- حلت الذكرى 107 لوعد بلفور المشؤوم، والشعب الفلسطيني يتعرض لحرب إبادة جماعية منذ 13 شهرا، وسط صمت المجتمع الدولي والدعم الغربي والأمريكي للكيان الصهيوني على حساب مظلومية وقضية الشعب الفلسطيني.
وإذا كانت الصهيونية قد نجحت طوال هذه الفترة في تحويل مشروعها ورؤيتها للدولة اليهودية إلى حقيقة مؤلمة على أرض الواقع، فإن العرب ما يزالون يعيشون النكبات والخيبات واحدة بعد الأخرى، حتى سجلوا مع معركة طوفان الأقصى مواتا شاملا غير مسبوق على الصعيدين الرسمي والشعبي، إلا من قلة مقاومة ماضية على طريق الانتصار لحقوق الشعب الفلسطيني، وانتزاعها بالقوة وبعطاء الدم مهما كانت التضحيات. بالعودة إلى إرهاصات وعد بلفور والمتغيرات الدولية التي شهدها العالم إبان وبعد الحرب العالمية الأولى، نلحظ أن بريطانيا العظمى آنذاك كانت رأس الحربة في مساعدة الصهيونية وتمكينها من فلسطين، انسجاما مع الإمبريالية الغربية التي احتلت وسيطرت على غالبية دول العالم النامية، بما في ذلك الوطن العربي ودويلاته الفتية، حيث تعرضت منطقتنا لحالة فجة من التجزئة والقسيم على أيدي القوى المنتصرة في الحرب، التي أمكن لها الإجهاز على الدولة العثمانية وفرض شروط وإملاءات تعسفية أدت إلى محاصرتها في منطقة الأناضول، حتى قيام الجمهورية التركية.
غدت فلسطين منذ مؤتمر سان ريمو 1920، تحت الانتداب البريطاني، وكان العرب قد اكتشفوا خيانتين كبيرتين كانتا برسم بريطاني، الأولى: اتفاقية سايكس بيكو1916، والثانية وعد بلفور 2 نوفمبر 2017م، والذي نص على منح اليهود وطنا قوميا في فلسطين العربية.
كانت المسألة اليهودية ضاغطة على الدول الاستعمارية في أوروبا، وكانت الصهيونية التي تبنت حل المسألة اليهودية، قد عملت من خلال نفوذها على إقناع المجتمع الغربي بأهمية أن يكون لليهود دولة خاصة بهم، وقد كان هذا الحل يمثل مصلحة مشتركة، إذ كان العداء لليهود على أشده في معظم أوروبا، فإذا كانت هذه الدولة ستفتح بابا لهجرة اليهود خارج أوروبا، فما المانع من دعم قيامها؟
تبعا لذلك كان الساسة في الغرب يرون أن بإمكانهم دعم فكرة الدولة اليهودية على تفاوت بين هذه الدولة وتلك، إلا أن بريطانيا قدمت المخارج العملية، واقترحت على كبار اليهود من زعماء الصهيونية إقامة وطن قومي لليهود في أوغندا، وهو ما وافق عليه هرتزل، فيما رفضته غالبية الزعامات الصهيونية، التي كانت فكرتها تدور حول فلسطين كونها في معتقداتهم أرض الميعاد.
التقى الصهيوني حاييم وازيمان بوزير خارجية بريطانيا آرثر جيمس بلفور، وكانا على اتصال وتعارف سابق، وكانت المسألة اليهودية حاضرة دائما في نقاشاتهما، إلى أن اقتنع بلفور بأن فلسطين هي المكان الأنسب لقيام الدولة اليهودية، وفي ذلك التقت الرؤية الصهيونية بالمشروع الإمبريالي، وقد سعت بريطانيا لتحقيق أكثر من هدف، إذ كانت بحاجة إلى دعم الحركة الصهيونية، وخاصة يهود ألمانيا، كما أرادت القطع على أي دولة إسلامية في المنطقة العربية، بزرع جرثومة سرطانية في قلب العالم العربي، بل وأبعد من ذلك زعم وايزمان في مذكراته أن بريطانيا أرادت من خلال الدولة الصهيونية خلق كيان متحضر في مواجهة البربرية. وللأسف ما يزال الغرب ينظر إلى العرب ويتعامل معهم على أنهم ” برابرة “، فيما إسرائيل هي عنوان التحضر في المنطقة..!، ولعل ذلك ما عناه واستند إليه الصهيوني نتنياهو في خطابة المتزامن مع الذكرى الأولى لطوفان الأقصى حين قال بكل وقاحة: نخوض حرب الإنسانية ضد البربرية وأصدقاؤنا في الدول العربية والعالم يعرفون أننا إن لم ننتصر سيأتي دورهم ..