هل يمكن للعرب إسقاط مخططات التهجير للفلسطينيين؟

نجيب علي العصار

مسيرات الزحف المقدس، والطوفان البشري للفلسطينيين أثناء عودتهم إلى قطاع غزة، بعد حرب دامت قرابة 470 يومًا، كان ردا عمليا على خطة ترامب لـ”تطهير” غزة، الغزيين وجهوا رسالة مباشرة لا غموض فيها بأن الأرض أرضهم، وأن أي مخططات لتهجيرهم ستتحطم حتما على صخور صمودهم وتحديهم وثباتهم، وإن كلفهم ذلك حياتهم وأموالهم.

وكان ترامب قد تحدث عدة مرات خلال الأيام القليلة الماضية حول فكرة نقل ما بين مليون إلى 1.5 مليون من سكان قطاع غزة إلى مصر والأردن، بصورة دائمة أو مؤقتة، إلى أن يتمكنوا من العودة بعد انتهاء عمليات إعادة الإعمار إلى مكان يمكنهم العيش فيه، وذلك لأن غزة الآن غير صالحة للسكن.

ترامب يصر على تهجير سكان غزة: أثق أن مصر والأردن سيقبلان

وفي أول رد فعل رسمي، أكدت الخارجية المصرية، في بيان، “تمسك مصر بثوابت ومحددات التسوية السياسية للقضية الفلسطينية، ورفضها أي مساس بالحقوق الفلسطينية، سواءً من خلال الاستيطان أو ضم الأرض أو التهجير”، إلاّ إن القاهرة والتي تُمثل الطرف الثاني في خطة ترامب التي أسماها “تطهير غزة” تقف اليوم أمام اختبار صعب، حيث سبق أن رفضت خطة تهجير سكان غزة إلى شبه جزيرة سيناء إبان ولاية الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، فهل تستطيع أن تقف في وجه ترامب؟

فمن ناحية الأردن فإن النظام المثقل بالاتهامات بالخيانة والعمالة والتواطؤ مع الكيان الإسرائيلي منذ بداية احتلال الأراضي الفلسطينية يدرك تماما أن أي قبول بهذا المخطط قد يؤجج الشعب ضده، خاصة بعد الموقف المتخاذل من العدوان على غزة ومنع أي تحرك شعبي في الأردن مناصر لغزة، فضلا عن انخراط النظام الأردني في الدفاع عن إسرائيل سواء في اعتراض الصواريخ التي أطلقت من إيران واليمن والعراق، أو بفتح الأراضي الأردنية أمام الطريق البري الذي أنشئ بين الإمارات وإسرائيل، مرورا عبر الأراضي السعودية والأردنية، بهدف كسر الحصار البحري الذي فرضته القوات المسلحة اليمنية على الملاحة الإسرائيلية في البحرين الأحمر والعربي.

ووسط تكرار مطالب ترامب، والتي بدأ الحديث عنها من على متن طائرة الرئاسة “أير فورس وان”، قبل أسبوع، ثم كررها في لقاءين بالصحفيين بالبيت الأبيض، لم يُعرف على وجه التحديد سياق مطالب الرئيس الأميركي، وعما إذا كان ذلك يعبر عن خطة أميركية لما بعد وقف القتال وإعادة كل المحتجزين لدى حركة حماس، أم أنه فقط يختبر حدود الرفض العربي.

قائد الثورة يُحذر من تهجير الفلسـطينين

وفي السياق ذاته، جدد قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، في خطاب له الأحد بمناسبة الذكرى السنوية لاستشهاد الرئيس صالح الصماد، التأكيد على ثبات اليمن في التصدي لكل المؤامرات الأمريكية الصهيونية التي تستهدف الشعبين اليمني والفلسطيني.

مبيناً أنّ الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة “أرادا إنهاء المقاومة الفلسطينية والقضاء على المقاومين وتهجير أهل غزة.

وقال قائد الثورة إن “الإسرائيلي والأمريكي معاً أرادوا بعدوانهما الوحشي الإجرامي على قطاع غزة إنهاء المقاومة والقضاء على المجاهدين وتهجير أهل غزة”، متطرقاً إلى تحركات المجرم ترامب وتصريحاته التي يرددها ويكررها عن تهجير أهالي غزة إلى الأردن وإلى مصر، والذي هو هدف إسرائيلي منذ البداية.

وأشار إلى أن “الأعداء يهدفون إلى استقطاع الضفة وغزة بشكل كامل وتهجير الشعب الفلسطيني والمصادرة لكل فلسطين وتصفية القضية الفلسطينية بكلها”، مشيراً إلى أن الأعداء يهدفون إلى منع عودة اللاجئين الفلسطينيين من خارج فلسطين وتوطينهم حيث هم في البلدان التي هم لاجئون فيها.

وبين أنه “لو أتيح للأعداء أن يتحقق الإبادة والتهجير ولم يصمد الشعب الفلسطيني هذا الصمود العظيم، لكانوا فعلوا ذلك وانتقلوا إلى الخطوات التالية”.

ونوه قائد الثورة بأن “الأعداء لديهم أهداف واضحة وهم يسعون لتنفيذها على مستوى فلسطين، وفي مقدمة ما يستهدفونه المسجد الأقصى والقدس، وموقفهم في هذه المسألة موقف عقائدي”، مشيراً إلى أن الأعداء “يسعون لاستقطاع الضفة الغربية بشكل نهائي”.

وعن الضفة الغربية، حذّر قائد الثورة من أنّ “الأعداء يسعون لاستقطاعها بصورة نهائية”، معتبراً أنّ الاحتلال يحاول، من خلال عدوانه على الضفة الغربية في هذه المرحلة، “تعويض ما خسره في قطاع غزة”.

د. أبو شماله: الفلسطيني يعود ولا يهاجر ومشاهد العودة رفض للتهجير

من جانبه، قال د. فايز أبو شمالة، الناشط والسياسي الفلسطيني، أن الغزيين، ردوا عملياً على خطة ترامب لتهجيرهم بعودة النازحين من الجنوب إلى الشمال، كما ردوا من خلال القبول بالعودة إلى الشمال المدمر، بلا ماء ولا كهرباء ولا بيوت ولا مقومات حياة.

ويؤكد أبو شمالة، الذي يسكن قطاع غزة، في حديث خاص لصحيفة “الوحدة” أن هذا الرد القوي رسالة بأن الفلسطيني يعود ولا يهاجر، موضحا أن البهجة والفرح والاحتشاد خلال الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين، هي أيضا مشاهد تؤكد أن الفلسطيني يرى نفسه منتصراً رغم حرب الإبادة الجماعية.

وأشار إلى أن مصر والأردن بإمكانهما الوقوف أمام مخطط ترامب التهجيري لسكان غزة، والتأكيد على رفض الشعب العربي لفكرة التهجير، ورفض تذويب القضية الفلسطينية، ويرى أنهما من خلال تحرك الشارع الشعبي في البلدين الرافض للتهجير أن يقول لترمب وإدارته، فلتقترحوا ما تشاءون، لكن مصر والأردن لهما موقفهما الثابت الذي لا يمكن أن تقايضا عليه أو تتنازلا عنه في ما يخص القضية الفلسطينية.

وقال أبو شمالة، “نرفع الكوفية احتراماً للشعب المصري الذي تظاهر أمام معبر رفح البري رفضاً لتهجير سكان قطاع عزة”.

إلّا أنه تساءل: “لماذا لم تكن التظاهرات أمام السفارة الأمريكية؟ هناك تصل الرسالة إلى ترامب أسرع وأبلغ وأقوى!”.

واختتم حديثه بالقول “نحن في انتظار مظاهرة مصرية حاشدة ضد التهجير أمام السفارة الأمريكية في القاهرة”.

مبينا أن “مظاهرة واحدة وسط القاهرة، ينخلع لها ترامب، ويرتجف، ويجف الدم في عروقه، خوفاً وتفادياً لغضب الشعب المصري العظيم”.

يُذكر أن الولايات المتحدة تقدم مساعدات عسكرية واقتصادية إلى مصر، في إطار اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل بقيمة تصل إلى 2.1 مليار دولار سنوياً، يرتبط جزء منها بإحراز تقدم في ملف حقوق الإنسان.

كما تقدم واشنطن مساعدات عسكرية واقتصادية للأردن بنحو 1.4 مليار دولار سنويا.

الحكيمي : خطة ترامب إقرار أميركي بارتكاب إسرائيل حرب إبادة في غزة

من ناحيته، أكد السياسي عبد الله سلام الحكيمي، أن تكرار طرح الرئيس الأميركي ترامب لتهجير الفلسطينيين من وطنهم في غزة خلال المرحلة الراهنة إلى مصر والأردن، تحت مبرر أن قطاع غزة أصبح مدمرا كليا، ولم يعد مكانا صالحا للسكن، هو بمثابة إقرار وشهادة من أكبر حليف استراتيجي للكيان الإسرائيلي ببشاعة حرب الإبادة الجماعية والتدمير الشامل الذي ارتكبته قوات الاحتلال الإسرائيلي على مدى15 شهرا وبأسلحة اميركية فتاكة.

وقال الحكيمي، في تغريده بمنصة “إكس” رصدتها “الوحدة” أن على الجهات القضائية الدولية، اعتماد هذه الشهادة والاثبات الأميركي في محاكمة مجرمي الحرب الاسرائيليين وإدانتهم بالإبادة الجماعية وارتكاب جرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة.

حماس والجهاد تتوعدان بإفشال خطة ترامب بشأن غزة

بدورهما، توعدت حركتا المقاومة الإسلامية (حماس) والجهاد الإسلامي بإفشال خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتطهير غزة عبر نقل سكانها إلى مصر والأردن.

كما دانت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين “بأشد العبارات تصريحات الرئيس الأميركي” حول غزة.

وقالت الحركة -في بيان- إن تصريحات ترامب تتسق مع أسوأ ما في أجندة اليمين الصهيوني المتطرف، وتُعد امتدادا لإنكار وجود الشعب الفلسطيني.

وأشارت الحركة إلى أن تصريحات الرئيس الأميركي تُعد تشجيعا على استمرار جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، عبر السعي لإجبار الشعب الفلسطيني على مغادرة أرضه.

مراقبون: ترامب قد يبتلع كندا وغرينلاند ومضيق بنما.. أما غزة فلا!

إلى ذلك، يرى مراقبون، أن الاجراءات التي اتخذتها ادارة ترامب، خلال الأيام القليلة الماضية، ومنها رفع المستوطنين من قوائم العقوبات الأميركية، وسماحها بشحن القنابل الثقيلة للكيان الاسرائيلي، وتعليق المساعدات الخارجية لمدة 9 أشهر باستثناء الكيان، ودعوته إلى تهجير الفلسطينيين زعم أنها لأسباب إنسانية، هدفها الانتقام من الفلسطينيين، ورفع الروح المعنوية لقوات الاحتلال التي فشلت في تحقيق المخطط الامريكي في غزة.

واعتبروا في سياق تحليلاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، أن الضغط الأمريكي المباشر عبر اتصال ترامب بالقيادتين الأردنية والمصرية، من أجل استقبال الغزيين المهجرين، جاء ليؤكد للأنظمة العربية المطبعة والتي في طريقها للتطبيع، أن التطبيع مع الكيان الإسرائيلي لا يعصمهم من الخطر الإسرائيلي، ولا من الضغوط الأمريكية، فالجميع يجب أن يكون في خدمة “إسرائيل”.

وأشار المراقبون، إلى أن الفلسطينيين سيفشلون مخطط تهجير أهالي غزة، كما أفشلوا “صفقة القرن”، فهدف التهجير الذي فشل القصف الوحشي والإبادة الجماعية، من تنفيذه، لن تنفذه الضغوط السياسية الأميركية.

وقالوا:” قد يبتلع ترامب كندا وغرينلاند ومضيق باناما، أما غزة فلا.”

يُشار إلى أنه تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار من ثلاث مراحل بين إسرائيل وحماس في منتصف يناير الماضي.

ونزح معظم سكان الشعب الفلسطيني في غزة، البالغ عددهم 2.4 مليون شخص، عدة مرات خلال حرب الإبادة التي شنها الاحتلال الإسرائيلي عليهم منذ السابع من أكتوبر 2023.

وبدعم أميركي، ارتكب جيش الاحتلال بين السابع من أكتوبر 2023 و19 يناير 2025، إبادة جماعية في غزة خلّفت أكثر من 158 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود، وإحدى أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم.

 

Comments are closed.