شفيق علي القوسي
في ذكرى وفاة شاعر اليمن الكبير الأستاذ/ *عبدالله عبد الوهاب نعمان* ( *الفضول*)،، أبت خلجاتي إلا أن تعبر عما يجيش فيها، فانسكبت، وانصبّ صيّبُها قائلا:
أيها الفضول القابع في تعاريج أوردتنا… ها أنت تشعل صمتنا البهيم، وتفتح في جدار الأسى كوّة للنور، لعلنا نطل منها، لنرسل إليك بتحية مباغتة عابرة، أو بمطلع أغنية تربّت إيقاعاتها على يديك!!! .
وهي تلتحف المسرّة، وترتدي غيمة بيضاء للألفة، ووردة عابقة المودة، ولوعة مشبوبه اللهفة، وأزمنة محتشدة بالحنين، وسبل لا تنفد من نور الشجون المعتقة، وأنت تهيّئ نفسك لتقديم شذرات طويلات من البوح الحميم، وتلقي هطول كثيف من أمطار النقاء، التي تقذف أفياء الدهشة في مآقي الهوى!!!
ها أنت تستلّ غيابنا، وتنسل من بين أحزاننا، وتخرجنا من جُبِّ النسيان العميق، والضياع المخيف، في زمن بلا نوعية تغلفه، ودون رشد يحصنه من الزلل.. تخرجنا من ذاكرة
مطمورة برمل الوحشة، ومترعة برماد الونى، وتراكم القطيعة والجفاء، وترسبات العزلة، وارتحالات المودة إلى صقيع يلفظ معاني الدفء وتعابير الفرح، وفيح لافح يقتات من تعابير وجوهنا الألق الشاحب.
ها أنت تسقي جدبنا، وتنعش خضرة أرواحنا، وتزيل قحط أعماقنا العامرة بصفير الرياح،
وعويل الخيبة، وعواء الخريف، وفرقة الحيرة في فضاء يضيق بنفسه، ويخنق ما ازدهر من فيضه، ويبعثر ما اجتمع من قوته واحتدامه.. ها أنت تقشر أيامنا، وتستلّ أوجاعنا، وتوثق ابتهالاتنا الراجفة في محراب الود، وتبحث عن لون ينسجم مع بقايا العواطف التي أخذ اليباس يلتهم طريّها، والمشاعر التي أثقلها الإرث من الأسى والمآسي، والآهات المتجددة، والحكايات الغائمة بأسئلة تعرج في طريقها نحو الحقيقة، وقد ضلت طريقها، وهي تتحسس عن مغارة أو مدّخلا تولّي إليه اصطبارها اللاهب من سعير اللحظة الراهنة، ها أنت تنقش ملامحنا، وتكتب على خفقاتنا، سطورا تلهج ببروقها القادمة من أصابع القصيدة التي تلوّح لك من خدرها البعيد، ومن عروشها المنيعة وأعاليها الباسقة.
ها أنت تمدّنا إليك، وترشقنا بحضورك الغضّ، ونداك المهادن، ويناعه حرفك المخضرّ بالمحبة والمواسم المتوثبة لدلق رحيقها وبسط آفاقها أمام دهشتك البريئة… ها أنت تتحفنا بحضورك البهي، وتغرس في معطف انتظارنا وردة تتلألأ بكل ما هو رائع ومخالف لأنظمة الرتابة والضجر المتمدد بدون خجل، والملل الذي يدلي بأستاره من فوق الجميع دونما اعتبار لمقام صبح، أو مكانة معنى، أو يليق بنجمة عابرة…
أيها الفضول: يامن ازدهر القصيد في جوفك عشقا، وأثمر البيان حبا، وتمدد البوح صدقا، ها أنت تضفّر من حدقاتنا عروشا للوطن، وتغرس في مسام أجسادنا عرى بقائه، وأطناب رخائه.. أيها المسافر فينا لحنا طروبا، والماكث معنا شوقا فريدا، والباعث لنا فخرا تليدا.. السلام عليك أيها الشهاب الراصد لكل تسلّلات انكساراتنا، والساحق الماحق لكل جحافل تخاذلنا..
السلام عليك أيها القمر الماسي الذي ما فتئ ينير ليالينا العابسات، ويؤنس وحشة أحلامنا المرتعشات… سلام عليك أيها اللحن الخالد، والصبح الشارق، والمزن التي لا تسكب إلا عطرا وعشقا وودا، وتعبق إلا أريجا ووردا… والحب كله عطر لكنّ حبك عطره فريد، عطر أترع أغوارنا عبير مخضلا بندى مشاعرك الصادقة النبيلة.. سلام عليك… سلام عليك..
ذمار 5/7/2024 م