منذ عام 1998 بدأت محاولات الولايات المتحدة للقضاء على الزعماء السياسيين والدينيين لكنها لم تحقق شيئاٍ.. فهل معنى هذا عدم وجود خبرة كافية أو إرادة سياسية حقيقية لدى القيادات الأميركية المعنية بهذا الشأن¿
بقلم/ فيليب جرانجرو
ليست مرة واحدة ولا اثنتين أو ثلاثاٍ إنها لا تقل عن اثنتي عشرة مرة ينجو فيها زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن من الاغتيال المستهدف والفخاخ »مصيدة« التي نصبتها له القوة العظمى الأميركية وكما نعرف فقد نشرت الولايات المتحدة قواتها الخاصة وفرق جواسيس وأقامت سجونا سرية غير قانونية وعذبت المعتقلين ونشرت أقماراٍ اصطناعية لملاحقة الإرهابيين خاصة زعيم القاعدة ابن لادن ليس هذا فحسب بل غزت أفغانستان بعدما اعتقدت أن بإمكانها القبض عليه في تلك البلاد فيما أنفقت وزارة الدفاع الأميركية قرابة مليار دولار »706 مليون يورو« شهرياٍ على القوات المقاتلة في أفغانستان.
لثمانية أعوام قضاها في البيت الأبيض أراد الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش إحضار بن لادن حياٍ أو ميتاٍ وكان من أولويات إدارته مطاردته أينما كان. وهو المطاردة المستمرة في العالم حتى من خلفه الرئيس أوباما فقد اتهم هذا الأخير سلفه بأنه راهن على العراق فقط وتجاهل القضاء على الإرهاب ومع ذلك تعهد رئيس البيت الأبيض الجديد بـ»القضاء على أسامة بن لادن ومساعديه في حال تم معرفة أماكنهم«.
في فترة رئاسته حاول كلينتون اختطاف ابن لادن وقتله لكن محاولته لم تجد.. ففي عام 2006 أبدى الرئيس الثاني والأربعون أسفه: »كنت قريباٍ جداٍ من قتل ابن لادن أكثر من أي شخص آخر في ذلك الحين.. وأنا آسف لأني أخفقت في القبض عليه«.
أما السعودي ابن لادن 52 عاماٍ فقد استطاع الهروب والتخلص من ملاحقة القوات الأميركية. وبطبيعة الحال يمكننا القول إن الحظ حالفه كما أن عدم كفاءة مطارديه وتواطؤ بعض الباكستانيين وصعوبة التضاريس الباكستانية وصرف الأنظار بغزو العراق وأخطاء كثيرة للولايات المتحدة سهلت فراره.
غادر السودان بحقائب مليئة بالدولارات
لقد بدا كل شيء واضحاٍ في بداية فبراير 1996 عندما شكلت وكالة المخابرات المركزية الأميركية “سي. آي. آيه” أول خلية خاصة لمراقبة ابن لادن من 15 رجلاٍ.. وهم من الرجال الذين يشتغلون في مكاتب مستأجرة من المبنى الاتحادي بولاية فرجينيا بالقرب من “سي. آي. آيه”. وكان مديرها يدعى مايكل شوير وأطلق عليه في ما بعد “محطة أليك” على اسم ابنه.. عمل شوير في المخابرات المركزية وخلال ست سنوات من عمله فيها كان مسؤولاٍ عن البحث عن زعيم القاعدةº لكنه استقال عام 2004 لعدم توفر الإرادة لدى الطبقة السياسية ورؤسائها وقال إنها فشلت في إدراك أهمية فشل اللعبة مع ابن لادن “الذي تمسك بمبادئ البطولة في العالم المعاصر: الدين والقومية”. في آخر شريط فيديو مسجل نْسب لزعيم القاعدة أسامة بن لادن بدا الشريط غامضاٍ بالنسبة لـ”سي. آي. آيه” الأمر الذي أكد ضرورة قراءة وفهم رائع لكتاب شوير بعنوان (الغطرسة الامبريالية: لماذا يخسر الغرب الحرب على الإرهاب) الذي نشر بموافقة “سي. آي. آيه” رغم اتهامه بأن أفعال الولايات المتحدة تتسبب في إشعال رفض إسلامي عالمي.. ومع ذلك حاول ابن لادن اغتيال شوير مرات عديدة.
في 18 مايو 1996 انتقل ابن لادن من السودان واتجه إلى أفغانستان مع حقائب مملؤة بالدولارات ترافقه أسرته وبعض المقاتلين من تنظيم القاعدة.. وكان ضمن 150 راكباٍ رجالاٍ ونساء وأطفالاٍ صعدوا على متن طائرة عسكرية أميركية كانت تنقل جنوداٍ وتوقف في قطر.
بالنسبة للرئيس كلينتون فقد نجح آنذاك في الضغط على الحكومة السودانية لتنفي ابن لادن من أراضيها مع أن هذا لم يفعل شيئاٍ. برغم ذلك حذرت “سي. آي. آيه” من عمل أي إجراء يفضي إلى خروج ابن لادن من السودان. بالمقابل قال الفاتح عروة وزير الدفاع السوداني: إن “الولايات المتحدة ستتمكن من معرفة أين سيذهب ابن لادن” ولم تكن هذه سوى بداية طريق طويلة. لكن بين مايو 1998 ومايو 1999 بحسب ما يقوله رئيس وحدة مطاردة ابن لادن في “سي. آي. آيه” مايكل شوير: كان لدى المخابرات المركزية الأميركية ما لا يقل عن عشر فرص للقبض عليه أو قتله وإليكم بعضها:
في 19 أغسطس 1998 بعد أسبوعين من الهجمات على السفارتين الأميركية في كينيا وتنزانيا أذن كلينتون بقتل الهدف السعودي. وكانت “سي. آي. آيه” قد عرفت رقم هاتفه عبر الأقمار الاصطناعية وبالتالي لم تكن هناك أي صعوبة لتنفيذ تلك الخطوة وقتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن كما علمت “سي. آي. آيه” عبر التنصت على هاتفه أنه سيقوم بزيارة لمعسكر تدريب القاعدة في خوست شرق أفغانستان. وفي الوقت المحدد للزيارة أطلقت القوات الأميركية عدة صواريخ من سفن قبالة سواحل باكستان لكنها لم تحقق شيئاٍ.
ما الذي حدث في حينه¿
ما حدث أن أسامة بن لادن كان على علم بما سيجري قبل بضع ساعات من الهجومº ويبدو أن من أخبره بتلك المعلومات رئيس الاستخبارات الباكستانية السابق الجنرال حميد غول. وكان الأخير أيضاٍ مقرباٍ من “سي. آي. آيه” عندما كانت تقاتل بجانب الجهاديين لطرد السوفييت من افغانستان في الثمانينات. فبعد وقت قصير من لقاء غول بزعيم القاعدة في عام 1993 أبدى أسفه لترك مقاتلي ابن لادن لكنه منذ ذلك الوقت أيضاٍ يجاهر بموقفه المعادي للولايات المتحدة.
وفي الوقت نفسه أعرب غول هاتفياٍ عبر الأقمار الاصطناعية عن موقفه المناهض للإدارة الأميركية محذراٍ ابن لادن من الخطط الأميركية ضده إلا أن زعيم القاعدة لم يعتبر الاتصال الأخير كفاية.
وفقاٍ لتقرير لجنة 11 سبتمبر ففي ديسمبر 1998 تم محاصرة “الشيخ” في قندهار جنوب أفغانستان. وكان هناك توجيهات بضرب الهدف بصاروخ إلا أنها ألغيت في اللحظة الأخيرة من قبل مدير “سي. آي. آيه” جورج تينيت. ويعود السبب في ذلك إلى خوفهم من تدمير مسجد كان بالقرب من الهدف المقصود. في فبراير 1999 خرج ابن لادن للصيد في منطقة هلمند. وكان حينها “نافذة مرمى” غير متوقعة لأن الرحلة استمرت أسبوعاٍ لكن لم يتم فعل أي شيء حينها فقد اعترض ريتشارد كلارك المستشار السابق لشؤون الإرهاب في البيت الأبيض على فعل أي شيء حيال ذلك.
في غضون ذلك جاء في كتاب للصحفي سيمون ريفرز بعنوان “الثعالب الجديدة 1999” أن “سي. آي. آيه”وممولين سعوديين حاولوا تسميم ابن لادن بجرعة شراب خاصة تقدم له ليس هذا فقط بل دْفع بعميل مأجور من أصل عربي لإنجاز مهمة اغتياله مقابل 267 ألف دولار. ووفقاٍ لريفرز فقد كان زعيم القاعدة يعاني فشلاٍ كلوياٍ. لكن تقرير لجنة 11 سبتمبر في الكونجرس لم يذكر هذه الواقعة.
يوم “الزواج الكبير”
في مايو 1999 كان لدى “سي. آي. آيه” فرص أخرى لقتل ابن لادن (ثلاث منها في 36 ساعة) ولم يحصلوا على الضوء الأخضر بقتله بحسب ما قاله شوير. وقبل هذا استهدفت الولايات المتحدة سفارة الصين في بلغراد بالخطأ. ويمكننا القول إن من تم اختيارهم لتنفيذ المهمة كانوا جنوداٍ سابقين ومع ذلك قال ضابط كبير في الجيش الأميركي “رغم كل هذا كان الجنود المختارون في جيب مسؤولين أميركيين”. وفي أكتوبر 2000 بعد الاعتداء على المدمرة الأميركية “يو أس أس كول” كانت هناك فرصة جديدة لضرب ابن لادن لكن “سي. آي. آيه” تراجعت في اللحظة الأخيرة لعدم التأكد من مكان الهدف.
في يناير 2001 وضع الجيش الأميركي مشروعاٍ جديداٍ لاختطاف ابن لادن تطلب في حينه مساعدة الجيش الباكستاني إلا أن المشروع أجهض بنشر خبر عنه في الصحافة الباكستانيةº ما يؤكد لنا وجود تواطؤ في إسلام أباد يشكل عقبة كبيرة أمام الولايات المتحدة للقضاء على زعيم القاعدة. وفي هذا قال كلارك: “إذا كانت الاستخبارات الباكستانية تريد القبض على ابن لادن فعليهم أن يقولوا لنا أين يختبئ دون إلحاق أي ضرر بهم.. لكن الاستخبارات الباكستانية لا تريد ذلك لأنهم يستفيدون من تنظيم القاعدة للضغط على الهند خاصة في كشمير.
في يوليو من العام نفسه حسبما أعلن مدير “سي. آي. آيه” تينيت وملك الأردن عبدالله الثاني كانت هناك محاولة لاغتيال ابن لادن عندما تم إرسال قرابة 2000 جندي من القوات الخاصة الأميركية إلى أفغانستان لإنجاز هذه المسألة. لكن واشنطن رفضت هذه الخطة لأنها ترى ضرورة أن تكون عملية كهذه جزءاٍ من استراتيجية أوسع.
بعد “الزواج الكبير” (وهو الاسم الذي أطلق على 11 سبتمبر من قبل تنظيم القاعدة) تم نشر قوة دولية حليفة إلى جانب المجاهدين في أفغانستان ما اضطر زعيم القاعدة الفرار إلى باكستان. وفي تورا بورا المنطقة الجبلية على الحدود تمكن ابن لادن من الهروب أيضاٍ بعد مطاردته في ديسمبر 2001م سبب عدم القبض على ابن لادن أو قتله يعود أحياناٍ إلى قلة عدد القوات الخاصة الأميركية في أفغانستان وكذا عدم كفاءة حلفائها الأفغان والباكستانيين في حراسة الحدود. وكان غاري برنستين العضو السابق في “سي. آي. آيه” وهو الرجل الذي أعاق هروب الشيخ من أفغانستان طلب نشر 800 جندي من الفرق الخاصة على الحدود لقطع الطريق أمامه الأمر الذي رفضه البنتاجون.
زعيم القاعدة يظهر لعدة أيام أحياناٍ عند الجانب الآخر للحدود ففي يونيو أكد ليون بانيتا الأمين العام السابق للبيت الأبيض في عهد كلينتون مدير “سي. آي. آيه” أن “ابن لادن ما يزال مختبئاٍ في باكستان.. أما أقرب مساعدي ابن لادن بمعتقل جوانتنامو (خالد شيخ محمد ورمزي بن الشيبة) فقد اعتقلا في كراتشي حيث يمكن أن يكون ابن لادن ومع ذلك فإن له ملجأ آمنا خارج المدن ومن الممكن أن تكون خلف المناطق القبلية بباكستان. وفي 2008 أعاد الرئيس بوش عملية البحث عن ابن لادن – المطلوب رقم واحد في العالم – في المناطق الحدودية لأفغانستان بواسطة هجمات بطائرات دون طيار.. أما خلفه أوباما فقد واصل هذه الطريقة لكن مئات المدنيين لقوا مصرعهم عن طريق الخطأ.
أخيراٍ ما يمكننا قوله إن الطائرات بدون طيار ليست سوى حل واحد.. والحل الحقيقي الوحيد الذهاب إلى أرض المعركة نفسها فقد تحظى القوات الخاصة بفرصة حقيقية لمحاصرة ابن لادن والقضاء عليه.
أما باكستان فإنها تمنع أي شكل من أشكال التعدي على سيادتها الإقليمية ما يعيق واشنطن عن المجازفة أو الإساءة لأي بلد تعتبره “حليفاٍ” خصوصا إذا تعلق الأمر بأفغانستان أو العراق أو أي بلد مسلم يمتلك طاقة نووية وسكانه 173 مليون نسمة وتريد الولايات المتحدة غزوه.. كل هذا بحجة القبض على ابن لادن..
لثمانية أعوام قضاها في البيت الأبيض أراد الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش إحضار بن لادن حياٍ أو ميتاٍ وكان من أولويات إدارته مطاردته أينما كان. وهو المطاردة المستمرة في العالم حتى من خلفه الرئيس أوباما فقد اتهم هذا الأخير سلفه بأنه راهن على العراق فقط وتجاهل القضاء على الإرهاب ومع ذلك تعهد رئيس البيت الأبيض الجديد بـ»القضاء على أسامة بن لادن ومساعديه في حال تم معرفة أماكنهم«.
في فترة رئاسته حاول كلينتون اختطاف ابن لادن وقتله لكن محاولته لم تجد.. ففي عام 2006 أبدى الرئيس الثاني والأربعون أسفه: »كنت قريباٍ جداٍ من قتل ابن لادن أكثر من أي شخص آخر في ذلك الحين.. وأنا آسف لأني أخفقت في القبض عليه«.
أما السعودي ابن لادن 52 عاماٍ فقد استطاع الهروب والتخلص من ملاحقة القوات الأميركية. وبطبيعة الحال يمكننا القول إن الحظ حالفه كما أن عدم كفاءة مطارديه وتواطؤ بعض الباكستانيين وصعوبة التضاريس الباكستانية وصرف الأنظار بغزو العراق وأخطاء كثيرة للولايات المتحدة سهلت فراره.
غادر السودان بحقائب مليئة بالدولارات
لقد بدا كل شيء واضحاٍ في بداية فبراير 1996 عندما شكلت وكالة المخابرات المركزية الأميركية “سي. آي. آيه” أول خلية خاصة لمراقبة ابن لادن من 15 رجلاٍ.. وهم من الرجال الذين يشتغلون في مكاتب مستأجرة من المبنى الاتحادي بولاية فرجينيا بالقرب من “سي. آي. آيه”. وكان مديرها يدعى مايكل شوير وأطلق عليه في ما بعد “محطة أليك” على اسم ابنه.. عمل شوير في المخابرات المركزية وخلال ست سنوات من عمله فيها كان مسؤولاٍ عن البحث عن زعيم القاعدةº لكنه استقال عام 2004 لعدم توفر الإرادة لدى الطبقة السياسية ورؤسائها وقال إنها فشلت في إدراك أهمية فشل اللعبة مع ابن لادن “الذي تمسك بمبادئ البطولة في العالم المعاصر: الدين والقومية”. في آخر شريط فيديو مسجل نْسب لزعيم القاعدة أسامة بن لادن بدا الشريط غامضاٍ بالنسبة لـ”سي. آي. آيه” الأمر الذي أكد ضرورة قراءة وفهم رائع لكتاب شوير بعنوان (الغطرسة الامبريالية: لماذا يخسر الغرب الحرب على الإرهاب) الذي نشر بموافقة “سي. آي. آيه” رغم اتهامه بأن أفعال الولايات المتحدة تتسبب في إشعال رفض إسلامي عالمي.. ومع ذلك حاول ابن لادن اغتيال شوير مرات عديدة.
في 18 مايو 1996 انتقل ابن لادن من السودان واتجه إلى أفغانستان مع حقائب مملؤة بالدولارات ترافقه أسرته وبعض المقاتلين من تنظيم القاعدة.. وكان ضمن 150 راكباٍ رجالاٍ ونساء وأطفالاٍ صعدوا على متن طائرة عسكرية أميركية كانت تنقل جنوداٍ وتوقف في قطر.
بالنسبة للرئيس كلينتون فقد نجح آنذاك في الضغط على الحكومة السودانية لتنفي ابن لادن من أراضيها مع أن هذا لم يفعل شيئاٍ. برغم ذلك حذرت “سي. آي. آيه” من عمل أي إجراء يفضي إلى خروج ابن لادن من السودان. بالمقابل قال الفاتح عروة وزير الدفاع السوداني: إن “الولايات المتحدة ستتمكن من معرفة أين سيذهب ابن لادن” ولم تكن هذه سوى بداية طريق طويلة. لكن بين مايو 1998 ومايو 1999 بحسب ما يقوله رئيس وحدة مطاردة ابن لادن في “سي. آي. آيه” مايكل شوير: كان لدى المخابرات المركزية الأميركية ما لا يقل عن عشر فرص للقبض عليه أو قتله وإليكم بعضها:
في 19 أغسطس 1998 بعد أسبوعين من الهجمات على السفارتين الأميركية في كينيا وتنزانيا أذن كلينتون بقتل الهدف السعودي. وكانت “سي. آي. آيه” قد عرفت رقم هاتفه عبر الأقمار الاصطناعية وبالتالي لم تكن هناك أي صعوبة لتنفيذ تلك الخطوة وقتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن كما علمت “سي. آي. آيه” عبر التنصت على هاتفه أنه سيقوم بزيارة لمعسكر تدريب القاعدة في خوست شرق أفغانستان. وفي الوقت المحدد للزيارة أطلقت القوات الأميركية عدة صواريخ من سفن قبالة سواحل باكستان لكنها لم تحقق شيئاٍ.
ما الذي حدث في حينه¿
ما حدث أن أسامة بن لادن كان على علم بما سيجري قبل بضع ساعات من الهجومº ويبدو أن من أخبره بتلك المعلومات رئيس الاستخبارات الباكستانية السابق الجنرال حميد غول. وكان الأخير أيضاٍ مقرباٍ من “سي. آي. آيه” عندما كانت تقاتل بجانب الجهاديين لطرد السوفييت من افغانستان في الثمانينات. فبعد وقت قصير من لقاء غول بزعيم القاعدة في عام 1993 أبدى أسفه لترك مقاتلي ابن لادن لكنه منذ ذلك الوقت أيضاٍ يجاهر بموقفه المعادي للولايات المتحدة.
وفي الوقت نفسه أعرب غول هاتفياٍ عبر الأقمار الاصطناعية عن موقفه المناهض للإدارة الأميركية محذراٍ ابن لادن من الخطط الأميركية ضده إلا أن زعيم القاعدة لم يعتبر الاتصال الأخير كفاية.
وفقاٍ لتقرير لجنة 11 سبتمبر ففي ديسمبر 1998 تم محاصرة “الشيخ” في قندهار جنوب أفغانستان. وكان هناك توجيهات بضرب الهدف بصاروخ إلا أنها ألغيت في اللحظة الأخيرة من قبل مدير “سي. آي. آيه” جورج تينيت. ويعود السبب في ذلك إلى خوفهم من تدمير مسجد كان بالقرب من الهدف المقصود. في فبراير 1999 خرج ابن لادن للصيد في منطقة هلمند. وكان حينها “نافذة مرمى” غير متوقعة لأن الرحلة استمرت أسبوعاٍ لكن لم يتم فعل أي شيء حينها فقد اعترض ريتشارد كلارك المستشار السابق لشؤون الإرهاب في البيت الأبيض على فعل أي شيء حيال ذلك.
في غضون ذلك جاء في كتاب للصحفي سيمون ريفرز بعنوان “الثعالب الجديدة 1999” أن “سي. آي. آيه”وممولين سعوديين حاولوا تسميم ابن لادن بجرعة شراب خاصة تقدم له ليس هذا فقط بل دْفع بعميل مأجور من أصل عربي لإنجاز مهمة اغتياله مقابل 267 ألف دولار. ووفقاٍ لريفرز فقد كان زعيم القاعدة يعاني فشلاٍ كلوياٍ. لكن تقرير لجنة 11 سبتمبر في الكونجرس لم يذكر هذه الواقعة.
يوم “الزواج الكبير”
في مايو 1999 كان لدى “سي. آي. آيه” فرص أخرى لقتل ابن لادن (ثلاث منها في 36 ساعة) ولم يحصلوا على الضوء الأخضر بقتله بحسب ما قاله شوير. وقبل هذا استهدفت الولايات المتحدة سفارة الصين في بلغراد بالخطأ. ويمكننا القول إن من تم اختيارهم لتنفيذ المهمة كانوا جنوداٍ سابقين ومع ذلك قال ضابط كبير في الجيش الأميركي “رغم كل هذا كان الجنود المختارون في جيب مسؤولين أميركيين”. وفي أكتوبر 2000 بعد الاعتداء على المدمرة الأميركية “يو أس أس كول” كانت هناك فرصة جديدة لضرب ابن لادن لكن “سي. آي. آيه” تراجعت في اللحظة الأخيرة لعدم التأكد من مكان الهدف.
في يناير 2001 وضع الجيش الأميركي مشروعاٍ جديداٍ لاختطاف ابن لادن تطلب في حينه مساعدة الجيش الباكستاني إلا أن المشروع أجهض بنشر خبر عنه في الصحافة الباكستانيةº ما يؤكد لنا وجود تواطؤ في إسلام أباد يشكل عقبة كبيرة أمام الولايات المتحدة للقضاء على زعيم القاعدة. وفي هذا قال كلارك: “إذا كانت الاستخبارات الباكستانية تريد القبض على ابن لادن فعليهم أن يقولوا لنا أين يختبئ دون إلحاق أي ضرر بهم.. لكن الاستخبارات الباكستانية لا تريد ذلك لأنهم يستفيدون من تنظيم القاعدة للضغط على الهند خاصة في كشمير.
في يوليو من العام نفسه حسبما أعلن مدير “سي. آي. آيه” تينيت وملك الأردن عبدالله الثاني كانت هناك محاولة لاغتيال ابن لادن عندما تم إرسال قرابة 2000 جندي من القوات الخاصة الأميركية إلى أفغانستان لإنجاز هذه المسألة. لكن واشنطن رفضت هذه الخطة لأنها ترى ضرورة أن تكون عملية كهذه جزءاٍ من استراتيجية أوسع.
بعد “الزواج الكبير” (وهو الاسم الذي أطلق على 11 سبتمبر من قبل تنظيم القاعدة) تم نشر قوة دولية حليفة إلى جانب المجاهدين في أفغانستان ما اضطر زعيم القاعدة الفرار إلى باكستان. وفي تورا بورا المنطقة الجبلية على الحدود تمكن ابن لادن من الهروب أيضاٍ بعد مطاردته في ديسمبر 2001م سبب عدم القبض على ابن لادن أو قتله يعود أحياناٍ إلى قلة عدد القوات الخاصة الأميركية في أفغانستان وكذا عدم كفاءة حلفائها الأفغان والباكستانيين في حراسة الحدود. وكان غاري برنستين العضو السابق في “سي. آي. آيه” وهو الرجل الذي أعاق هروب الشيخ من أفغانستان طلب نشر 800 جندي من الفرق الخاصة على الحدود لقطع الطريق أمامه الأمر الذي رفضه البنتاجون.
زعيم القاعدة يظهر لعدة أيام أحياناٍ عند الجانب الآخر للحدود ففي يونيو أكد ليون بانيتا الأمين العام السابق للبيت الأبيض في عهد كلينتون مدير “سي. آي. آيه” أن “ابن لادن ما يزال مختبئاٍ في باكستان.. أما أقرب مساعدي ابن لادن بمعتقل جوانتنامو (خالد شيخ محمد ورمزي بن الشيبة) فقد اعتقلا في كراتشي حيث يمكن أن يكون ابن لادن ومع ذلك فإن له ملجأ آمنا خارج المدن ومن الممكن أن تكون خلف المناطق القبلية بباكستان. وفي 2008 أعاد الرئيس بوش عملية البحث عن ابن لادن – المطلوب رقم واحد في العالم – في المناطق الحدودية لأفغانستان بواسطة هجمات بطائرات دون طيار.. أما خلفه أوباما فقد واصل هذه الطريقة لكن مئات المدنيين لقوا مصرعهم عن طريق الخطأ.
أخيراٍ ما يمكننا قوله إن الطائرات بدون طيار ليست سوى حل واحد.. والحل الحقيقي الوحيد الذهاب إلى أرض المعركة نفسها فقد تحظى القوات الخاصة بفرصة حقيقية لمحاصرة ابن لادن والقضاء عليه.
أما باكستان فإنها تمنع أي شكل من أشكال التعدي على سيادتها الإقليمية ما يعيق واشنطن عن المجازفة أو الإساءة لأي بلد تعتبره “حليفاٍ” خصوصا إذا تعلق الأمر بأفغانستان أو العراق أو أي بلد مسلم يمتلك طاقة نووية وسكانه 173 مليون نسمة وتريد الولايات المتحدة غزوه.. كل هذا بحجة القبض على ابن لادن..
(صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية. ترجمة: وائل حزام- سبأ)
عن الزميلة “السياسية”