عدن-استطلاع/ نيزان توفيق
في مدينة عدن فقط ستجد نفسك من الوهلة الأولى تقف أمام عشرات الهويات والأجناس والأعراق والحضارات والأديان ..وستجد المسجد والمعبد والكنيسة جنبا إلى جنب !!
وسيحدثك الأهالي هناك أن عدن احتضنت المسلم واليهودي والدنكلي والهندي والحبشي والمسيحي طيلة عقود من الزمان وحتى الآن وجميعهم كانوا ومازالوا كأسنان المشط .
وفي عدن لن فتصاب بقلق أو مرض من أي نوع برغم انك لا تنام !!
فكيف لك أن تنام أصلا والمدينة بشوارعها بشواطئها ببنيانها وبكل أركانها وزواياها لا تنام !! اذ لا معنى للنوم حتى اليوم في قاموس عدن !!فأرصفة وأزقة حيِ المعلا أو كريتر مثلاٍ بحاجة من الزائر إلى ليالي لكي يستوعب دلالات تلك المعالم المتناثرة في زوايا ونواحي أمكنة عاصرت عدة أزمنة.. أنها أمكنة وأزمنة كثيرون منا ربما لم يعشها أو يزرها ولكن ما أن تصادف هذه المعالم برغم عدم وجود مرشدين يعْرفون الزائر بها إلا أنها ستحدثك من تلقاء نفسها عن تاريخها وسيرة حياتها وستشتكي عن ما آل إليه حالها الموزع بين ثنائية الإهمال واللامبالاة التي أصبحت لاتحسد عليها!! وستجد نفسك تصغي وتصغي لساعات طوال بلا كلأ ولا ماء لأنها ستظل تغذيك وتسقيك أطيب وأعذب روايات عدن ممزوجة بأصالة الماضي وحداثة الحاضر..
وفي عدن لن تجد محلات بيع السلاح الأبيض والصميل الأسود إنما ستجد محلات لبيع الفل الأبيض والبخور الأسود !!
وفي عدن لن تسمع وأنت تتبختر بين شوارعها في منتصف الليل أو عند الظهيرة طلقة نارية بل ولن يكون بمقدورك رؤية قطعة سلاح واحدة !!
وفي هذه المدينة ستجد نفسك كالعادة تتابع ما يدور في شارع السياسة ولكنك لن تتحدث على قارعة الرصيف أو داخل البوفيه أو في الباص .. سياسة !!
برغم أن السياسة في سويداء المدينة منذ الأزل !!
فلا آيديولوجيات ولا ديالكتيكيات في عدن ماعدا آيديولوجية جولد مور وديالكتيكية الصهاريج !!
وجولدمور أو الساحل الذهبي لافرق لايخلو من الزوار والأهالي منذ شروق الشمس وحتى الغروب وفي الصباح ستندهش أن الساحل الذهبي لم يعد ذهبيا إنما مخضرية خضراء !!
فكما هو سائد أن كل إن لم يكن جْل من يقدم إلى الساحل لمضغ القات يترك مخلفاته القذرة على الساحل دونما اكتراث والسلام !!
ففي جولد مور ستحظى بخدمات الراحة التي تساعدك على مضغ القات بمزاج ذي تردد عال!!
كخدمة تأجير المدكى والمفرش والشيشة بمحتوياتها وبأسعار رمزية!!
ولكنك لن تجد سلة أو حاوية واحدة لرمي القمامة على طول ساحل برونق وجمال الجولدمور!!
وتاريخ عدن تتقاسمه احياؤها.. المنصورة البريقة دار سعد المعلا الشيخ عثمان التواهي خور مكسر كريتر صيرة وفي حي التواهي بالذات ستقرأ معظم صفحات هذا التاريخ . ففيها ساعة بج بن ورصيف السياح وكنيسة “رأس مربط” الشهيرة والتي توجد بها عيادتان طبيتان مجانيتان الأولى للعيون والثانية للأمهات والأطفال وستجد الملكة فيكتوريا تجلس وسط حديقة في غاية الروعة بلا حراك منذ العام 1967م !
وسيقول لك الأهالي أنها منذ أربعين سنة لم تبتسم على الرغم من أن عدن تبتسم في وجهها كل صباح !!
عدن تبادلك الحب من النظرة الأولى وتدثرك بالدفء من الليلة الأولى لذا فسطوري هذه ليست عن عدن إنما عن حارة من حواري عدن فأهاليها مايزالون يتحدثون يتساءلون يتحاورون يتهامسون .. كيف يكتبون ¿ ماذا يكتبون ¿ من أين يبدأون ¿ وكيف يسطرون أولى السطور عن عدن ¿!!
فلا تنصتوا لمن تحدث عن عدن ولا تقرأوا عن عدن لأنكم للأسف لن تعرفوا عدن ..ولكن زوروا عدن ..نعم ..زوروا عدن !!