إعلامنا يعجز عن صناعة نجوم في الرياضة أو الفن أو الأدب ومن اشتهر من رمورنا الثقافية كان للإعلام الخارجي دور في ذلك والسياسة تتقدم على شتى الفنون بطريقة فجة وربما لهذا السبب تتسع الروح ويضيق الوطن هذا تصور الشاعر أحمد العواضي الذي كان لنا معه هذا الحوار:
حاورته/ إيمان عبدالوهاب
> عرفت الشاعر أحمد العواضي من خلال قناة النيل الثقافية في برنامج لأحمد الشهاوي إلى أي حد يقوم إعلامنا بدوره تجاه المبدع¿!
>> أتصور ان الإعلام اليمني عاجز عن تقديم ما يدور من إبداع اقتصادي وسياسي وثقافي وفني للمشاهد العربي وذلك لأننا نلغي الكثير في القطرية ليس لنا أجنحة للوصول إلى القارئ أو المشاهد العربي الذي يتجاوز عدده ثلاثة ملايين قارئ أو مشاهد لا يصنع الإعلام اليمني نجوماٍ لا في الأدب ولا الرياضة ولا الفن ودليل ذلك أن البردوني شاعر اليمن الأكبر اشتهر خارج اليمن ودـ المقالح وهو رائد الحداثة اشتهر بسبب تسليط الضوء عليه خارجياٍ أو غربياٍ هناك إبداع كبير في الجامعات العربية وبين الشباب وهناك صيرورة وتغيير ولكن يظل الإعلام عاجزا تماماٍ عن مواكبة هذا التغيير السياسي يتقدم على كل شيء بطريقة فجة وبرغم أن حياتنا ليست كلها سياسة ليترك لهم الفضاء والأرض للعيش من حقنا أن تكون لنا مساحة في الجريدة والإعلام عموماٍ تقدم السياسي على حساب القصيدة وعلى حساب الفن والمحامي والطبيب والرياضي المبدع السياسي أخذ البطولة من كل هؤلاء وهذه ليست نظرة تشاؤمية أو مكايدة سياسية فأنا لست من المعارضة أصلاٍ ولكني أعارض لأن هذه البلاد يجب أن يوجد فيها من يقول لا لهذا الشيء بغض النظر عن المذاهب السياسية وأيضا لا يجب أن نبخس الناس أشياءهم فهناك جوانب مضيئة مساحة الحرية المتاحة في الصحافة القنوات الفضائية مثل السعيدة التي تقدم دورا للسياحة وللفن وفيها الكثير من الفن والقليل من السياسة وهذا مما يحسب لها هذا ليس حكما قاطعاٍ بقدر ماهو إحساس بالمرارة للواقع الإعلامي في بلادنا الذي يعجز عن صنع نجوم أو الإسهام في ظهور الإبداع المغمور لأنهم من يصنعون روح المجتمع . معظم الصحف السياسية كرست لمناقرة الأدياك ولا تحتفي بالإبداع ولا يوجد ملاحق ثقافية تظهر هذا الجانب المهم.
>> لكي أكون موضوعيا أتمنى لكل مبدع ليس في الأدب فحسب بل في الفن والرياضة ومناحي العلوم الأخرى أن يسلط عليهم الإعلام الضوء والملفت أن هذه الملاحق الثقافية تصدر عن وزارة الإعلام وليس الثقافة.
> هل هو تقصير من وزارة الثقافة¿
>> ليس تقصيرا بقدر ما هو سوء استراتيجية في إدارة العمل الثقافي وهو ليس خطأ الوزراء الحاليين هذه مسألة قديمة المثقف أيضا له دور فيهافقد كان هناك تجربة جميلة في ثقافية تعز وكان يقودها الزميل المبدع سمير اليوسفي وكانت من أجمل التجارب الناضجة وكان سمير يناضل من أجل ان تستقل واستطاع أن يأخذ لها ميزانية خاصة وفرحنا بها كثيرا وحين تولى مجلس إدارة الجمهورية نصب لها مشنقة وألغى هذا المشروع الجميل وحولها إلى جريدة مداجنة ليس لها معنى بالإضافة إلى إن بعض الملاحق الثقافية تحكمها الشللية الواضحة ملحق الثورة قدم عملا جيدا كلنا خرجنا من هذا الملحق كجيل كبير ولكن هذا الملحق تقوقع وانحصر في فئة من الناس وأنا نصيحتي للملحق أن يفتح الأبواب وان يتقدم إلى الأمام لأنه معول عليه لأن له سمعته وتاريخه وهو في حالته الراهنة يشوبه القصور.
> من قصيدة النداء الأخير “فبأي اللغات سأبكي ـ وكيف أقاوم هذا الشجن ـ ولماذا إذا تسع الروح ضاق الوطن” هل وجدت حتى الآن إجابة القصيدة أو بالأصح سؤال الشاعر¿
>> نعم هذا تصور الشاعر للواقع وللوطن وليس بالضرورة أن يكون تصور الشاعر تصوراٍ نهائياٍ ولكن يظل للشاعر رؤية وللفنان رؤية وللرياضي رؤية فتكتمل الصورة أنا أرى أنه إذا اتسع الروح ضاق الوطن بمعنى ان ثقافتنا وتقاليدنا القديمة التي ما أنزل الله بها من سلطان طبائعنا تجعل الوطن ضيقاٍ جداٍ فكلما صنعنا منجزات جميلة ننقلب عليها عندما أعلنا الجمهورية بعدها انقلبنا عليها وتصارعنا سبع سنوات وكانت مشكلة حينما قمنا بلم الشمل بالوحدة وهو أعظم منجز تاريخي اتسعت فرحة وضاق الوطن وانقلبنا على هذا المنجز حين ندعو إلى التعدد الحزبي والديمقراطي والتبادل السلمي للسلطة ونمدد الانتخابات سنين بهذا الوضع يضيق الوطن .
>” كل حزن يأوي إلى شجرة القات إلا الذي حزنه جوهرة ” إلى أي فئة تنتمي أحزان الشاعر أحمد العواضي ¿
>> عنيت في هذا النص أن الإنسان في وطني أما أن يكون حزنه نبيلاٍ فيأوي إلى وطن أو إلى صديق أو إلى ابنه او إلى قيمة تجعل للحياة معنى أو يكون حزنه تربي وهو اللجوء والالتصاق بهذه الشجرة الشيطانية التي تسرق من الإنسان ماله ووقته وبهاء وجهه وتسرقه من أهله و أنا تناولت القات في ما مضى ولكني تركته عن قناعة لما يسببه من أضرار واستغرب على رجال الدين والأطباء كيف يسكتون عن توعية الناس بهذا الخطر الفادح والذي بسببه انتشر السرطان لذلك أنا أسجل كراهيتي الشديدة لهذه النبتة الشيطانية.
> “إلى أبي الشهيد .. تاريخ منسي ونبوآت تتحقق ولو ببطء” ماذا ترك الوالد في شخصية ووجدان الشاعر¿
>> والدي رحمه الله ورحم جميع الشهداء أحد شهداء السبعين يوماٍ الذين فتحوا حصار صنعاء وهو عسكري في سلاح المدرعات وهو من أبطال الزمن الجمهوري نحن لا نمن على أحد ولا نريد من أحد أوسمة او نياشين ولكني أتكلم عن حالة التاريخ ,فوالدي كان بطلاٍ وترك تاريخاٍ منسياٍ هو تاريخ الشهداء بشكل عام فنحن لا نرى شارعاٍ باسم حسن العمري صحيح ان هناك شارع على عبد المغني وقد أطلق الاسم في الأيام النقية للثورة ولكن عندما تعكرت الثورة لم نعد نسمع بأن أحد الشوارع سمي باسم أحد الثوار أما بالنسبة للنبوآت التي تتحقق ببطء نبوءات الجمهورية وما حققته من انفتاح لأبواب التعليم وزوال الفوارق الطبقية لذلك فالنبوءات تتحقق ببط وليس بالقدر الذي كنا نحلم به .
> السمح ابن مالك ـ الملك الضليل ـ ابن علوان .. متى يلجأ الشاعر إلى الرمز والأسطورة في بناء القصيدة ¿
>> في رأيي أن الشاعر يلجأ للرمز أو الأسطورة في حالتين الحالة الأولى هي التورية خوفاٍ من الرقيب أو السلطة وهذا ليس في بلادنا فهناك مساحة من الحرية احياناٍ يكون خوفا وأحيانا يكون عملا فنيا معقدا أما الحالة الثانية فقد يلجأ الإنسان للرمز أو الأسطورة عندما يخيب الأمل في الرموز المعاصرة يفتقر الإنسان إلى المثل في واقعه أو بين الأحياء فيلجأ الإنسان إلى شخصية بطولية كالزبيري مثلاٍ واختيار رموز قديمة فيه هجاء للواقع الجاف ربما أبدو متشائماٍ نوعاٍ ما لأن الشاعر في اعتقادي يجب أن يكون ناقداٍ لما حوله فلو اعتبر أن كل شيء على ما يرام فإنه بذلك يكون قد شنق نفسه وانتهى لا بد للأديب ان يدق ناقوس الخطر ليصحو الناس من غفلتهم.
> كلامك يعني أن الشاعر مجرد غراب يوجد حيث يوجد الخراب لينعي ذلك الدمار¿!
>> جزء من مهام الشاعر أن يكون سوداوياٍ وهناك من رواد المدرسة الرومانسية نظروا إلى الحياة نظرة تجهمية وأنا لست منهم في المقابل هناك شعراء نظروا للحياة بتفاؤل وأمل وكلاهما يؤدي دوراٍ وكلاهما يكمل الصورة التي تكون عليها النفس البشرية هناك احتفاء بالفرح بالمقابل هناك تعبير عن الحزن فمهام الشاعر متعددة ويعبر عن حالات إنسانية شتى فهو الغراب وهو العندليب .
> من قصيدة ملل قديم ” ما تبقى من اليوم يمضي كأمثاله في الطريق ـ و المساء يهيئ أحضانه للظلام المديد ـ كل شيء على ما يرام ـ ولكنه لا جديد” ماذا يميز التجربة التسعينية عن الألفية الثالثة أم أنه لا جديد ¿
>> بالطبع هناك جديد وهو تبني قصيدة النثر من قبل الجيل الجديد الشيء الآخر أن الصحافة في الألفية قد أخذت الكثير من الشعراء والأدباء هناك نوع من التبني ولم يعد الشعر موجهاٍ للسياسة أصبح فيه نوع من الذاتية والمشهد الثقافي حافل بالأقلام النسائية وأنا لا أريد أن أذكر أحداٍ كي لا أنسى بعض المبدعات.
> لك قصيدة بعنوان الموت فهل للموت فلسفة ما عند الشاعر العواضي¿!
>> ربما موت أبي مبكراٍ وتجربة اليتم وكذلك رؤيتي لتجربة الموت التي قطفت الناس في الستينيات والسبعينيات تركت أثراٍ في نفسي فظلت حاضرة تلقي بظلال سوداء على الحياة وربما احتفاؤنا بالحياة يخفف من مرارة الموت الذي ينتظر الجميع.
> صنعاء كان لها حضور قوي في ثلاثة دواوين قرأتها لك أي ذكرى تربطك بها¿!
>> أنا عشت فيها وتعلمت الأبجدية في جامع الفليحي فأول معرفتي بالحرف كان فيها ونشأت في أحيائها عشت طفولتي ولمرحلة الطفولة خصوصية معينة فقد جئتها صغيراٍ من منطقة بداوة كان عمري آنذاك خمس سنوات فشدني هذا التماسك في مجتمع مدينة صنعاء وكان تعليمي من البداية وحتى الدراسة الجامعية فيها ورغم أني سافرت كثيراٍ بحكم عملي إلا أن هذه المدينة فيها ألق وتجدد وإنسانية تحكيها بيوتها المتراصة والتي تمثل الترابط والتلاحم والروح الجماعية لأهل صنعاء القديمة ترى هذه البيوت تتماثل وتتشابه فبيت الإنسان البسيط مثل بيت التاجر الكبير وإن اتسع وكبر والحميمية بين أهل صنعاء تحس في الكثير من المواقف سواء كانت أفراحا او أحزانا لذلك فهناك مناظر أو غابات تدل على جلال و عظمة الخالق وصنعاء تحفة تبين مدى عبقرية وعظمة الإنسان .
> ماذا عن صغيرتك مي هل للتسمية علاقة بالأديبة مي زيادة وهل تجد في أحد ابنائك مشروع روائي او شاعر ¿
>> اسم مي جميل جداٍ وأيضاٍ للتسمية علاقة أو احتفاء بالأديبة المشهورة مي زيادة وللأسف ليس في أبنائي من يبشر بمشروع روائي أو شاعر هناك موهبة الرسم لدى ملك ومي وميل للقراءة والإطلاع وليس بالضرورة أن يكون ابن المقالح او ابن البردوني او البياتي شاعراٍ فالمبدع استثناء ربما لا يتكرر ولكن هناك حالات نادرة يكون فيها العكس..