الألعاب النارية.. كيف تتحول من متعة إلى كارثة تُهدّد الأرواح والممتلكات؟

 

 

 

تقرير | خالد الصايدي

 

مع حلول عيد الفطر المبارك ومنذ بداية شهر رمضان، تتجدد ظاهرة الألعاب النارية والمفرقعات(الطماش)، مسببة إزعاجا وأضرارا جسدية ونفسية، خاصة للأطفال، وعلى الرغم من التحذيرات المتكررة، تستمر هذه العادة السيئة في الانتشار داخل الأحياء السكنية، مما يؤدي إلى إصابات خطيرة بين أوساط الأطفال، ويؤثر على راحة الصائمين ويشكل إزعاجا وتهديدا للسلامة العامة.

فقدان البصر

مع أول أيام الشهر الكريم، تحولت فرحة أمجد أحمد (١٥ عامًا) إلى مأساة بعد أن أصيب إصابة بالغة في إحدى عينيه أثناء لعبه مع أصدقائه بحرب “الطماش” والألعاب النارية، لم تكن الإصابة بسيطة، فبحسب حديث عمه مع “الوحدة” أخبرهم الطبيب أن الضرر وصل إلى قرنية العين، مما يستدعي عملية جراحية معقدة قد لا تعيد له النظر كما كان، وربما يحتاج إلى زراعة عدسات مستقبلًا، في حين يقضي أحمد الآن كل أيامه في المنزل عاكفا على استخدام العلاجات لتخفيف الورم الحاصل والالتهاب من عينه.

خطر متصاعد

ولم تعد ظاهرة الألعاب النارية والمفرقعات تقتصر على التسلية أو حتى الإزعاج فقط، بل تطورت إلى أفعال تهدد السلامة العامة، حيث أصبح البعض يستخدمها لاستهداف السيارات والمارة، متسببين بحوادث قد تكون كارثية.

يروي بندر سنان في منشور له على صفحته في “الفيسبوك” حادثة مروعة تعرّض لها أثناء قيادته في شارع تعز، عندما اخترقت “طماشة” نافذة سيارته، مرت بجانب زوجته وابنته وسقطت على كتفه قبل أن تنفجر بجوار ناقل السرعة، في لحظة توقف بندر بغريزة الدفاع عن عائلته والفزع التي أصابها جراء هذه الحادثة، وبدأ بمطاردة الجناة ليكتشف أنهم مجرد أطفال يحملون كيسا مليئا بالطماش، يعبثون بها دون إدراك للعواقب.

ما حدث لـ”بندر” ليس حالة فردية، بل جزء من ظاهرة خطيرة تنتشر في الشوارع، حيث أصبح بعض الأطفال يستخدمون الألعاب النارية كأدوات تخريب وإرهاب، مستهدفين السيارات والباصات دون وعي بحجم المخاطر التي قد تنتج عن ذلك، والأخطر أن غياب الرقابة الأسرية وترك الأطفال في الشوارع دون توجيه يزيد من تفاقم المشكلة.

أضرار صحية بالغة

وفيما تتزايد أعداد الضحايا من الأطفال بسبب الانتشار الواسع للمفرقعات والألعاب النارية التي تباع في الأسواق كأنها ألعاب بريئة رغم مخاطرها، ورغم تكرار الحوادث سنويًا، لا تزال الجهات المختصة عاجزة عن منع استيرادها وبيعها للأطفال.

الدكتور حسين الشرفي استشاري باطنية، حذر من المخاطر الجسيمة التي تسببها الألعاب النارية والمفرقعات، خصوصا على الأطفال، مؤكدا أنها تؤدي إلى إصابات خطيرة قد تصل إلى الإعاقة الدائمة.

د. الشرفي: الألعاب النارية تسبب إعاقات دائمة وأضراراً جسدية خطيرة

وأوضح الطبيب الشرفي، في حديثه لـ”الوحدة” أن هذه المفرقعات  تتسبب في إصابات عينية خطيرة، وتؤدي إلى فقدان البصر الجزئي أو الكلي نتيجة الشظايا أو الانفجارات القوية، مما يترك الطفل يعاني من إعاقة دائمة، لافتا إلى أن بتر الأصابع أو الأطراف من أكثر الإصابات شيوعا، فالطفل يفقد أحد أصابعه أو حتى يده بالكامل بسبب الضغط الناتج عن الانفجار، مما يؤثر على حياته بشكل كبير.

أما عن الأضرار الجسدية، أوضح الدكتور الشرفي، أن الألعاب النارية قد تتسبب في أضرار نفسية للأطفال، مثل الخوف والتوتر، خاصة عند تعرضهم لحوادث أو رؤية الآخرين يصابون أمامهم، كما قد تؤدي إلى مشاكل في السمع نتيجة الأصوات العالية والمفاجئة التي قد تسبب ضعف السمع أو طنين الأذن المزمن.

واختتم الدكتور الشرفي حديثه، بالتأكيد على ضرورة رفع الوعي المجتمعي بمخاطر هذه المفرقعات، ومنع الأطفال من استخدامها، بالإضافة إلى فرض ضوابط قانونية مشددة للحد من انتشارها حفاظًا على سلامة الجميع.

مصدر رعب

من ناحيته، تحدث الصحفي رشيد الحداد عن التحول الخطير في طبيعة الألعاب النارية التي تباع في الأسواق اليوم، مقارنة بما كانت عليه في الماضي، مؤكدًا أنها لم تعد وسيلة للفرحة، بل أصبحت مصدرا للرعب وتهديدا للسكينة العامة.

وأوضح الحداد في منشور له على “الفيسبوك” أنه عندما كان طفلا، كانت الألعاب النارية محدودة الاستخدام وآمنة نسبيا، وأصواتها عادية وغير مرعبة، أما اليوم فقد تحولت إلى أدوات تفجير خطيرة بأصوات مدوية تهز الأحياء السكنية.

وأشار إلى أن انتشار هذه المفرقعات يعود إلى تجار أزمات قاموا بإدخالها بطرق غير رسمية، ما يعكس استهتارا واضحا بأمن المجتمع، محذرا من أن سماح الجهات المختصة بدخولها رسميا سيكون كارثة حقيقية.

وشدد الحداد على ضرورة أن تحظى هذه القضية باهتمام قيادة وزارة الداخلية في صنعاء، وأن يتم اتخاذ إجراءات صارمة للحد من انتشار الألعاب النارية شديدة الانفجار، خاصة تلك التي أصبحت متوفرة في كل الأحياء السكنية.

ودعا الجهات المختصة إلى تنفيذ حملات أمنية لمصادرة ما يسمى بـ”القريح” شديد الانفجار، واتخاذ إجراءات حازمة لحماية السكينة العامة، استجابةً لشكاوى المواطنين المتزايدة من هذه الظاهرة الخطيرة.

استثناءات تخالف القوانين

وبمطالعة المنظومة القانونية نلاحظ أن القانون اليمني كان واضح جدا في منع وحظر استيراد وتصنيع وتداول المفرقعات والألعاب النارية وتنظيمها في ما يخص استخدامها حصرا في عمليات التنمية ويقصد بها استخدامها في فتح وإنشاء الطرقات العامة وغيرها من المشاريع التنموية ولا يقع من ضمنها تسويقها وبيعها للأطفال لقتل وإحراق أنفسهم بها.

وفي هذا السياق، يؤكد المستشار القانوني عبدالرحمن الزبيب، أن القانون اليمني يعاقب مرتكبي جرائم حيازة وصنع واستيراد والاتجار بالمفرقعات بعقوبات تصل إلى الحبس ست سنوات، كما هو منصوص عليه في المادة (144) من قانون الجرائم والعقوبات، وأضاف أن قانون تنظيم حمل الأسلحة النارية والذخائر شدد على منع تصنيع المفرقعات أو استيرادها إلا بإذن خاص للأغراض التنموية، مؤكدًا أن أي ترخيص لاستيراد أو بيع هذه المواد للأطفال يعد مخالفة صريحة للقانون.

 الزبيب: قانون الجرائم والعقوبات يحظر تداول المفرقعات ويعاقب المتورطين في بيعها للأطفال

وطالب الزبيب وزارتا الداخلية والصناعة والتجارة، باتخاذ إجراءات صارمة لمصادرة المفرقعات المنتشرة في الأسواق، وإحالة المتورطين في استيرادها وبيعها إلى القضاء، بالإضافة إلى وضع حد لهذه الظاهرة التي تهدد أمن وسكينة المجتمع وتنتهك حقوق الطفولة في اليمن.

تجاهل رسمي

بدوره، أكد رئيس الجمعية اليمنية لحماية المستهلك فضل منصور أن الجمعية كانت عملت لفترة طويلة على التنسيق مع الجهات المختصة للحد من استخدام المفرقعات والألعاب النارية، ولكن دون جدوى.

وقال فضل في حديثه لـ”الوحدة” أن المفرقعات والألعاب النارية تشكل خطرا كبيرا باعتبارها مواد كيميائية ضارة على الأطفال والمجتمع، خاصة عند استخدامها بطريقة غير سليمة، مضيفا أن هذه المشكلة تتزايد عاماً بعد آخر، خصوصا وأن الانفجارات الناتجة عنها أصبحت ذات أصوات عالية، تشبه القنابل الحية أو القذائف المضادة للدبابات (آر بي جي)، ما يزعج الأحياء السكنية والمجتمع بشكل عام.

وأكد فضل، أن المفرقعات والألعاب النارية تسببت في إصابات جسدية خطيرة للأطفال، مثل الحروق والجروح والكسور وإصابات العيون، وكان آخرها شكوى تلقتها الجمعية قبل شهرين من أسرة مصابة بسبب انفجار مفرقعات تم شراؤها من أحد التجار، وتبين أنها كانت مخزنة بطريقة سيئة، مما أدى إلى تهشم عظام يد الشخص الذي كان يقوم بتفجيرها، وكذلك إصابة ابنه بالعينين والوجه، وطالب منصور وزير الداخلية باتخاذ الإجراءات القانونية بحق الشخص المسؤول عن تخزين هذه المفرقعات بشكل سيئ، كما طالب بتعويض المتضرر وفقاً لقانون حماية المستهلك.

منصور: المفرقعات تشكل خطراً متزايداً والجهات المختصة تتجاهل آثارها السلبية

وأضاف فضل أنه تم العمل على نشر فلاشات توعوية حول الأخطار التي تسببها المفرقعات والألعاب النارية للأطفال والمجتمع، ومن ضمن هذه الأخطار الأضرار السمعية والنظرية التي قد يتعرض لها الأطفال، خاصة إذا كانت الألعاب قريبة من الأذن أو العين.

وأشار إلى أن هذه الألعاب والمفرقعات قد تسببت في حرائق للمنازل والممتلكات، بالإضافة إلى أنها تؤدي إلى تلوث البيئة، خاصة إذا كانت تحتوي على مواد كيميائية ضارة، مشددا على الجهات المختصة في وزارة الداخلية اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع هذه المفرقعات التي تشكل خطراً على المجتمع وعلى مستخدميها.

مسؤولية مشتركة

المدرب الاداري والمهتم بالشأن الفكري والأسري والتربوي ابراهيم الكحلاني، يقول في حديثه لـ”الوحدة” أن الكثير من الأسر عندما ترى زيادة إزعاج أبنائها لها داخل البيت، فإنها تقوم بإخراجهم على الفور للشارع للتخلص من إزعاجهم وفرط حركتهم، متناسية تذكيرهم بآداب اللعب في الشارع وما هي طبيعة الألعاب التي عليهم اللعب بها والألعاب التي عليهم تجنبها.

ويرى الكحلاني، أن ترك الأبناء بلا توجيه أو إرشاد في اختيار ألعابهم في الشارع وبلا ضابط يضبط طاقتهم الكبيرة بداخلهم يجعلهم يفكرون في ألعاب من شأنها تعرض غيرهم للضرر والإزعاج، فالبعض من الناس قد يصاب بمرض مزمن بسبب تفاجأه بانفجار بجانب منزله أو ارتطام كيس ماء على وجهه أو نافذة سيارته وهو في حالة استرخاء وأمان.

ويؤكد أن مسؤولية مواجهة هذه الظاهرة تقع على عاتق الجميع، ويجب أن يلتفتوا إليها ويواجهوها ويتعاملوا معها بكل مسؤولية وجدية لا باستهتار واستخفاف بأثارها، بدءاً من الأسرة مروراً بالمجتمع وانتهاءً بالجهات الرسمية المعنية؛ فالكل معنيون ومسؤولون ولا يحق لأحد أن يحمل طرفاً واحداً سبب تلك المشكلة والظاهرة ويعفي الآخرين منها.

 الكحلاني: مسؤولية الحد من ظاهرة الألعاب النارية مشتركة بين الأسرة والمجتمع والدولة

وخلص الكحلاني إلى القول أن دور الأسرة في معالجة هذه الظاهرة والحد منها  يعد دورا محوريا ورئيسيا بحكم قربها من مصدر ومنبع المشكلة نفسها وهو الطفل والابن، فبخطأ بسيط من الطفل في الشارع بألعاب نارية أو رمي أكياس مياه على المارة أو أصحاب السيارات قد يعرض الطفل نفسه لصدمة نفسية أو أذى جسدي إذا ما ظفر به أحد الضحايا من ألعابه تلك.

ويضيف الكحلاني، أن دور المجتمع أوسع بحكم دائرته الأوسع وجمهوره الأوسع، فبمقدور المجتمع القيام بعدة إجراءات للحد من الظاهرة بجعل الكل تحت المسؤولية التي تجعلهم لا يقدرون على التنصل عنها، كتفعيل مجلس الآباء الموجود في الحي وإقامة جلسات ولقاءات جماعية لمناقشة هذه الظواهر والحلول اللازمة لها، وكذلك تفعيل دور مسجد الحي بطرح هذه الظواهر في خطب الجمعة لتوعية المجتمع بأضرارها.

ويجزم أن دور الجهات الرسمية المعنية إن تم تفعيله فسيكون له دور حاسم في معالجة القضية والظاهرة من جذورها، إما من خلال منع بيع تلك الألعاب النارية، أو تحديد الألعاب النارية التي يحق للتجار شراءها وبيعها أو غيرها من الإجراءات التي يلمس المواطن أثرها على أرض الواقع للحد من هذه الظاهرة الخطيرة.

Comments are closed.

اهم الاخبار