ابن النيل
إذا كنا نحن العرب لم ندرك إلى وقتنا هذا على الأقل حقيقة أنه ليس هناك من بين قضايانا المصيرية العليا ما يمكن اعتباره شأناٍ وطنياٍ وما يمكن اعتباره شأناٍ قومياٍ أو أننا لم نشأ أن ندرك ذلك فإن أعداء أمتنا يتعاملون مع مجمل قضايانا – الوطنية منها والقومية – على أنها كل لا يتجزأ بالمقابل..
وفي اعتقادي.. أن ما تشهده بعض المحافظات اليمنية في راهن الوقت من إثارة للفتن والضغائن بين أبناء الوطن الواحد لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون بمعزل عما يجري في المحيط العربي لبلاد اليمن.. من تآمر صريح على ما طال أمد اعتباره القضية المركزية لأمة العرب منذ كانت النكبة الأولى..
ومثلما جرى الالتفاف من وراء ظهورنا على تلك الانتفاضة الشعبية الفلسطينية التي اندلعت في أعقاب انتهاك شارون لحرمة المسجد الأقصى المبارك فقد جرى التآمر بعدها في صيف عام 1994م على أنبل ما تحقق لإنساننا اليمني.. ذات صبح وحدوي لا أجمل ولا أرق حيث الإشهار التاريخي لاكتمال الشخصية الوطنية لبلاده بعد طول تشرذم وانقسام وإن كان أنصار الوحدة قد تمكنوا من حسم المعركة في حينه انتصاراٍ لإرادتهم الحقة وهو ما لم يرق بطبيعة الحال لأي من المتربصين بكل عود أخضر بين ربوع أرضنا الطيبة ممن واتتهم الفرصة في أيامنا هذه.. لتسخير قضية مطلبية خالصة بما يخدم مآرب من يعملون لحسابهم..
ويأتي كل هذا وذاك.. متزامناٍ مع وضعهم اللمسات الصهيونية الأخيرة لمشروع تصفية ما اصطلح على تسميته بالقضية المركزية لجميعنا عبر مسلسل تهويد كل ما هو عربي داخل الوطن المحتل وخاصة في مدينة القدس توطئة لاستبعادها نهائياٍ من محتوى أجندة المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والصهيوني ومن ثم إجبار المغتصبة حقوقهم على الإقرار بمهانة اعتبارها عاصمة أبدية لكيان العدو وهو ما يسعى مغتصبو حقوق أهلنا هناك لتمريره في مغبة انشغالنا بما تيسر افتعاله من خلافات أو اختلافات سياسية أو غير سياسية مع بعضنا البعض..
وبتحييد تلك البلدان التي تحكمها اتفاقات صلح جرى إبرامها منذ أمد ليس ببعيد بين أنظمة الحكم فيها وقادة الكيان العنصري المصطنع كان لابد من إثارة ما يمكن استحداثه من قلاقل داخلية في غيرها من سائر بلدان أمتنا على النحو الذي لامسناه بأم أعيننا وما نزال..
فأهل العراق.. غارقون في وحل انعدام دواعي الأمن والاستقرار بين ربوع بلادهم وأهل الصومال مشغولون بملهاة الاقتتال بين إخوة الدم والعقيدة وأهل السودان يترقبون على مدار الساعة ما قد تجلبه لهم أزمة دارفور إياها من متاعب ومنغصات وإن كانت قضية أبيي قد جرى حسم الخلاف حولها دولياٍ وكان الله في عون لبنان وأهله.. فما تزال عديد ملفاته حافلة بأسباب القلق والتوتر..
ولما كان أهل اليمن هم الأكثر توحداٍ بعميق ثوابتنا ومعتقداتنا من بين بني قومنا وفي ذلك ما يجعلهم غيورين رْبما أكثر من أقرانهم على مالنا من مقدسات دينية في عاصمة فلسطين التاريخية كان لابد من أن تعمل القوى المعادية لإرادة الشعوب في الداخل والخارج على إعادة إنتاج ما سبق وِأِنú استهدف النيل من وحدة عام 1990م.. ذات ليل قبل خمسة عشر عاماٍ أو يزيد على أمل أن يشغل بال جميعهم في هذا التوقيت بالذات إن لم أكن مخطئاٍ..