القروض أو المساعدات والمعونات التي ستأتي إن شاء الله تعالى في المستقبل تنفذ وتصرف للصالح العام وللتنمية الحقيقية فلا تذهب لمن لا يستحقونها أبدا أو لجوانب لا تخدم التنمية الحقيقية وإلا لا نلوم إلا أنفسنا إذا جفت عنا موارد الدعم الخارجي والمساعدات السخية فذلك سيكون عاقبة التساهل في مكافحة الفساد وتجاهل أضراره..
almujahed_mohammed@yahoo.com