كتب/ عبدالله سيف:
تواصلاٍ مع موضوع القروض والمساعدات الذي نشر الأسبوع الماضي نستكمل في هذا العدد استعراض ما تضمنه تقرير اللجنة المالية في مجلس الشورى بشأن دراسة وتحليل نتائج التقارير الصادرة عن وزارتي المالية والتخطيط والبنك المركزي اليمني حول المديونية الخارجية والمساعدات والمنح الخارجية ومستوى التنفيذ والإنجاز للمشاريع المختلفة خلال العام 2008م والنصف الأول من العام الجاري 2009م.
حيث ترى اللجنة المالية في مجلس الشورى في تقريرها أن التقارير الصادرة عن الجهات المسؤولة عن إدارة القروض في الجمهورية اليمنية تعكس ضعف القدرة الاستيعابية للقروض وتعثر السحب منها وعدم توجيهها التوجيه الصحيح إضافة إلى عدم متابعة المؤسسات التي تسلمت تلك القروض للسداد في المواعيد المحددة وبموجب الاعتمادات المتوفرة في موازناتها الأمر الذي يظهر الحاجة الملحة إلى سرعة تنظيم هذه الإجراءات عبر إصدار قانون الدين العام ولائحته التنفيذية وتحديد مسؤوليات إدارة الأموال المقترضة.
وذكر تقرير اللجنة المالية بمجلس الشورى أن هناك شبه مقاربة لمجموع الأقساط والفوائد مع المسحوب من القروض الخارجية في عام 2008م أي أننا أوصلنا الوضع إلى الدوامة المستمرة للاقتراض الخارجي بحيث ما نحصل عليه ندفعه للخارج وتبقى أرصدة الديون عبئاٍ على اقتصاد البلاد وعلى الأجيال في المستقبل.
وأشار التقرير إلى عدم استخدام بعض القروض العامة الخارجية بشكل منتظم ومنظم سواء من حيث دراسة الحاجة الفعلية لها أو شروطها المختلفة أو خطواتها الإجرائية أو من ناحية مكونات استخدامها من حيث حجم الأجور للعمل الفعلي والاستشارات قبل وأثناء وبعد تنفيذ القرض العام مما يساهم في انخفاض العائد الاقتصادي الفعلي لتلك القروض على اقتصاد البلاد لافتاٍ بأن تركز الاقتراض من المؤسسات الدولية بنسبة كبيرة له مخاطر تتلخص في اعتبار تلك المؤسسات الدولية المصدر الكبير للاقتراض وقد يرافق ذلك ضغوطاٍ اقتصادية أو مالية يفرضها المقرض على المقترض كما حدث في التجارب التاريخية للدول الأخرى التي فيها الكثير من الصور التي تعكس تلك السلبيات.
مسحوبات القروض
أوضح تقرير اللجنة المالية بمجلس الشورى أن المسحوب من القروض العامة خلال العام 2008م بلغ (278 . 4) مليون دولار بانخفاض مقداره (87 . 6) مليون دولار وبنسبة 24٪ عن العام 2007م الذي بلغ فيه إجمالي المسحوب من القروض مبلغ (366) مليون دولار.. مشيراٍ إلى أن على الجهات المعنية دراسة أسباب هذا الانخفاض الكبير ومعالجة تلك الأسباب كون التمويل المتاح من القروض العامة الخارجية يمس الجانب الاستثماري العام.
وبينت اللجنة المالية بمجلس الشورى أن تقرير وزارة التخطيط والتعاون الدولي يشير إلى أن العام 2008م شهد استقراراٍ في مستويات السحب والاستخدام من معظم القروض الخارجية الجارية باستثناء بعض القروض الخاصة بالمشاريع المتعثرة والتي انخفض معدل السحب منها حيث بلغ إجمالي المبالغ المسحوبة من القروض مبلغ مئتين وأربعة وسبعين مليوناٍ وأربعمائة ألف دولار أميركي.
كما يظهر تقرير التخطيط والتعاون الدولي أن إجمالي السحب من القروض خلال النصف الأول من عام 2009م بلغ (107 . 1) مليون دولار أميركي في حين يظهر أن إجمالي القروض الخارجية الجارية من مختلف المصادر بلغ (3 . 217) مليون دولار.
في حين تقرير البنك المركزي يظهر أن إجمالي المبالغ المسحوبة للفترة يناير – يونيو 2009م مبلغ 99 . 64 مليون دولار مقارنة بمبلغ 153 . 70 مليون دولار أي بنسبة انخفاض 35٪ لذات الفترة من العام 2008م ما دعا البنك في تقريره إلى دعوة الجهات المعنية إلى دراسة أسباب هذا الانخفاض الكبير ومعالجة تلك الأسباب نظراٍ للتحديات الكبيرة التي يواجهها الإنفاق العام نتيجة للأزمة المالية العالمية.
تدني السحب.. وتأخير المشروعات
وحول مشكلة عدم أو ضعف السحب من القروض الخارجية أوضحت وزارة التخطيط والتعاون الدولي في تقريرها المعد إلى مجلس الوزراء بناء على أمر منه برقم 40 لسنة 2009م بداية هذا العام أن تدني السحب من القروض والمساعدات الجارية قد أدى إلى تأخير المشروعات الجارية الممولة من تلك القروض والمساعدات في قطاعات مختلفة مثل الكهرباء التي بلغ إجمالي القروض الممنوحة له (540) مليون دولار والمنح والمساعدات الجارية (3 . 5) مليون دولار في حين ما تم سحبه من القروض بلغ (297 . 9) مليون دولار ما نسبته 55 . 2٪ إلى إجمالي القروض فيما بلغ المسحوب من المنح في هذا القطاع (2 . 6) مليون دولار ما نسبته 76٪ وقد أظهر التقرير بعض الأسباب لذلك والتي لخصها في تراجع السحب لمشروع الطاقة الكهربائية وتعزيز شبكات التوزيع الممول من البنك الدولي والبنك الإسلامي بسبب ضعف أداء الاستشاري والمكلف بإعداد التصاميم ووثائق المناقصات لمكوني التوليد والتوزيع اللذين يمثلان النسبة الأعلى من تكلفة المشروع إضافة إلى عملية التدخل في أعمال وحدة المشروع والتأخر الكبير في تنفيذ المحطة الغازية الأولى والبطء في حسم تدخلات المواطنين وسوء اختيار الشركة المنفذة لمحطات التحويل وعدم حسم الموضوع في وقت مبكر معها وكذا عدم السحب من قرض الصندوق العربي لعدم البدء في تنفيذ المحطة الغازية الثانية وأيضاٍ عدم السحب من القرض المخصص لمشروع كهرباء حجة رغم مضي عامين على نفاذ القرض.
وأشار التقرير إلى أن الأمر ذاته يحدث في بقية القطاعات الاقتصادية والخدمية المختلفة مثل قطاع المياه والبيئة وقطاع النقل والتعليم والصحة والأشغال العامة والطرق وكذا قطاعات الزراعة والأسماك والصناعة والخدمة المدنية والإصلاح الإداري ونوهت اللجنة المالية في مجلس الشورى في تقريرها بأن هناك ارتباطاٍ وثيقاٍ بين الظروف السياسية والحصول على القروض الخارجية وغدا من المهم أن تتناسب السياسة الخارجية للبلاد مع ضرورة الحصول على القروض ومراعاة عدم تركز تلك القروض في بعض الجهات الدولية الممولة لتلك القروض حتى لا يشكل ذلك مستقبلاٍ ضغوطاٍ ذات صفة ترغم البلاد على انتهاج سياسات ومواقف لا تتلاءم مع مصالحها المحلية أو الإقليمية والدولية.
مشيرة إلى ضرورة الاهتمام بتحسين إدارة القروض الخارجية في اتجاه توحيد القرار في إدارة تلك القروض ونشر البيانات عنها بشفافية تامة وكذا تفعيل كفاءة ومستوى الاستيعاب المحلي للقروض سواء من حيث توفير الدراسات والأراضي والبنية الأساسية المناسبة لتنفيذ تلك القروض أو ضمان تدفقها في مواعيدها المحددة من خلال إيجاد الأجواء الملائمة لذلك التدفق المطلوب وذلك مع الاتجاه نحو التخفيف من الاعتماد على القروض الخارجية لتمويل نفقات عامة في الموازنة العامة للدولة وأن يكون إبرام تلك القروض في أضيق الحدود ولتمويل مشروعات عامة تنموية هامة وملحة مع الاعتماد في ذلك على القروض الخارجية ذات الشروط الميسرة إلى جانب تطبيق مبدأ الشمول في الموازنة العامة للدولة في ما يخص العائد من القروض الخارجية وبحيث تمثل أرقام الموازنة تلك التدفقات كاملة سواء من حيث الايرادات العامة أو النفقات الرأسمالية العامة التي تتم من خلال تلك الموازنة وكذا تطبيق مبدأ المركزية للقروض الخارجية بحيث لا يتم عقد أي قرض مباشر للمحليات لما لذلك من أهمية في توجيه القرار والدراسات عن عقد تلك القروض وتوجيهها التوجيه العادل بما يخدم مصالح المواطنين في جميع محافظات الجمهورية والاستفادة من تجارب الدول الأخرى في مجال الاعتماد على القروض الخارجية.
وأكدت اللجنة في توصياتها أن على الجهات المعنية بإدارة الدين العام العمل معاٍ لتوحيد البيانات والإحصاءات المتعلقة بالدين العام الخارجي لما لذلك من أهمية ومصداقية على الصعيدين المحلي والخارجي.. كما أن على الجهات المستفيدة رفع كفاءاتها وقدراتها لاستخدام الدين في الأغراض المحددة له لما لذلك من أهمية في تمويل الاستثمار إضافة إلى ضرورة الالتزام بالشروط الأساسية للجودة وأبعادها الخمسة المتمثلة في الضمانات الموضوعية وسلامة المنهجية والدقة والموثوقية والمنفعة العامة للقروض وسهولة الاطلاع على البيانات.
وطالب تقرير اللجنة المالية في مجلس الشورى الحكومة بدراسة أسباب تدني السحب من القروض والعمل على معالجة تلك الأسباب بما يعمل على تعويض ما فات خلال الأعوام المقبلة..