عبدالله الصعفاني:القنوات الفضائية.. سباق الزَّيف والتكاذب ولُهاث الضمير الغائب..!
* لم يعد هناك فواصل أو حدود، بين الحابل والنابل من حولنا..!
رحل الضمير العالمي والعربي والمحلي وشبع موتًا.. وذهب معه الضمير الإعلامي المرافق للأحداث الكبيرة والصغيرة مع الريح.
* الأكاذيب والإفك والتدليس تُحاصرك أينما اتجهت.. صار القاضي في معظم المواقف هو نفسه المتهم، وأصبح الضحية هو الجلاد، وذابت الفواصل بين الأبيض والأسود.
* تحت أخبار الأزمات والكوارث التي يصنعها الكبار للمستضعفين تُفتح نوافذ حواسك الباحثة عن المعلومة المحكومة بالضمير، فتسأل: ما الذي حدث للأصول والأخلاق والتقاليد التي كانت تضبط المسؤوليات والمهن..؟ لماذا صارت مطابخ الفساد تقدم لك المعلومة ونقيضها في عملية مقصودة لإهدار الحقائق وتضييع المظالم، وإرباك العقول والعبث بالأدمغة..؟
* الأكاذيب تتصدر واجهات نشرات الأخبار التليفزيونية المعتمدة عند الأغلبية…و”لويِ” الحقائق على أشده على وجوه وأصوات مذيعات مثيرات، والتفاصيل الملحقة بالخبر الذي كان مقدسًا تقدم لك الضحية في موقف المستحق للعقاب والتنكيل، ولا توعية بما يجب أن تكون عليه الأمّة المضروبة.
* لم يعد الكذب ممقوتًا، وإنما بضاعة رائجة أمام الحقيقة الكاسدة، حتى صح القول بأن الإعلام التقليدي، وعلى رأسه الفضائيات صار أسير القناعة بأنه من غير المهم أن يقول الحقيقة؛ لأن الأهم هو ما تقتنع به مطابخ الالتفاف على الحقائق، وفرض ما يقدم الظلم على أنه الحمل الوديع الأحق بالرعاية والاحتضان.. أما الإعلام الجديد فحكايته حكاية.. لا فسحة في المقال للتوقف أمامه.
* في إعلام اليوم، غير مهم أن تقول القنوات الفضائية الحقيقة؛ لأن الأهم عند الممولين هو تشويه الحقائق، وإثارة الفتن، واختراع الحكايات والأرقام، والمواقف التي تكذب على الأحياء رغم أنف ما حدث من تطور على وسائل الرصد والتصوير الدقيق.
* من الصعوبة أن تمتلك المعرفة بما يجري؛ لأن أمامك عائقين.. عائق الفارق في إمكانية الوصول بذلك الإبهار الذي تمتلكه قنوات صناعة الزيف، وعائق أن العالم العربي – فعلاً – مختطف القرار، وبلا ذاكرة، رغم التضخم المعرفي الذي يضيع وسط ركام ثقافة انشغال الناس بالخاص عن العام، مهما بلغت معاناة المجتمعات ومآسي الأخ والشقيق، فضلاً عن تزايد الإحساس بعدم انشغالك بما لا يعنيك بشكل مباشر عمّا يعنيك من هموم تلامس معيشة أبنائك، تعليمهم، صحتهم، وأمانهم النفسي والإنساني العام..!
* لم يعد الإعلام العربي الفضائي المعاصر يبحث عن الحقيقة، أو ينشد الفضيلة ويعمقها في النفوس، حيث اكتفت البرامج المثيرة والتغطيات الطويلة بمن يتكلمون كثيرًا ولا يقولون شيئًا، يتنابزون بأحطّ المفردات.. لأن هدف الممولين والداعمين ليس خلق حالة من حوار الوصول إلى الحقيقة، وإنما جدل التكريس لمفهوم أننا كمشاهدين لا نستحق إلّا ما هو بائس من سوق عكاظ.
* هل أقول بأن سباق الفضائيات ليس من أجل الحقيقة، وإنما لتكريس الزيف وتعميق الزعيق، بخطة رد فعل تقوم المنافسة فيها على أنه: إذا قامت قناة بكشف صدرها، فإن رد القناة المنافسة يكون بالكشف عن عورتها..والبركة هي في كون الإعلامي صار مجرد تابع لاهث خلف السياسي، ولم يعد الناطق الرسمي بسم ضميره المهني.
* والفقرة الأخيرة لا تستهدف تحول “الهشك بشك” إلى مشروع، وإنما تطال القنوات ذات الحضور السياسي وحتى المذهبي الديني، وكلها لا تشترط في المُعِدّ أو المقدِّم أو ضيف البرنامج أن يكون موهوبًا، وإنما أن يكون في المقام الأول زاعقًا، منفِّرًا، صارخًا.
* وهكذا يتحول الإعلام من ضمير للأُمة إلى صانع مأساة، ونافخ كير.. والنتيجة ما لا نسمعه وإنما ما نراه من الفتن، وغياب للحل الوطني في إطار غياب المشروع القومي، وتحوُّل المشاريع الدينية إلى حالة من الخصام، بل والأزمات والفتن تحت نفس الشعارات وذات الآيات القرآنية.. أقتلك تحت شعار لا إله إلا الله والله أكبر، وتقتلني وأنت تحمل ذات الشعار.
والله المستعان..
المصدر: “صحيفة اليمني الأمريكي”
Comments are closed.