لا جدوى من الحديث عن آليات الحكم الرشيد والمؤسسي ما لم تكن هناك بيئة قانونية وسلطوية تنطلق منها مؤسسات الدولة التي تحفظ سيادة الدولة وهيبتها إزاء ما يجري اليوم من تلاعبات ومسلسل احتكارات تطال الحياة المعيشية للناس.. وليس أقل من ذلك ما يحدث اليوم من تدوير لزوايا الأزمات.. تارة في احتكار مادة »الديزل« وإعدامها وتهريبها وأخرى في تغييب مادة »الغاز المنزلي« الذي تجاوزت أزمته الأسبوعين.. حتى أضحى ذلك مسلسلاٍ يبعث على الملل حيناٍ وأحايين كثيرة على البكاء.. وذلك للحال الذي وصلنا إليه.. والمضحك المبكي أن يطل علينا أحد المسؤولين المعنيين بتوفير هذه السلعة الضرورة إلى القول بوجود »تقطعات« على خط صافر – مارب – صنعاء.. ولا ندري هل يشعر ذلك المسؤول بفداحة ما يقول والرمزية المؤلمة التي ترمز إلى ثنايا ما يقول عن وجود »تقطعات«.. وتداعياتها على المسؤولية الأخلاقية والقانونية المترتبة على سلطات الدولة إزاء ظاهرة »التقطعات«.. لأن المواطن العادي ستتبادر إلى ذهنه تلك المقولة البديهية: وأين هي الدولة.. ودورها وسلطاتها في مكافحة هذه التقطعات.. وكيف يمكن أن يكون للقانون سلطة رادعة.. ضامنة لمعاييش الناس وأمن معيشتهم.. إذا كانت الدولة لا تستطيع أن توفر لمواطنيها أبسط متطلبات الحياة المعيشية والضرورية من ماء وغاز وكهرباء.. وكيف يمكن القول بعد ذلك بوجود بيئة جاذبة وواعدة بالاستثمارات إذا كان عنصرا الأمن والاستقرار.. مرهونين بجماعات ساخطة على غياب الخدمات في مناطقها.. فلجأت »للتقطعات« للضغط على الدولة وإحراجها.
إنها لمفارقة خطيرة وغريبة في آن معاٍ إننا قتلنا أنفسنا ورشات وندوات وفعاليات حول آليات الحكم الرشيد ودولة القانون والمؤسسات.. في الوقت الذي أصبحت بعض السلع الحياتية الضرورية تحت رحمة مجموعة من »المتقطعين«.. ويبدو أننا للأسف.. مجتمعاٍ ودولة.. لم نغادر بعد »دولة رعايا« إلى دولة »مواطنين«..
سمير الفقيه