المعروف في كتب التاريخ والسياسة بل والسائد في معظم البلدان -الغربية طبعاِ قبل الشرقية- أن العلاقة القائمة بين الحكومة والإعلام- باعتباره سلطة رابعة- علاقة متينة تسودها الشفافية وبالتالي العمل التكاملي بين كلا الطرفين.. وهذه بالطبع ليست مصطلحات صوتية أو مجرد كلام للاستهلاك وإنما هي المداميك الاساسية في بنية العلاقة بين الطرفين إعلاما وحكومة.. نعم.. هذا ما هو سائد هناك..
في حين تختلف الصورة تماماٍ في الكثير من دول »العالم الثالث« بشكل عام وبلادنا إحداها والتي تشهد العلاقة بين الإعلام والحكومة الكثير من الاشكاليات بل تكاد هذه العلاقة تكون معدومة وإن وجدت فلأسباب لا تؤدي في أغلب الاحيان إلى تحقيق الهدف الاستراتيجي الفاعل بهذه الشراكة ولمعرفة حقيقة هذه الاشكالية اقتربنا أكثر من المشهد الراهن- إعلامياٍ وسياسياِ- لقراءة واقع العلاقة بين الإعلام والحكومة وأسباب الهوة الشاسعة الموجودة بين الطرفين.. وما هي الحلول الجوهرية المطلوبة لردم هذه الهوة.. الاستطلاع التالي يضع نقاط الموضوع فوق أحرف الغموض حول هذا الموضوع..
في البدء قال سكرتير تحرير صحيفة »السياسية« الصحافي أحمد الظامري أنه ينبغي أن يكون هنالك علاقة صحية بين الإعلام والحكومة على اعتبار أن الإعلام هو مرآة الحكومة لمعالجة جوانب القصور في كثير من مؤسسات ووزارات الدولة.
ولا ينبغي أن تكون علاقة الحكومة مع الصحافي مثل علاقة القط بالفأر وأن تكون هنالك علاقة تكاملية بين الطرفين فعلى الحكومة أن لا تفرق بين الإعلام الحكومي والحزبي والأهلي لأن الإعلام بكل توجهاته يفترض أنه يصب في عملية التنمية.
وعندما يشير الصحافي إلى خلل ما في مؤسسة ما فإنه يساعد الحكومة على أداء واجبها بالشكل الأمثل ومع آجواء التعددية الحزبية وحرية التعبير لابد أن تكون نظرة الحكومة للإعلام نظرة صحيحة تسودها الروح المسؤولة وبأنه جزء مكمل ومساعد في عملية التنمية وليس العكس ونتمنى أن تقوم الحكومة بدورها في ما يخص تحسين الوضع المعيشي للإعلامي وتطوير قدراته وتأهيله والذي بدوره سيصب في نهاية المطاف في رفع قدرات الصحافي وكذلك نتمنى أن تقل الملاحظات الموجودة ضد الاعلاميين وبالمثل ينبغي أن يكون للإعلامي استشعار مسؤول بالثوابت الوطنية والأمن القومي للبلد..
الهوة بين الإعلاميين والحكومة يبلورها الظامري في عدم مصداقية الحكومة مع الكثير من القضايا التي تخص الإعلام منها الكادر الصحافي والذي أعلنت عنه الحكومة في وقت سابق وكان يجب أن تكون هنالك شفافية في ما يتعلق بهذا الجانب المعيشي الهام للصحافي.
نظرة دونية
أما الحلول الجوهرية المطلوبة لتأصيل العلاقة بين الطرفين إعلاميين وحكومة. فيرى الظامري أن أول حل هو شفافية الحصول على المعلومات من قبل الحكومة وهذا ما دعا فخامة رئيس الجمهورية في المؤتمر الرابع للصحافيين إلى تكليف وزير الإعلام كناطق رسمي باسم الحكومة يمد الإعلاميين كل يوم ثلاثاء بالمستجدات التي تتخذها الحكومة. وأن تغير الحكومة نظرتها الدونية للصحافي والإسراع بتنفيذ الكادر الصحافي وإعتماده من موازنة (٠١٠٢م) هو ما سيخلق نوعا من الاستقرار له ما يضمن حيادية قلمه.. عدا العمل على تعزيز مناخ الحريات القائم اليوم والسماح بإنشاء قنوات جديدة غير حكومية ما يتلاءم والمناخ الإعلامي والإقليمي العربي.
تذبذب الثقة
أما رئيس تحرير صحيفة »الديار« الصحافي عابد المهذري فيرى أن واقع العلاقة بين الصحافي والحكومة متذبذب الثقة وتغلب عليه ثقافة التمترس وعقلية البحث عن عدو وفي بلادنا للأسف يحدث عكس ما يفترض في هذا الجانب إذ تتحول الشراكة المفترضة بين الطرفين إلى حالة من التنافر واللامنطق حين نجد المسؤول الحكومي يتعامل مع الصحافي بازدواجية تنعكس في الحذر المفرط من مواجهة الإعلام بعيداٍ عن ألية التصنيف والفرز المرتبط بالوسيلة الصحافية بين صحافة رسمية يخطب ودها لتمجيده وإخفاء عيوبه وإخفاقاته العملية.. وصحافة آخرى محسوبة على المعارضة أو مستقلة يتعامل معها المسؤولون بمهادنة أحياناٍ وغالباٍ بقطيعة وموقف رفض لاعتبارات سياسية لا تخدم القضية مطلقاٍ بقدر ما تفاقم اختلالات العلاقة شبه المعدومة بمعناها الحقيقي على نحو ما يجب أن يكون عليه انطلاقاٍ من تكاملية المصلحة الوطنية.
ويضيف: لعل أسباب الهوة ترجع ربما إلى غياب الفكرة الصحيحة لدى المسؤول أولاٍ وعدم اقتناع الصحافي بالتعامل الحيادي المجرد من الآيديولوجيا والحزبية والانطباع الشخصي والمناطقي وهذه المسميات جميعها للأسف تحدد 80٪ من مسار الصحافة اليمنية وبقدر موازُُ للتأثير الناتج عن ثقل المسؤول ومكانته ومنصبه ليصل الأمر إلى تبعية عائمة وتداخلات مصالح مشتركة غير سوية تشبه التكتلات وتقترب من التشكيل العصاباتي المنظم.. ولا أحد من الجهات المعنية بضبط الإيقاع داخل الملعب الإعلامي لا يلتفت أو يهتم بهذه التفاصيل بل يكرس هذا التفشي الذي يساعد على انحراف العلاقة بين الإعلام والجهاز الحكومي.. ومن هذا التنافر تتولد ثقافة السطحية المحكومة بـــ»ردة الفعل« كطريقة تعامل وحيدة يجيد الجانبان اللعب بأوراقها بوعي ناقص وتفكير أعوج يفقد الصحافة دورها في مساعدة المسؤول على العمل بنجاح أفضل وتحرم المسؤول من الاستفادة من أداة يحتاجها في تحقيق الأداء الذي ينشده لأن العلاقة الحقيقية غير موجودة أصلاٍ ومنعدمة تماماٍ.
إصلاح النية
أما في ما يخص الحلول لهذه الإشكالية فهي لا تكون عبر آراء ومقترحات مكتوبة أو لقاءات »مزاجية« في مقايل قات أو ندوات وزيارات لمغازلة الصحافي أو للتقرب من الإعلام في وقت معين وبسبب ظرف طارئ أو أزمة عالقة.. ذلك أن ردم الهوة لن يكون إلا ببرنامج عملي يبدأ من إصلاح النية لدى المسؤول وتوافر الأجواء المناسبة بوجود نموذج قدوة حكومي كبير يمكنه أن يزيل الفتور ويذيب الجليد الفاصل بين الدولة كمسؤولين والسلطة الرابعة كصناع رأي وقوة تأثير لا يستهان بها.. وأرى أن التعامل الحكومي مع الصحافي بشجاعة وشفافية وبعيداٍ عن اللون السياسي للمطبوعة أو الانتماء للإعلامي سيكون فاتحة المعالجات وسيحد كثيراٍ من انتشار عدوى أكثر خطورة وتمثل هوة أكبر وهي الثقافة الانتهازية التي تفرز صحافة »الابتزاز« وتهيئ الأرضية لثقافة موازية هي ثقافة الاسترزاق وبين الحالتين تضعف الحكومة ويتقزم الإعلام ويخسر الوطن طاقات إيجابية هو في أمس الحاجة إليها.
ويؤكد رئيس المجموعة اليمنية للاعلام الكاتب والصحافي نبيل الصوفي أن العلاقة بين الطرفين إعلاما وحكومة علاقة مختلة فهناك الإعلاميون المرتبطون بالحكومة وهي – أي الحكومة – تتعامل معهم كجهاز وظيفي إداري في حين أن تعاملها مع الصحافيين المستقلين تشبه إلى حد ما تعاملها مع الطرف الأول.. فأصبح هؤلاء الإعلاميون يكتبون باسم السياسي وشيخ القبيلة بل وباسم الجميع!!
التابع والمتبوع
ويؤكد نائب مدير تحرير صحيفة الجمهورية الصحافي خالد حسان أن العلاقة بين الحكومة والإعلاميين أشبه بالعلاقة القائمة بين التابع والمتبوع لأن الحكومة أصلاٍ لا تؤمن بأن للإعلام دورا فاعلا وجوهريا في المجتمع الأمر الذي يجعلها تتعامل مع الإعلام والصحافة بالذات على أنها حاجة فائضة وبالتالي تهمش الإعلاميين ولا تعيرهم أي اهتمام ولا تستجيب لمطالبهم ولا تلبي حقوقهم. رغم أن الإعلام والصحافة يطلق عليها مصطلح »السلطة الرابعة« لما لها من دور هام وجوهري داخل المجتمع في كشف الحقائق ومعالجة الاختلالات وتصويب الأخطاء وتكوين رأي عام حول مجمل القضايا التي من شأنها تحقيق خير ورفاه المجتمع ويصل مدى تأثيرها إلى الحد الذي تكون فيه سبباٍ لتغيير حكومات وسياسات دول..ولكن هذا في البلدان التي تؤمن بأن الصحافة لها من الأهمية والتأثير الكبير والجميع – مواطنين ومسئوولين- يؤمنون بقدرتها على تغيير الواقع إلى الأفضل.. أما في بلادنا فلا شيء من ذلك لأنه يتم التعامل معها كمجرد وظيفة مثلها مثل أية وظيفة أخرى وتأثيرها يكاد يكون معدوماٍ وهي أشبه بالنفخ في “قربة مخرومة”.
لغة الابتزاز
ويرى حسان أن الأسباب التي أدت إلى هكذا علاقة أن المسئولين لا يهتمون بما تنشره الصحف ووسائل الإعلام الا إذا كان مدحاٍ لهم واستعراضاٍ لبطولاتهم وإنجازاتهم أما إذا كانت تتناول مشكلات واختلالات أو تقوم بانتقاد أعمالهم ـ حتى ولو كانوا يدركون جيداٍ صوابية هذا النقد ـ فإن تناولاتهم مغرضة وكيدية تهدف إلى تشويه صورتهم وتلويث سمعتهم.
وفي المقابل هناك بعض الإعلاميين لاتطيب لهم الكتابة إلا وفق منطق المصلحة الشخصية وبلغة الابتزاز ومن أمثال هؤلاء تجد أحدهم عندما تكون لديه مصلحة شخصية معنية في مرفق معين يذهب إلى ذلك المرفق طالباٍ ومستجدياٍ حاجته فإن نال ما ذهب لأجله فإنه يسارع إلى مدح المسؤول الفلاني أو المسؤول العلاني في هذا المرفق أو ذاك جاعلاٍ منه مثالاٍ للإخلاص والشرف والنزاهة ومختلف مصطلحات النفاق والمجاملة مع أنه قد يكون على العكس من ذلك تماماٍ لكن لأنه حقق له مراده فهو كامل الأوصاف لا يعيبه شيئ وهو المسؤول المتفاني الذي لا هم له سوى خدمة المواطن والوطن.
أما إذا خرج خالي الوفاض ولم ينل ما ذهب لأجله فإنه لا يتوانى عن شن هجوم ضد ذلك المسئول و»شرشحته« في مقال أو مقالات يسوق فيها كل ما يجود به القاموس من ألفاظ الشتائم والتجريح والسب والقذف ويضع فيه عيوب الدنيا والآخرة ويتحول المسؤول بجرة قلم من مثال للشرف والنزاهة والتفاني والإخلاص إلى مسؤول فاسد من الدرجة الأولى فيه كل النقائص.
وللأسف هذه النوعية هم الذين يعكسون صورة سيئة عن الإعلاميين بأنهم ليسوا سوى سلعة قابلة للبيع والشراء يكتبون بحسب الطلب ولمن يدفع أكثر وبالتالي ينظر الجميع للإعلاميين نظرة احتقار.
تأصيل العلاقة
أما عن الحلول الجوهرية المطلوبة لتأصيل العلاقة بين الطرفين إعلاميين وحكومة فيجب على الحكومة أن تؤمن بقوة الإعلام ودوره الجوهري كسلطة رابعة ويتم التعامل مع منتسبيه على هذا الأساس وأن تتعامل بجدية مع احتياجات الإعلاميين ومطالبهم كما هو حاصل في كثير من البلدان وبالمقابل يجب على الإعلاميين أن يمارسوا مهنتهم بأمانة ونزاهة من أجل مصلحة المجتمع وليس استغلالها وتسخيرها لأهدافهم الشخصية.
عليهم أن يحترموا أنفسهم وأن يعملوا ضمائرهم في ما يتناولونه من قضايا وألا يكتبوا إلا ما تمليه عليهم واجباتهم وأخلاقهم حول قضايا ومسائل تهم المجتمع بشكل عام وألا يتركوا لأهوائهم أهواءهم تتحكم بما يسطرونه بأقلامهم وإذا ما تحقق ذلك فإن الإعلاميين سيفرضون احترامهم وتقديرهم على الجميع وستصبح العلاقة تكاملية بين السلطتين التنفيذية (الحكومة) والرابعة(الصحافة)..