فرصة ذهبية لتعزيز حضور البن اليمني عالمياً

 

عبده حسين:

مثَّل معرض صنعاء الدولي للقهوة فرصة ذهبية لإعادة إحياء التراث اليمني المرتبط بزراعة البن، في خطوةٍ تستهدف إنعاش إنتاجه من جديد بعد سنوات من التراجع بسبب الحرب والتغير المناخي، وسط آمال معقودة بتعزيز حضوره في الأسواق العالمية، كعلامة مميزة ترتبط باسم اليمن عربياً وعالمياً.

“الوحدة” زارت المعرض ورصدت دلالات الحضور الثقافي والتراثي والتسويقي الذي عبر عنه عشاق القهوة..

نكهة عالمية

في قلب العاصمة صنعاء، احتضنت حديقة السبعين معرض صنعاء الدولي للقهوة، الذي أقيم تحت شعار “إرثٌ خالد.. نكهةٌ عالمية”، في تظاهرة ثقافية تراثية وتسويقية جمعت عشاق القهوة ومزارعي البن من مختلف أنحاء اليمن، وعكست عمق التراث اليمني المتجذر في زراعة البن وتسويقه.

وقد جسَّد جناح الصور والوثائق التاريخية في المعرض، قصة التاريخ العريق للبن اليمني الشهير الذي كان يتم تصديره إلى مختلف دول العالم عبر ميناء المخا الذي عاش أزهى صور الازدهار في حينه.

نافذة للأمل

توافد المواطنون للمشاركة في فعاليات المعرض، الذي ضم عروضاً متنوعة لمنتجات القهوة من مختلف المناطق اليمنية المعروفة بإنتاجها المميز مثل: همدان، والمحويت، وإب، وسط حضور لافت من محبي القهوة والثقافة الشعبية، بالإضافة إلى عدد من التجار والمزارعين الذين قدّموا مناطقهم المختلفة لإبراز جودة القهوة اليمنية.

وشهدت أجنحة المعرض حركة نشطة، رشف الزوار خلالها أنواعاً مختلفة من القهوة، واستمعوا إلى شروحات حول طرق زراعتها ومعالجتها وتحضيرها.

وعلى الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها العاصمة صنعاء، إلّا أن المعرض حقق إقبالاً كبيراً، واستطاع أن يكون نافذة للأمل والتعبير عن التمسك بالتراث الثقافي والاقتصادي الذي تمثله القهوة اليمنية.

جزء من الهوية الوطنية

تميّز المعرض بفعاليات متنوعة هدفت إلى دعم وتطوير زراعة البن اليمني، بدءًا من إقامة معرض شامل لمنتجات البن بمختلف المناطق اليمنية، إضافة إلى ورش تدريبية وندوات علمية سلطت الضوء على سلاسل القيمة المرتبطة بهذا المحصول، كما تضمنت الفعاليات أنشطة ثقافية توعوية تسعى إلى إبراز القهوة كجزء لا يتجزأ من التراث الثقافي والتاريخي للشعب اليمني، والتوعية بأهمية القهوة كجزء من الهوية الوطنية ودورها في دعم الاقتصاد المحلي.

وتحتل القهوة مكانةً كبيرة لدى اليمنيين الذين تميّزوا بزراعتها منذ القِدم حتى أصبح البن اليمنيّ من أهمّ المنتجات الزراعية اليمنية التي غزت أسواق العالم وتمتلك شهرةً كبيرة على مستوى العالم قديمًا وحديثًا، نتيجة لمذاقه الفريد واختلاف نكهاته وأنواعه باختلاف مناطق زراعته؛ فهناك البن الإسماعيلي الذي يعد أبرز الأنواع يليه البن المطري، الحيمي، اليافعي، الخولاني، والحمادي، والآنسي والبرعي ويصنّف المزارعون البن في اليمن تبعاً لأشكاله التي تتراوح بين التفاحي والدوائري والعديني وغيرها.

رافد مستدام

المعرض الذي نظّمته وزارة الزراعة والثروة السمكية والموارد المائية ممثلة بالمؤسسة العامة لتنمية وتسويق البن على مدى خمسة أيام، بمشاركة تجار ومصدري البن وجمعيات زراعية متخصصة في البن واتحاد جمعيات منتجي البن ومزارعين، ومتخصصين في صناعة القهوة، وعديد من رواد البنّ اليمني وتجّاره المشهورين، هدف إلى تشجيع المزارعين واستعادة مكانة البن اليمني التاريخية والوطنية، والنهوض به ليكون رافداً مستداماً للتنمية، وتعزيز الاقتصاد الوطني.

وقد وُجدت شجرة البن في اليمن وشرق إفريقيا ضمن حدود مملكة سبأ، ما يجعل القهوة جزءًا أصيلًا من التراث اليمني، كما أن استخدام القهوة في اليمن بدأ منذ مئات السنين كمشروب وفي الصناعات الطبية والعطرية، وقد نشأ مصطلح “مقهى” من كلمة “مقهاية” اليمنية، فيما يعود أصل كلمة “coffee” الإنجليزية إلى اللهجة اليمنية وليس إلى “kahveh” التركية.

وكان البن اليمني تاريخياً بمثابة العملة المحلية الوحيدة العابرة للحدود والقارات، وعرف العالم به اليمن بصفته الموطن الأول لأجود أنواع البن منذ قرون، وتم تصديره إلى جميع أنحاء العالم عبر ميناء المخا على البحر الأحمر، ليشكل خلال ثمانينيات القرن الماضي رافداً اقتصادياً للبلاد بتصدير نحو 50 ألف طن سنوياً، قبل أن يتراجع إلى مستويات قياسية بسبب الحرب والعدوان منذ العام 2015م، كما يعتبر “البن” اليمني من أشهر المنتجات الزراعية على مستوى العالم، ويوصف بأنه المنتج الوحيد الذي يُزرع في بلدٍ تتعدد ظروفه المناخية والبيئية ولا تتماثل مع تلك التي تزرع فيها بلدان العالم الأخرى.

محصول نقدي

رفع إنتاجية البن وتحسين جودته ورفع كمية التصدير إلى الخارج إلى نحو 50 ألف طن خلال العام الجاري 2025، إضافةً إلى تحسين إنتاج محصول البن خلال الفترة من 2019- 2025 وإنتاج وزراعة نحو 13 مليون شتلة وزيادة المساحة المزروعة بالبن بمقدار 5200 هكتار بتمويل من صندوق تشجيع الإنتاج الزراعي والسمكي، كان الهدف الرئيس الذي وضعته وزارة الزراعة بصنعاء، كما عملت على وضع خطط وبرامج لتحسين زراعة وإنتاجية البن كمحصول ذات مردود اقتصادي ونقدي مهم؛ وفق ما ذكره مركز البحوث والمعلومات بصنعاء.

وأشار المركز إلى أن السنوات القليلة الماضية شهدت توجهاً إلى النهوض بإنتاج البن وتصديره، في إطار المساعي لإحياء القطاع الزراعي عموماً والذي تشير الأرقام إلى أنه القطاع اليمني الثاني بعد القطاع النفطي، ويساهم بمعدل متوسط يبلغ نحو 14% من إجمالي الناتج المحلي، وينشط في هذا القطاع من القوى العاملة حوالي 54% من إجمالي القوى العاملة في اليمن، لاسيما وأن ما يقارب 70% من سكان الجمهورية يعيشون في الريف اليمني.

فرصة عالمية

تشير الدراسات إلى مستقبل واعد ومستدام لزراعة وإنتاج البن اليمني خلال العقود القادمة، في حال تظافر الاهتمام الرسمي والمجتمعي لتنمية هذه الصناعة، ومعالجة تحدياتها الراهنة، ما يشكل فرصة حقيقية للبن اليمني عالمياً؛ حسب دراسة متخصصة أجرتها شركة “حلم أخضر” للدراسات والاستشارات البيئية، واطلعت عليها “الوحدة”.

ووفق الدراسة؛ فإن نتائج الأبحاث العلمية الحديثة تُظهر ارتفاع مخاطر انقراض أنواع البن في مناطق العالم خلال العقود القادمة، وتحذر من تراجع الإنتاج العالمي للبن لمستوى النصف في مناطق تشمل بلدان أفريقيا وجنوب شرق آسيا، ما يمثل فرصة حقيقية لليمن ويكرس الاهتمام العالمي بالبن اليمني.

ووصفت الدراسة القهوة اليمنية بأنها “ما تزال أحد أسرار اليمن التي تحتاج إلى إعادة اكتشاف من منظور مورفولوجي وثقافي وتاريخي”، إذ لم تخضع أصناف كثيرة للبن اليمني للدراسة بعد بشكل معمق، ولم يتم إجراء مدخر وراثي لجميع الأصناف المزروعة في مناطق زراعة البن في اليمن.

فخطرُ انقراض أشجار البن المتوقَّع في عدد من البلدان لا يشمل اليمن، كما تقول الدراسة، مشيرة إلى أن “التهديدات السلبية التي سيفرضها تغير المناخ على قطاع البن العالمي حتى العام 2080″، مما قد يمنح اليمن فرصة للعودة بقهوتها على الصعيد الدولي، ويدفع بالبن اليمني للواجهة مجدداً باعتبار اليمن البلد الأم للأصول الوراثية للبن العربي على المستوى العالم.

وأثبتت الأبحاث العلمية أن اليمن يحتوي على مجموعة من الأصول الوراثية الكاملة لأنواع البن المزروع في العالم.

صدارة عالمية

ووفقاً للتقارير فإن صناعة القهوة تقدر بنحو 80 مليار دولار، ما يجعلها أعلى السلع التجارية قيمةً في العالم بعد النفط، غير أن الحرب ألقت بظلالها على عملية إنتاجه في بلده الأُم.

ورغم الصعوبات الاقتصادية التي واجهت اليمن خلال الحرب والعدوان، إلا أن البن اليمني حافظ على صدارته العالمية من حيث الجودة والمذاق، وقد تربَّع خلال السنوات الماضية عرش صدارة أجود أنواع القهوة من حيث الجودة والسعر الأعلى عالمياً في مزاد القهوة العالمي بولاية نيويورك الأمريكية، وتلاه “البن البرازيلي” في المركز الثاني.

وتؤكد منظمة القهوة الدولية أن اليمن هو البلد العربي الوحيد ضمن قائمة مصدري القهوة في العالم.

وحصد البن اليمني في العام 2021، المركز الأول عالمياً في المسابقة الدولية التي نظمتها منظمة متذوقي البن العالمي في اليابان.

وكانت وزارة الصناعة والتجارة بصنعاء أصدرت في العام 2019 قراراً بحظر استيراد البن وقشوره إلى اليمن، بغرض تعزيز الإنتاج المحلي من البن.

اليوم الوطني للبن

وتحتفي اليمن الاثنين المقبل باليوم الوطني للبن اليمني في بلد رائد في مجال البن لأكثر من 800 عام، وهو العيد المعروف بعيد موكا، والذي سُمي بهذا الاسم نسبة لقهوة المخا Mukha المنسوب اسمها إلى ميناء المخا، أقدم الموانئ اليمنية.

ويستذكر اليمنيون في عيد موكا، المسمى بهذا الاسم نسبة لقهوة “المخا” Mukha، أهمية محصول “البن” اليمني الذي يعد من أجود أنواع القهوة في العالم، ويمثل أيقونة القطاع الزراعي اليمني الذي يحتل المرتبة الثانية من حيث الأهمية بعد القطاع النفطي والذي يساهم، أي القطاع، بمتوسط 14% من إجمالي الناتج المحلي، وفقاً لمركز البحوث والمعلومات بصنعاء.

واشتهرت مدينة المخا بمحافظة تعز، بمينائها الذي انتقل من خلاله البن إلى مختلف دول العالم، وحقق شهرته وشعبيته ابتداء من العصور الوسطى.

وبالرغم من أن منشأ نبتة البُن هو إثيوبيا، إلا أن اليمنيين ابتكروا استخدام حبيباته المتكورة بحجم حبة العنب، بعد تحميصها وطحنها، وغليها في الماء لتمنح مذاقاً لذيذاً ومنبهاً، نظراً لاحتوائها على مادة الكافيين، بعد أن شقت طريق انتشارها سريعاً في المنطقة والعالم بفعل تنقّل التجار والحجاج اليمنيين.

ويعود أول ذكر لمحصول القهوة باسم (البُن اليمني) إلى الطبيب العربي ابن الرازي في عام 900م، إذ تشير بعض المخطوطات إلى أن “علي بن عمر الشاذلي” المتوفي في المخا عام 1418 هو أول من نقل بذور القهوة من جنوب غرب الحبشة إلى اليمن، وأول من احتساها كمشروب.

Comments are closed.

اهم الاخبار