خالد الصايدي
وسط تدهور اقتصادي ومعيشي غير مسبوق في المحافظات الجنوبية المحتلة، تتصاعد قضايا الفساد المالي والإداري التي طالت حكومة ما يسمى “الشرعية”، لتكشف عن مشهد قاتم ومخيف يعمق الأزمة الإنسانية، في وقت تسعى فيه السعودية لتهدئة الأوضاع في الشارع الشعبي من خلال تقديم وديعة مالية جديدة، يتزايد التشكيك الشعبي بجدوى هذه الخطوة، وسط اتهامات مستمرة للسلطة في عدن باستغلال المساعدات لتحقيق مكاسب شخصية.
مليارات منهوبة وبطون جائعة!
في هذا السياق، يبرز تقرير النائب العام في عدن كجرس إنذار عن حجم الفساد المستشري، بينما تتعالى أصوات المحتجين في الشوارع للمطالبة بحقوقهم الأساسية، لتُظهر الصورة العامة وضعًا معقدًا من الانهيار الاقتصادي والغضب الشعبي المتصاعد.
ووجه التقرير سلسلة من الاتهامات بالفساد لحكومة أحمد بن مبارك ، تتعلق بأكثر من 20 قضية شملت الاستيلاء على المال العام، وتبييض الأموال، وتمويل الإرهاب، والتهرب الضريبي.
وأبرز تقرير صادر عن مكتب النائب العام في عدن تورط مسؤولين في مخالفات كبيرة بعقود المشاريع الحيوية وعقود توليد الطاقة، بالإضافة إلى التعدي على أراضي الدولة باستخدام وثائق مزورة.
التقرير إيضا ، كشف عن قيام شركة بترومسيلة بتحويل أكثر من 1.2 مليار دولار إلى حسابات خاصة بها خارج البلاد من عائدات النفط، فيما شهدت شركة مصافي عدن إهدارًا بقيمة 180 مليون دولار على مشاريع غير ضرورية.
أما في قطاع المشتقات النفطية، فأظهرت التحقيقات تسجيل تجاوزات بقيمة 285 مليون دولار نتيجة تضخيم التكاليف.
حيتان الفساد تبتلع 1.7 مليار دولار في 20 قضية
وأشارت التحقيقات إلى اختلالات في تعاقدات شراء الطاقة في كهرباء عدن، التي أهدرت 128 مليون دولار، في حين رفض محافظ سابق المثول أمام القضاء رغم تجميد أرصدته التي بلغت 27 مليار ريال يمني.
وتطرق التقرير أيضًا إلى فساد مالي داخل القنصليات والسفارات، مثل عدم توريد القنصلية اليمنية بجدة 156 مليون ريال سعودي من رسوم الجوازات، ووجود مخالفات وتجاوزات في تحصيل الموارد والرسوم القنصلية، بما في ذلك فرض زيادات غير قانونية في رسوم إصدار جوازات السفر، واستيلاء موظفين في السفارة اليمنية بمصر على 268 ألف دولار عبر التزوير وإصدار جوازات سفر بمهن غير صحيحة، وتحصيل رسوم أعلى من المقررة، مما أدى إلى إثبات إيرادات أقل مما تم تحصيله فعليًا.
وديعة دون تعافي الريال
ومع تصاعد الغضب الشعبي نتيجة تدهور الوضع الاقتصادي وانقطاع المرتبات وسوء الخدمات، أعلنت السعودية عن تقديم وديعة مالية بقيمة 500 مليون دولار لحكومة بن مبارك، تشمل 300 مليون دولار لدعم الاقتصاد و200 مليون دولار لسد عجز الموازنة.
لكن مراقبين استبعدوا أي فائدة لهذه الوديعة، معتبرين أنها محاولة لامتصاص الغضب الشعبي المتزايد في المحافظات الجنوبية، حيث أشاروا إلى أن الحكومة قد لا تستخدم الدعم لصالح المواطن في ظل الفساد المتجذر.
ما جدوى الوديعة
بدورها، صحيفة “الوحدة” رصدت عدداً من التغريدات على منصة “إكس” لناشطين ومواطنين من مدينة عدن حول الوديعة الجديدة، وأظهرت التغريدات حالة من التشكيك في جدوى الوديعة، مع مخاوف كاتبيها من أن تلقى نفس مصير سابقاتها.
سالم البكري تساءل عن فائدة الوديعة والدعم في ظل استمرار فساد النخب التي أرهقت المواطن بسوء إدارتها، واكد أن أثرها سيبقى محدوداً ما لم تُتخذ إجراءات صارمة لضمان وصولها إلى مستحقيها.
أما سعيد ناصر فقد شكك في وصول الوديعة الى المواطن، معتبرًا أن الدعم قد يتحول إلى غنيمة للقيادات الفاسدة، منوها بأن تحالف العدوان بقيادة السعودية والإمارات ساهم في تعزيز نفوذ القيادات الفاسدة، بدلاً من توجيه الدعم لبناء دولة قوية تخدم شعبها.
مواطنون من عدن يشككون في جدوى الوديعة ويتهمون المسؤولين بالفساد ونهب المال العام
فيما يشير العديد من المواطنين إلى أن المساعدات المالية السابقة، بما فيها الودائع السعودية، غالباً ما تُستغل لصالح قيادات ومسؤولين يخدمون مصالحهم الضيقة، بينما يعاني المواطن البسيط من تدهور مستمر في مستوى المعيشة، ويعتقد شيث العزيبي أن القيادات التي سارعت إلى شكر السعودية ستستخدم هذا الدعم لتحقيق مكاسب شخصية، ثم تغادر إلى الخارج بعد حصولها على نصيبها.
تعزيز شبكات الفساد
وأثير جدل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي ، حول الوديعة السعودية يعكس فقدان الثقة الشعبية في المحافظات المحتلة بما فيها عدن، بالنظام المالي والإداري القائم، إذ يرى المواطنون أن المساعدات الدولية تتحول إلى وسيلة لتعزيز شبكات الفساد بدلاً من أن تكون حلاً للأزمة الاقتصادية حيث يقول سعيد الخليفي “الوديعة السعودية ستذهب كالعادة إلى كروش مسؤولي الشرعية، ولن يصل منها للبنك المركزي في عدن سوى الفتات”
أوضاع معيشية بائسة
يعكس أحمد سالم وهو أب لأربعة أبناء من عدن، معاناة العديد من الأسر اليمنية في هذه المحافظات حيث يقول وهو يشارك إحدى الوقفات الاحتجاجية “لقد أصبح من الصعب تلبية احتياجات عائلتي الأساسية، والأسعار مرتفعة للغاية، بينما لا أستطيع توفير أي دخل ثابت بسبب عدم انتظام الرواتب وعدم توافر فرص عمل” ويضيف أحمد بأن الحياة اليومية أصبحت شديدة الصعوبة، فلا يستطيع شراء الأدوية لأطفاله المرضى، ولا توفير الطعام الكافي لهم، كما أن هناك العديد من الأزمات الأخرى التي تواجهها أسرته، مثل عدم القدرة على دفع الإيجار الشهري بسبب العجز المالي مما اضطره إلى اتخاذ إجراءات قاسية لمواجهة الواقع كبيع بعض أدواته المنزلية.
ارتفاع تكاليف المعيشة
وأدى تدهور الأوضاع الاقتصادية في اليمن إلى ارتفاع كبير في تكاليف المعيشة، خاصة مع انهيار العملة المحلية في المحافظات المحتلة الخاضعة لسيطرة المرتزقة، وتراجع قيمتها أمام العملات الأجنبية، فقد وصل سعر صرف الدولار الواحد إلى أكثر من 2050 ريالا.
ولعل انهيار العملة المحلية تسبب في ارتفاع كبير في أسعار السلع والمواد الأساسية، مما صعب على الأسر هناك تلبية احتياجاتها اليومية، فيما يعاني آخرون من صعوبة تأمين المواد الأساسية مثل الغذاء والدواء بسبب الزيادة الكبيرة في الأسعار ناهيك عن عدم قدرتهم على تسديد ايجار منازلهم واسعار الخدمات الأخرى بسبب ارتفاع رسومها.
تفشي الفساد
الخبير الاقتصادي رشيد الحداد في تصريح لـ”الوحدة”، أشار إلى أن الوضع الاقتصادي في المحافظات الجنوبية المحتلة يشهد انهيارًا غير مسبوق في ظل تفشي الفساد داخل حكومة بن مبارك الموالية لتحالف العدوان السعودي الإماراتي، وأوضح أن هذا التدهور يتفاقم بفعل الأزمة التي يعاني منها البنك المركزي في عدن.
واكد الحداد أن المنحة السعودية الأخيرة البالغة 500 مليون دولار، رغم أهميتها الظرفية، لن تحقق أي تأثير حقيقي على المدى المتوسط. مضيفا أن الأوضاع الاقتصادية في تلك المحافظات تعاني من خلل كبير وعميق، يتطلب إصلاحات جذرية تشمل إنهاء الانقسام النقدي والمالي ومحاسبة الفاسدين.
0
الحداد: الفساد الحكومي يفاقم الأزمة الاقتصادية والوديعة لن تحقق أي أثر على أرض الواقع
ونوه الحداد بأن الدعم السعودي الأخير، والذي يتضمن 200 مليون دولار لدعم الموازنة، لا يُعد كافيًا لتغطية الاحتياجات الشهرية، خاصة مع وجود 3.4 مليون موظف في نطاق وزارة المالية .
كما أوضح أن الرواتب الضخمة المخصصة لمراكز قوى عسكرية وأمنية تزيد من تفاقم الأزمة الاقتصادية والإنسانية في تلك المحافظات.
أزمة مع دعم مشروط
واكد الحداد أن المعالجات المعلنة من قبل حكومة ما يسمى “الشرعية” ليست سوى استجابة لمطالب سعودية تهدف إلى تلبية شروط برنامج إعادة الإعمار للحصول على الدفعة الأخيرة من المنحة المالية البالغة 1.2 مليون دولار. ومع ذلك، أشار إلى أن السعودية لن تقدم أي دعم إضافي في الأشهر المقبلة، خاصة وأن المبلغ المعلن لم يتم تحويله رسميًا إلى حسابات البنك المركزي في عدن.
كما شدد على أن الجانب السعودي يطالب بآلية شفافة لصرف هذه الأموال، وهي آلية لم تقدمها الحكومة حتى الآن، مما يزيد من تعقيد المشهد الاقتصادي في المحافظات الجنوبية.
تأخير صرف المرتبات
وكانت احتجاجات شعبية نظمها موظفو القطاع العام الحكومي في عدد من المحافظات الجنوبية المحتلة ، ومن بينها عدن وأبين وتعز وحضرموت ووصل ببعض القطاعات للإضراب عن العمل كقطاع التعليم وبعض الهيئات الصحية، للتعبير عن الغضب من تدهور الأوضاع المعيشية وسوء إدارة حكومة بن مبارك للوضع، حيث يطالب المحتجون بصرف المرتبات المتأخرة وزيادتها لتتماشى مع الارتفاع الجنوني في تكاليف المعيشة، مؤكدين أن الرواتب الحالية لا تكفي لتلبية الاحتياجات الأساسية، كما يعبر المحتجون عن استيائهم من تدهور الخدمات العامة، خاصة الكهرباء والمياه، واستمرار الحكومة في تجاهل مطالبهم المتكررة بتحسين هذه الخدمات.
فشل حكومي وتدهور اقتصادي
تشير التقارير الاقتصادية إلى أن حكومة المرتزقه فشلت في معالجة الأزمة المالية التي تعصف بالبلاد، فبحسب تقرير أممي فإن الوضع الاقتصادي في المناطق الجنوبية وصل إلى مرحلة خطيرة وأدت إلى المزيد من التوترات في العديد من تلك المحافظات خصوصا مع ارتفاع تكاليف المعيشة، ومحدودية توافر الخدمات العامة، بالإضافة إلى عدم قدرة الحكومة على دفع رواتب الموظفين للأشهر الماضية
وأشار التقرير الصادر عن شبكة نظام الإنذار المبكر بالمجاعة (فيوز)، ونشره مكتب “الأوتشا” بموقعه الرسمي الشهر الماضي، إلى أن “آخر مزاد أقامه البنك المركزي بعدن كان في 28 أكتوبر الماضي، تم فيه عرض 30 مليون دولار، ما يشير إلى أن البنك قد يستنفد احتياطياته من العملات الأجنبية.